من جديد عادت الأخبار عن نية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إدخال الأنشطة المسيحية إلى بلاد الحرمين، لكن هذه المرة جاءت على لسان جويل روزنبرغ أحد أشد المسيحين الإنجيليين الأمريكيين دفاعاً عن “إسرائيل”.

روزنبرغ كشف في حديث مع قناة “i24” الإسرائيلية، يوم 25 نوفمبر 2018، عن وعد قدمه له بن سلمان خلال لقائه به الشهر الماضي في الرياض، حيث أوضح أن اللقاء انصب حول فتح كنائس في المملكة، وأن بن سلمان أخبر الوفد أنه لا يمكن الآن السماح بفتح كنائس في بلاد الحرمين، على اعتبار وجود حديث نبوي شريف يقول: “لا يجتمع دينان في جزيرة العرب”.

غير أن ولي العهد السعودي وعد روزنبزغ أنه سيطلب من علماء الدين في بلاده إشاعة أن جزيرة العرب الواردة في الحديث تعني فقط مكة والمدينة، ما يسمح لاحقاً بفتح كنائس في البلاد.

ووفق ما كشفه الإنجيلي الأمريكي، فإن بن سلمان أخبره أن فتح كنائس في الوقت الراهن سيعتبر “هدية” لتنظيم القاعدة، الذي “سيعمد إلى مهاجمتها وتفجيرها”.

وعن العلاقة بين “إسرائيل” والسعودية رفض روزنبرغ الإفصاح عمَّا دار بينه وبين ولي العهد، وقال: “لقد طلب منا ولي العهد محمد بن سلمان أن نتكتم عن هذا الموضوع”.

من هو ضيف بن سلمان؟

واستضاف ولي العهد السعودي وفداً مسيحياً إنجيلياً للمرة الأولى في أكتوبر الماضي، كخطوة فسرها مراقبون على أنها صوب التطبيع العلني بين المملكة والمسيحية و”إسرائيل” أيضاً.

حيث يعتبر روزنبرغ واحداً من أكثر المستشرقين الإنجيليين دفاعاً عن إسرائيل، وتمسكاًبالنبوءات التوراتية، كما سبق أن عمل مستشاراً إعلامياً لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بحسب بحث أجراه “الخليج أونلاين”.

ومن النبوءات التي يؤمن بها ونشرها في كتابه “التوراة ودمشق” دمار العاصمة السورية دمشق بشكل كامل مع قرب نهاية الزمان، تحقيقاً لما ورد في سفر “إشعيا” و سفر “إرميا”، وبحسب رأيه “تختفي هذه المدينة عن الخريطة و تصبح أثراً بعد عين كعقاب إلهي على شرورها، وتمهيداً لظهور المسيح المخلص الذي يقيم (إسرائيل الكبرى)”، وقد كان كتابه هذا من أكثر الكتب مبيعاً في العام 2016 بالولايات المتحدة و”إسرائيل”.

كما عقد روزنبرغ سلسلة مؤتمرات عالمية لجمع التبرعات لجيش الاحتلال الإسرائيلي، أبرزها خلال حرب عام 2008 عندما جمع نحو 30 مليون دولار خلال سلسلة مؤتمرات عقدها بالولايات المتحدة، بحسب ما ذكرت صحيفة “هآرتس” العبرية في تلك الفترة.

كما لا يترك روزنبرغ فرصة إلا ويشن هجوماً على الإسلام وعلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وسبق أن سخر من “الإسراء والمعراج” في حوار له مع قناة “فوكس نيوز” الأمريكية عام 2014.

كنائس ببلاد الحرمين

وسبق أن كشف موقع “Egypt Independent”، في 3 مايو الماضي، أن السعودية وقّعت اتفاقاً مع الفاتيكان يقضي ببناء كنائس للمسيحيين في المملكة.

لكن الموقع، الذي يعدّ النسخة الإنجليزية لصحيفة “المصري اليوم” المعروفة، حذف التقرير في وقت لاحق دون إبداء توضيح، إلا أنه ذكر في المادة المحذوفة أن الخطوة السعودية تأتي عقب الانفتاح الواسع في البلاد، بحسب ما تناقلته عدة وسائل إعلام عالمية، منها صحيفة “ديلي ميل” البريطانية.

ويشمل الاتفاق المذكور بناء كنائس للمسيحيين، والدعوة إلى تبادل الثقافات بين الأديان؛ “لدوره المهمّ في نبذ العنف والتطرّف والإرهاب، ودوره في تحقيق الأمن والاستقرار في العالم”.

وينصّ الاتفاق على أنه سيتم إنشاء لجنة مشتركة منسّقة تضم ممثِّلَيْن اثنين عن كل جانب لتنظيم اجتماعات مستقبلية، ومن المتوقع أن تُعقد اللجنة مرة واحدة كل عامين، وسيتم عقد اجتماعاتها بين روما ومدينة تختارها رابطة العالم الإسلامي.

الحديث عن دخول المسيحية إلى السعودية ليس بجديد، إذ إن عزم المملكة على ترميم كنيسة تاريخية في مدينة الجبيل وبناء أخرى، عقب زيارة البطريرك الماروني بشارة الراعي للرياض، يوم 14 نوفمبر 2017، لم يعد خافياً على أحد، رغم الصمت المطبق من سلطات المملكة وعدم توضيح الأمر للرأي العام.

فقد أثارت الزيارة التاريخية التي أجراها البطريرك الماروني اللبناني إلى السعودية ولقاؤه الملك سلمان بن عبد العزيز، ووليّ عهده الأمير محمد بن سلمان، جدلاً واسعاً حول دلالاتها وأهدافها الخفيّة، إذ تعتبر الأولى من نوعها لزعماء أصحاب الديانات غير المسلمة للمملكة، رغم أن المؤسسة الدينية السعودية معروفة بفتاويها التي لا تخلو من التحريض ضد أصحاب الديانات غير الإسلامية علناً.

وفي مشهد تاريخي، وصل الراعي إلى بلاد الحرمين، التي لم تطأها قدم بطريرك ماروني منذ فجر الإسلام، في حين اعتبرت صحف خليجية أن المسألة تتجاوز الانفتاح السياسي السعودي على الديانات الأخرى، وإنما هي تحوّل في العلاقة الإسلامية-المسيحية، في لحظةٍ غلب عليها التطرّف والدم والخوف، والبحث عن حمايات خارجية لأصحاب الديانات غير الإسلامية في بلاد الإسلام.

واللافت أن مؤسس السعودية الملك عبد العزيز آل سعود، طرد يهود نجران الذين رفضوا عرضه بالإسلام إلى اليمن، التزاماً بحديث أنه “لا يجتمع دينان في جزيرة العرب”، لكن خطوات محمد بن سلمان تظهر نيته نقض أسس جده.

ويعيش نحو 3.5 ملايين مسيحي على الأقل في جزيرة العرب، أغلبهم من الهند والفلبين، ويعتنقون الكاثوليكية، إضافة إلى مغتربين غربيين من مختلف الطوائف، بحسب تصريحات مسؤولين في الفاتيكان.

وتحظر المملكة بناء أي دور للعبادة غير المساجد للمسلمين، وفي حال أقدم المسيحيون على التعبّد في أماكنهم الخاصة فإنهم يتعرّضون لخطر الاعتقال والسجن، في حين تنتشر الكنائس في الإمارات وقطر والكويت والبحرين وعُمان واليمن، ويمارس بها المسيحيون طقوسهم الدينية.