كشف عدم توجه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى المغرب، خلال جولته الخارجية الأخيرة، استمرار الأزمة الصامتة بين الرياض والرباط.

الجولة التي بدأها بن سلمان يوم الخميس (22 نوفمبر)، استثنى منها المغرب، وزار تونس قادماً من مصر والبحرين والإمارات، قبل أن يصل إلى الأرجنتين للمشاركة في قمة العشرين، ومن المخطط أن يزور الجزائر وموريتانيا في وقت لاحق.

وفي الوقت الذي ذكرت فيه مواقع مغربية أن المغرب رفض زيارة بن سلمان، قالت وسائل إعلامية أخرى إن الرباط اقترحت أن يستقبل الأمير رشيد، شقيق الملك محمد السادس، ولي العهد السعودي بدلاً من الملك، ما دفع بن سلمان “للتشطيب” على المغرب من لائحة زياراته.

وتأتي جولة بن سلمان في ظل تأزم ملف اغتيال الكاتب السعودي جمال خاشقجي، بقنصلية بلاده بمدينة إسطنبول التركية، وتورط ولي العهد بشكل مباشر بهذه الجريمة، وفق ما استنتجه الاستخبارات الأمريكية، ما نتج عنه احتجاجات ورفض كبير لزيارته لتونس من قبل مسؤولين ومدنيين.

وبعد ما تداولته وسائل إعلام محلية عن رفض المغرب لزيارة بن سلمان، احتفى مغربيون بهذا الرفض في ظل العلاقات السعودية والمغربية التي بدا عليها التوتر الكبير مؤخراً، وفي ظل ملفات متلاحقة.

ويرى الناشط المغربي، أنس رضوان، أن بلاده في السنوات الأخيرة اعتمدت مبدأ التريث وعدم التسرع في إبداء المواقف على المستوى الدبلوماسي، بالإضافة إلى الحفاظ على نوع من “المسافة المتساوية” بين أطراف الصراعات، وأحياناً “الحياد الإيجابي”.

ومن هنا يبدو- بحسب رضوان- أن عدم زيارة بن سلمان للمغرب هو “تحصيل حاصل، سواء لاقتناعه أنه لن يجني تضامناً ودعماً رسميين، أو لأن أصحاب القرار يرفضون الدخول في دوامة الصراع القائم”.

ويضيف، في حديثه لـ”الخليج أونلاين”: “إلى حدود الساعة لا شيء رسمي في هذا الصدد، إلا أن مجموعة من التسريبات التي تناقلتها وسائل إعلام مغربية وأخرى خليجية، تؤكد أن الديوان الملكي المغربي أخبر نظيره السعودي أن أجندة الملك محمد السادس حافلة، ومن ثم لا يُمكنه اللقاء به شخصياً، وتعويض ذلك بشخصية من الدرجة الثانية في البلاد كرئيس الحُكومة”.

ويرى أيضاً أن “من بين القراءات التي قد تؤخذ بها الموضوع عدم رغبة المغرب في خلق نوع من التوتر داخل الرأي العام الوطني، واعتماد مبدأ “كم من حاجة قضيناها بتركها”، خاصة أن الناطق باسم الحكومة سبق أن رفض في وقت سابق التعليق على مقتل خاشقجي، باعتباره ملفاً معروضاً على القضاء”.

– علاقة متذبذبة
إلغاء المغرب من قائمة الزيارات جاء بعد أن جمع السعودية والمغرب علاقات وثيقة على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية، خلال العقود الستة الماضية، ساءت العلاقات بشكل متسارع.

آخر ما حصل كان إثر أزمة مقتل خاشقجي، إذ لم تقف المغرب مع السعودية، وكان التصريح الرسمي الوحيد لها حول هذه القضية بأن الملف بيد القضاء.

وقبلها أفادت تقارير نقلتها وكالة الأناضول التركية بأن المغرب احتج رسمياً لدى “المؤسسة الأهلية لمطوفي حجاج الدول العربية” على ما وصفه “باختلالات” ومعاناة تعرض لها حجاجه هذا العام.

وهذا الاحتاج في حال حصل فعلياً فهو يمثل خطوة نادرة وغير معهودة في التعاطي بين الدولتين اللتين ربطتهما خلال العقود الستة الماضية علاقات وثيقة على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية.

وفي ظل العديد من التوترات بين البلدين التزم المسؤولون الصمت، وعلى الرغم من هذا الصمت وشحّ التصاريح الرسمية فإن بعض القضايا أبت إلا أن تكشف نفسها، وتبين حجم الهوة بين البلدين.

ففي يوليو صيف هذا العام، لم يتوجه العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز في إجازته المعتادة إلى مدينة طنجة المغربية، واستبدلها بـ”نيوم” شمال غربي السعودية، لتُحرم المدينة من 100 مليون دولار ينفقها عادة في إجازته السنوية هناك.

وفسّر مراقبون عدم توجهه إلى المغرب بأنه يأتي في سياق التوتر أو الجفاء بين البلدين.

كما أن الموقف المغربي الأخير من الأزمة الخليجية، الذي رفض التماشي مع دول حصار قطر الأربع (السعودية، الإمارات، البحرين، مصر)، وتبني المغرب موقفاً حيادياً ودعوته إلى الحوار، لم ينل رضا الجانب السعودي.

حيث تضامنت المغرب مع قطر بعد الحصار الذي بدأ في يونيو 2017، وأرسلت المملكة إليها مواد غذائية، وما عزز موقفها لاحقاً زيارة العاهل المغربي إلى الدوحة ولقاؤه بأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.

وحاولت دول الحصار الضغط على المغرب عبر ملف الصحراء الغربية المتنازع عليها بين الرباط وجبهة بوليساريو، ووظفت بعض وسائل الإعلام التابعة لها لتثبت تقارير صورت فيها المغرب باعتباره دولة احتلال.

وهنا يقول الناشط المغربي، لـ”الخليج أونلاين”، إن موقف المغرب من الأزمة كان “مُتسماً بنوع من الحياد تُجاه الأطراف، إذ شدد الملك حينها على ضبط النفس والتحلي بالحكمة من أجل التخفيف من التوتر وتجاوز هذه الأزمة وتسوية الأسباب التي أدت إليها بشكل نهائي، مبدياً استعداد المملكة للوساطة من أجل حلها”.

وشهد ملف الرياضة أيضاً تأزماً بين البلدين إذ صوتت السعودية ضد استضافة المغرب لكأس العالم 2026، بعد تصويتها للملف الثلاثي (الولايات المتحدة، وكندا، والمكسيك)، ما اعتبرته الرباط “خيانة” لها.

وجدير بالذكر أن السعودية عينت مؤخراً سفيراً جديداً لها في المغرب، وهو عبد الله الغريري خلفاً لعبد العزيز خوجة.

وعلى الرغم من التقارير والأنباء المتداولة عن توتر العلاقات بين البلدين فإن العاهل السعودي ونجله ولي العهد يتبادلون الرسائل الرسمية مع المغرب.

أليف عبدالله أوغلو