تلعب الرياض منذ أمد بعيد، على ضخ أموال طائلة داخل أروقة الإعلام البريطاني كي يروّج لسياساتها، وتحسين صورتها أمام العالم، زادت هذه الوتيرة منذ قدوم محمد بن سلمان إلى ولاية العهد في المملكة العربية السعودية، وحرصه على الظهور في صورة المجدد الإصلاحي.

في مقابل ذلك حصلت بعض الصحف وشركات العلاقات العامة والدعاية والإعلان البريطانية، على أموال للقيام بهذه المهمة، في ظل تعرّض الرياض لانتقادات شعواء جراء سياستها التي تنتهك حقوق الإنسان.

بدءا من حرب اليمن التي دفع ثمنها آلاف المدنيين نتيجة القصف العشوائي لقوات التحالف بقيادة المملكة، ثم مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، ما أسقط ورقة التوت عن بن سلمان، وواجه اتهامات بخرق القانون الدولي، واغتيال المعارضين السياسيين.

 

شبكة أبو الجدايل

“خارج محطة قطارات واترلو هناك أكوام من نسخ صحيفة “إيفننغ ستاندرد”، التي يقتنيها بانتظام الركاب المتعبون الذاهبون إلى بيوتهم. تهتم هذه الصحيفة بتغطية الأمور المتعلقة بالحياة اليومية وطرق المعيشة لا الأخبار السياسية، لكن استطلاعا مرتجلا من القراء يظهر عدم ارتياحهم لشراء سلطان سعودي نسبة 30% من أسهم الشركة المالكة لها بحوالي 31 مليون دولار”.

هذا مطلع تقرير نشرته مجلة “الإيكونوميست” البريطانية، المهتمة بالشؤون الدولية، بتاريخ 6 يوليو/ تموز الجاري، تحت عنوان “بريطانيا تحقق في تأثير السعودية على صحيفتين”.

المجلة أكدت أن هناك العديد من المواقف لقراء وسياسيين بريطانيين يدعمون قرار وزير الثقافة “جريمي رايت” في 27 يونيو/ حزيران 2019، من إجراء تحقيق في عملية الشراء التي قام بها “سلطان محمد أبو الجدايل”، المصرفي السعودي الذي لا يعرف عنه الكثير، ويعتقد أنه مرتبط بالحكومة السعودية،

وتصف وزارة رايت عملية الشراء بأنها “امتلاك محتمل من دولة أجنبية”.

التقرير لفت إلى أن استثمار أبو الجدايل في “إيفننغ ستاندرد” ليس الوحيد، فكان الاستثمار الأول في عام 2017، عندما اشترى نسبة 30% في “إندبندنت الرقمية للأخبار والإعلام”، وهي صحيفة أعظم شأنا من “إيفننغ ستاندرد”.

موضحا أنه بعد عام “وافقت الصحيفة على إنشاء نسخة عربية (إندبندنت عربية)، وأخرى أردية وفارسية وتركية”، وذلك بالتعاون مع شركة الأبحاث والتسويق السعودية، وهي شركة إعلامية مرتبطة بالعائلة السعودية الحاكمة، وينظر إليها على أنها فرع “للقوة الناعمة في البلد”.

وأشارت “إيكونوميست”، إلى أن “ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، كان في ذلك الوقت يتمتع بسمعة المصلح”، لكن عملية الشراء تمت بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي، الذي يعتقد أن استهدافه بالجريمة جاء بأوامر من ولي العهد.

ونبهت المجلة البريطانية، إلى أن مالك صحيفتي إندبندنت وإيفننغ ستاندرد، هو “يفغيني ليبديدف”، ابن أحد الأثرياء الروس، وضابط سابق في مخابرات الاتحاد السوفيتي “كي جيه بي”، لكنه لم يكشف عن هوية المستثمر الجديد، الذي كشفت عنه صحيفة “فايننشال تايمز” في فبراير/ شباط 2019.

وفي ختام التقرير خلصت “إيكونوميست” إلى أنه بناء على نتائج تقرير المؤسستين، فإن “وزارة الثقافة قد تطلب من سلطة التنافس والتسويق التحقيق في صفقات أبو الجدايل، وربما كانت واحدة من النتائج التي يتم التوصل إليها إجبار(ليبديدف) على فك الصفقتين”.

لكن مديرة شركة “لينكليترز” القانونية نيكول كار، قالت إن “هذا غير وارد، بالنظر إلى عمليات اندماج سابقة بين الصحف”، وربما طالبت وزارة الثقافة ببعض الحلول للحد من التأثير السعودي في الإعلام البريطاني.

 

أجندة بن سلمان

في 31 مارس/ آذار 2018، كشفت صحيفة “الجارديان” البريطانية أن “وكالة العلاقات العامة الرئيسية “فرويد”، التي عملت مع السعودية تحاول النأي بنفسها عنها، وذلك بعد أن أثيرت العديد من المخاوف بشأن قرار صحيفة ” إندبندنت”، إقامة شراكة مع ناشر سعودي على علاقة وثيقة بحكومة الرياض.

وبيّنت “الجارديان” أن مكتب مجلة “فايس” في لندن كان يعمل على سلسلة من الأفلام للترويج للمملكة، وتبرعت شركة نشر سعودية توقع شراكات مع شركات إعلامية غربية، لـ “معهد توني بلير للتغيير العالمي”، مقابل تقديم مشورته للبلاد، وكذلك قدّمت الشركة التي يعمل فيها موظفون سابقون في شركة العلاقات العامة المنهارة “بيل بوتينغر” المشورة للدولة السعودية حول إستراتيجية الاتصالات.

وتشمل الشركات المعنية شركة “لندن بي آر كومباني كونسلم”، التي يعمل فيها موظفون سابقون من “بيل بوتينغر” التي عملت على برامج الاتصالات مع الحكومة السعودية.

ومن الشركاء في الشركة “ريان كوتزي” المستشار السابق لـ”نيك كليج” كبير الإستراتيجيين في الحملة المؤيدة لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي خلال فترة الاستفتاء.

ودعمت “فرويد” التي أسسها ماثيو فرويد، العلاقات العامة لإطلاق “رؤية 2030” للمملكة، في ظل حكم بن سلمان في عام 2016. وسارعت العديد من مجموعات الإعلانات والعلاقات العامة البريطانية إلى السعودية، خلال فترة صعود ولي العهد محمد بن سلمان، إلى السلطة.لكن اختفاء خاشقجي والإعلان عن قتله، أديا إلى تقويض محاولات بن سلمان تحسين صورة البلاد.

 

أوفكوم تتدخل

في 29 أغسطس/ آب 2018، أصدرت الهيئة البريطانية المنظمة للإعلام “أوفكوم” قرارها بمنع “السعودية من الترويج لأجندتها الإصلاحية على التلفزيون البريطاني”، وكانت السعودية قد دفعت أموالا لبث إعلان مدته دقيقة، يتضمن صورا عن قيادة النساء، ودور السينما التي أعيد فتحها وأعضاء العائلة الحاكمة، خلال زيارة ولي العهد محمد بن سلمان هذا العام إلى بريطانيا.

وقالت الحكومة السعودية إن الإعلان الذي تم بثه 56 مرة خلال 3 أيام على قناة “سكاي 1″، صمم “ببساطة لتعزيز التجارة مع المملكة المتحدة”.

لكن “أوفكوم” الجهة المنظمة للإعلام اعتبرت أن الرياض كانت تحاول التأثير على الرأي العام البريطاني، وكسرت الحظر الصارم الذي فرضته المملكة المتحدة على الإعلانات السياسية المدفوعة على محطات التلفزيون والإذاعة.

وأوردت صحيفة “الغارديان” البريطانية، تقريرا عن هذا الحدث، وذهبت إلى أبعد من الترويج لولي العهد السعودي، وسياسة المملكة، وقالت إن “أوفكوم تحقق فيما قامت به شبكة تليفزيونية مقرها لندن، وتتصل بالسعودية، بعد أن أذاعت تعليق المتحدث باسم (حركة النضال العربي لتحرير الأهواز)، وهي كما وصفتها الصحيفة جماعة انفصالية متطرفة، يشيد فيه بالهجوم الإرهابي الذي وقع في مدينة الأهواز الإيرانية وأسفر عن مقتل 24 شخصا على الأقل بينهم أطفال”.

وأكدت الصحيفة البريطانية أن “تحقيق هيئة الرقابة الإعلامية يبرز التأثير المتنامي للقنوات المرتبطة بالسعودية والتي تعمل من لندن، وأصبحت على نحو متزايد ساحة معركة إعلامية رئيسية للحروب بالوكالة في الشرق الأوسط”.

 

إيران إنترناشيونال

في مايو/ أيار 2017، تم إطلاق قناة إيران إنترناشيونال، التي تقع في مدينة “تشيسويك” غرب العاصمة البريطانية لندن، وهي أول مؤسسة إعلامية باللغة الفارسية.

و”إيران إنترناشيونال”، هي واحدة من عدد متزايد من محطات التلفزيون الممولة سعوديا في لندن، والمرتبطة بالشرق الأوسط، وأثيرت أسئلة حول تمويل الشبكة وارتباطاتها بالرياض، العدو اللدود لطهران.

وبعد هجوم 22 سبتمبر/ أيلول 2018، في مدينة الأهواز بإيران، أجرت القناة مقابلة مع المتحدث باسم حركة النضال العربي لتحرير الأهواز “يعقوب التستاري”، الذي أكد أن “أهداف الهجوم كانت مشروعة، حيث استهدف منصة مشاهدة العرض العسكري، في المكان الذي كان يقف فيه المسؤولون أي (الحرس الثوري)”.

مشددا على “شرعية المقاومة المسلحة التي تتبناها حركة النضال التي يتحدث باسمها، ضد إيران”.

اللقاء أثار حفيظة منظمة “أوفكوم”، واعتبر العديد من الخبراء حسب صحيفة “الغارديان”، أن المقابلة بمثابة منح مساحة للبث في الغرب، لداعش بعد الهجوم الإرهابي، الذي تبناه التنظيم.

وفي هذا السياق أعلن “حميد بايدنيجاد” سفير إيران في المملكة المتحدة أن “السفارة الإيرانية في لندن تقدمت بشكوى ضد ما حدث”.

 

رحلات مجانية

في 22 أكتوبر/ تشرين الأول، عرض تقرير لصحيفة “العربي الجديد” تصريحات لرئيسة برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في “مركز تشاتام هاوس للأبحاث”، لينا خطيب، حيث قالت: إن “السعودية شرعت في حملة واسعة النطاق للعلاقات العامة تركز على بريطانيا والولايات المتحدة، على مدى العامين الماضيين مع صعود محمد بن سلمان”.

وذكر التقرير أن “الجهود السعودية امتدت إلى وستمنستر (بيوت البرلمان)، حيث تلقى العشرات من نواب حزب العمل، والمحافظين رحلات مجانية تزيد قيمتها عن 200 ألف جنيه إسترليني إلى السعودية، في السنوات الثلاث الماضية، مع رحلة نموذجية تكلف أكثر من 8 آلاف جنيه إسترليني”.

وأكد حصول عضو البرلمان المحافظ “رحمان شيستي”، على 46 ألف جنيه إسترليني لتقديم المشورة إلى “مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية”، على مدى عامين، حتى استقال من منصبه في يناير/كانون الثاني 2018.

وروّجت مجموعة “سي تي غروب” التي أسسها المحلل السياسي في حزب المحافظين لينتون كروسبي، مقالات المعارض القطري خالد الهيل، في الإعلام البريطاني، في إطار استهداف الدوحة، بعدما قادت الرياض مع أبوظبي والمنامة والقاهرة حصارا ضدها، في يونيو/حزيران عام 2017.