“عرين الأسود أيا معهدي.. أيا معقل العز والسؤدد.. ويا مشعلا في طريق الغد.. لمحق الظلام ومحو الظلم.. على نهج عبد العزيز البطل.. سنمضي ونهج الجدود الأول”.

مقطع من نشيد القوات البرية الملكية السعودية، لكن الأرقام والتقارير والتاريخ العسكري للوحدات القتالية السعودية، غير معبرة عن كلمات النشيد الذي يردد يوميا في ساحات المراكز العسكرية السعودية.

رغم أن الجيش السعودي من أفضل الجيوش تسليحا في العالم، بإمكانيات فائقة من حيث التجهيز، بالإضافة أن الرياض على رأس قائمة الإنفاق العالمي في شراء الأسلحة والمعدات القتالية، مع حشد بشري ضخم يتجاوز 200 ألف مقاتل، إلا أن الواقع في اليمن وحجم الإخفاق في إدارة الصراع ينذر بفشل ذريع للجيش السعودي يجعله يمتد لسنوات وسط انتهاكات مفزعة بحق المدنيين.

الصراع مع إيران، أفضى إلى استقدام قوات أمريكية لحماية المملكة، في حال تطورت القلاقل إلى حرب شاملة، وسط تساؤلات حقيقية عن مدى قدرة الجيش السعودي على حماية أرضه من معركة تحوم في الأفق، فضلا عن دخوله في معارك خارجية.

أرقام لا تغني

بميزانية دفاع تتجاوز 56 مليار دولار، يمتلك الجيش السعودي عتادا عسكريا يجعله من بين أقوى جيوش العالم، وتحتل السعودية مرتبة متقدمة بين أكثر الدول إنفاقا على قواتها المسلحة، ووفقا لتقرير موقع “غلوبال فاير باور” الأمريكي لعام 2019، يحتل الجيش السعودي المرتبة رقم 26 بين أقوى 136 دولة حول العالم.

واستخدم التقرير أكثر من 55 معيارا لتقييم الدول حسب قدراتها العسكرية، منها العوامل الجغرافية والموارد وتنوع الأسلحة. وبحسب الإحصائية، تأتي المملكة في المرتبة الرابعة عالميا بأكثر من 11 ألف مدرعة متنوعة، ومتعددة المهام.

وأورد مؤتمر ميونيخ للأمن الذي عقد خلال شهر فبراير/ شباط 2019، وضع الجيش السعودي، في تصنيف يشمل أقوى 5 أسلحة تمتلكها الجيوش الحديثة في العالم.

وأفاد التقرير، أن الجيش السعودي يمتلك 227 ألف جندي عامل، ولديه 47 مروحية هجومية متقدمة، إضافة إلى 333 مقاتلة حربية متعددة المهام.

وتتكون القوات البرية الملكية السعودية، من سلاح المشاة وطيران القوة البرية، وسلاح المدفعية والإشارة، وسلاح المهندسين وسلاح الصيانة، وسلاح النقل، وسلاح التموين، ولكل الأنواع السابقة مراكز ومدارس تابعة لها.

وعلى مستوى الأنظمة الدفاع الأرضية، يملك الجيش السعودي 1210 دبابات، و5472 عربة مدرعة مقاتلة، و524 مدفعا ذاتي الحركة، و432 مدفعا محمولا، و322 راجمة صواريخ متعددة القذائف.

وعلى مستوى القوات الجوية، تضم طائرات سلاح الجو السعودي 155 مقاتلة اعتراضية، و236 طائرة هجومية ثابتة الجناح، و187 طائرة نقل، و168 طائرة تدريب، و182 مروحية، و18 مروحية هجومية، وتعد القوات الجوية الملكية السعودية إحدى القوات الرئيسية التي تشكّل القوات المسلحة للمملكة، وترتبط بهيئة الأركان العامة بوزارة الدفاع والطيران.

وتمتلك القوات السعودية أسطولا بحريا يتكون من 55 قطعة بحرية من بينها سبع فرقاطات، وفيما يتمركز الأسطول الشرقي في قاعدة الملك عبد العزيز البحرية بالجبيل، يوجد الأسطول الغربي بقاعدة الملك فيصل البحرية بجدة.

الإنفاق العسكري

أقدمت السعودية في السنوات الأخيرة، على طفرة عسكرية غير مسبوقة طالت كافة القطاعات العسكرية، ويعتبر الإنفاق العسكري في صفقات السلاح هو الأعلى عالميا، حيث احتلت المملكة المرتبة الأولى في استيراد السلاح عام 2014.

وبحسب معهد ستوكهولم لبحوث السلام (SIPRI) في دراسته الصادرة خلال العام 2017، صعدت واردات الأسلحة في منطقة الشرق الأوسط بنسبة 103% خلال العقد الأخير، نتيجة الاضطرابات والتقلبات السياسية التي تشهدها.

وجاءت المملكة العربية السعودية كثاني أكبر مستورد للأسلحة في العالم خلال الفترة من 2008 إلى 2017، وحازت الأسلحة المصنعة في الولايات المتحدة الأمريكية على نسبة 98% من واردات المملكة.

كما أوضح تقرير أصدره برلمان منطقة والونيا ببلجيكا، حول أرقام مبيعات السلاح خلال 2015، أن السعودية استوردت ما يقارب 60% من أسلحتها المصنعة بقيمة 575.8 مليون يورو، وفق ما نقله موقع وتلفزيون بلجيكا عن جريدة لوسوار.

وفي 9 يونيو/حزيران 2017، كشفت وثيقة من البيت الأبيض تفاصيل صفقة الأسلحة التي وقعتها الولايات المتحدة والسعودية، خلال زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للمملكة، وتبلغ قيمتها 110 مليارات دولار.

حرب اليمن

فجر الخميس 26 مارس/آذار 2015، قاد الجيش السعودي ضمن تحالف عربي، عملية “عاصفة الحزم” باليمن ضد الحوثيين، وبلغ إجمالي المشاركة المعلنة في العملية صباح انطلاق العملية 185 طائرة مقاتلة، بينها 100 من السعودية، التي حشدت أيضا 150 ألف مقاتل ووحدات بحرية على استعداد للمشاركة إذا تطورت العملية العسكرية.

ورغم هذه القدرات التقنية إلا أن خبرات الجيش السعودي في خوض حروب مباشرة، أثبتت ضعفها، ولم تستطع القوات السعودية التوغل بريا في اليمن رغم امتلاكها حدودا مباشرة مع الحوثيين.

يتمركز الحوثيون في منطقة صعدة الشمالية، فإذا دخلت القوات السعودية صعدة فسيكون من السهل سقوط صنعاء، هكذا ظنت الرياض وعولت في هذا الأمر على حلفائها لكن لم يقبل أحد منهم التورط بحرب برية مكلفة سياسيا وبشريا، واكتفى المشاركون بطلعات جوية أو المشاركة في الحصار البحري مثل مصر.

وفي أبريل/ نيسان 2015 قال رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي خلال الندوة التثقيفية السادسة عشرة للقوات المسلحة إن “الجيش المصري لمصر وليس لأحد آخر”.

وفي 10 أبريل/ نيسان 2015، صوّت البرلمان الباكستاني لصالح قرار يقضي بعدم التدخل العسكري في اليمن في إطار عملية “عاصفة الحزم” التي تقودها السعودية ضد الحوثيين.

وبعد أيام من المداولات، صوّت نواب البرلمان الباكستاني بالإجماع لصالح قرار ينص على أن “باكستان ينبغي أن تحافظ على الحياد” بشأن الأزمة في اليمن. وكانت السعودية طلبت من باكستان المساهمة بسفن وطائرات وجنود في إطار الحملة العسكرية التي شنتها ضد الحوثيين.

جرائم وخسائر

رغم الإمكانيات الهائلة التي تمتلكها القوات المسلحة السعودية، والحشد الكامل لخوض حرب اليمن ضد جماعة الحوثي، لكن توابع المعركة كانت سلبية على أكثر من صعيد، وتسببت تلك الحرب في خسائر فادحة في أرواح المدنيين، فهناك عشرات الآلاف من القتلى والمصابين، وبلغت موجات النازحين نحو مليون إنسان.

نهاية العام 2015 أعلنت المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن ما يقرب من 2.5 مليون شخص فروا من مناطقهم إلى مناطق أخرى داخل اليمن.

وفي 9 أغسطس/ آب 2018، قتل 50 شخصا بينهم 29 طفلا في غارة للتحالف العربي بقيادة السعودية، استهدفت سوقا شعبيا في محافظة صعدة اليمنية، ما أدى إلى قلق عالمي، وفتح تحقيقات دولية بشأن تلك الجريمة البشعة، ووجّهت التهم إلى الإدارة السعودية، التي تضرب ضربات عشوائية غير مسؤولة في مناطق مأهولة السكان.

وبحسب منظمة الإغاثة الإنسانية التابعة للأمم المتحدة، بلغ عدد اليمنيين الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي 14.4 مليون، فضلا عن انتشار أمراض فتاكة مثل حمى الضنك، والملاريا.

وأكدت منظمة هيومن رايتس ووتش، في تقريرها الصادر بتاريخ 17 مارس/آذار 2017، أن السعودية أطلقت ذخائر عنقودية برازيلية الصنع على الأراضي اليمنية، وأصابت العديد من المدنيين والأطفال.

كما أعلنت منظمة العفو الدولية “أمنستي” في 10 مارس/آذار 2018، أن صفقة طائرات “تايفون” البريطانية السعودية، تصب الزيت على نار أزمة اليمن، وهي الصفقة التي وقّعها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في ختام زيارته لبريطانيا، بقيمة 10 مليارات جنيه استرليني.

كما استنكر “التحالف ضد بيع السلاح” الصفقة، وقال إنها تمثل تجاهلا من حكومة تيريزا ماي (رئيسة الوزراء السابقة)، للدعوات والنداءات المطالبة بتعليق بيع السلاح إلى السعودية حتى تتوقف الحرب في اليمن.

خيبة أمل

أورد سايمون هندرسون، وهو مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى تقييما لأداء الجيش السعودي، قال فيه: إن “أداء سلاح الجو السعودي ضعيف جدًا، كما أن أداء القوات البرية السعودية كان سيئاً في حماية المنطقة الحدودية جنوب غرب المملكة”.

وقال هندرسون: إن “الجيش السعودي هو أحد أفضل الجيوش تجهيزا في العالم، لكنه في واقع الأمر خيبة أمل كبيرة لمزوديه الأجانب بالأسلحة وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، لأنه مجرد نمر من ورق”.

وفي تقريره الذي جاء بعنوان “القيود على بيع الأسلحة للسعودية تعكس سخط الولايات المتحدة بسبب حرب اليمن”، أشار الخبير الأمريكي إلى أن الرياض تلقي باللوم على إيران لدعمها المتمردين الذين يخوضون حربا بالوكالة، إلا أنه شدد على أن “فشل المملكة في تحقيق أي ميزة عسكرية ينبع على ما يبدو من قصورها في ساحات المعارك أكثر من تدخل طهران”.

وقيّم سايمون هندرسون عمليات التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن منذ انطلاقها قائلا: إن “السعودية في شمال اليمن فشلت في استعادة الأراضي، وما زال الحوثيون يسيطرون على نحو نصف مساحة البلاد، بما فيها العاصمة والأراضي التي يوجد فيها معظم سكان اليمن الذين يقدّر عددهم بنحو 27 مليون شخص”.

استجداء الحماية

أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” في 18 يوليو/ تموز 2019، نشر قوات أمريكية في السعودية للدفاع عن المصالح الأمريكية، وسط التوتر المتفاقم في منطقة الخليج، وقالت الوزارة في بيان، إن الخطوة تمثل “رادعا إضافيا” في مواجهة التهديدات “الواقعية” في المنطقة.

وكان الملك سلمان بن عبدالعزيز قد طلب “استضافة قوات أمريكية لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة”

وأفادت تقارير إعلامية غربية بأن الجيش الأمريكي سينشر بطاريات صواريخ “باترويت” الدفاعية، وسربا من طائرات “إف-22” المقاتلة، في قاعدة الأمير سلطان الجوية، على بعد نحو 80 كم عن العاصمة الرياض.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2018، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمام تجمُّع انتخابي في ساوثافن بمدينة مسيسبي “نحن نحمي السعودية، ستقولون إنهم أغنياء، وأنا أحب الملك سلمان، لكني قلت: أيها الملك -نحن نحميك، وربما لن تتمكن من البقاء أسبوعين من دوننا- عليك أن تدفع لجيشك”.

وكشف موقع “Disclose” الفرنسي، حصوله على وثيقة عسكرية بتاريخ 15 أبريل/ نيسان 2019، صادرة عن الإدارة الفرنسية للمخابرات العسكرية ، وورد فيها انتقاد بشدة “للقوات المسلحة الملكية السعودية بسبب عجزها عن الاستفادة الكاملة من ترسانتها المدهشة”.

وذكرت الوثيقة تقديم إحاطة لاجتماع مجلس الوزراء الذي ضم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ووزير القوات المسلحة فلورنسا بارلي، أنه “يُنظر إلى الحرب التي شنتها المملكة العربية السعودية في اليمن على نطاق واسع على أنها واحدة من أكبر كوابيس حقوق الإنسان التي تحدث اليوم”.