نشر موقع “لوب لوغ” تقريرا للصحافي والباحث جوناثان فينتون هارفي، يقول فيه إنه في الوقت الذي سعت فيه كل من السعودية والإمارات لبناء قوتهما الناعمة عبر الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن الدولتين حاولتا أيضا أن تكسبا نفوذا أوسع في الغرب، واستهدفتا بالذات الأوساط الأكاديمية، التي تشكل هدفا مفيدا لهما للتسويق لروايتهما السياسية.

 

ويشير التقرير، إلى أنه منذ العقد الأول من الألفية الثالثة استقبلت الجامعات الغربية بشكل متزايد تمويلا من دول مجلس التعاون الخليجي، على شكل تمويل للمراكز الأكاديمية، ومنح للطلاب، وكراسي وزمالات أكاديمية، وتبرعات للأراشيف والمتاحف.

وينقل هارفي عن بروفيسور الدراسات السياسية في جامعة باكنغهام الدكتور أنتوني غليس، الذي قام سابقا بالبحث في التمويل الخليجي للجامعات الغربية، قوله: “مع حلول عام 2008 كانت السعودية قد دفعت لمعاهد التعليم العالي في المملكة المتحدة 189.8 مليون جنيه إسترليني، منها 21 مليونا لأكسفورد، و8 ملايين لكامبردج، ومليون لمركز دراسات الشرق الأوسط في كلية سانت أنتونيز، ومبلغ كبير لمركز الدراسات الإسلامية في أكسفورد”، بالإضافة إلى وصول تبرعات كبيرة لكل من جامعة دارهام وجامعة لندن للعلوم السياسية والاقتصادية وجامعة إكستر منذ ذلك الحين.

 

ويلفت الموقع إلى أن الجامعات الأمريكية تسلمت في الوقت ذاته 2.2 مليار دولار من دول الخليج منذ بداية عام 2012، بحسب تحليل لـ”فايننشال تايمز”، فمثلا وصلت عدة تبرعات لجامعة ماساتشوستس MIT من “أرامكو” السعودية، بلغت في آذار/ مارس 2018، 25 مليون دولار للأبحاث في الطاقة البديلة والذكاء الصناعي، ووصلت الجامعة تبرعات شخصية من مليارديريين سعوديين، وصلت إلى 43 مليون دولار.

ويفيد التقرير بأن جامعات هارفارد وييل ونورثويسترن وستانفورد ومعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا وغيرها من جامعات النخبة استفادت من التمويل السعودي، مشيرا إلى أن هذه الاستثمارات ركزت بشكل كبير على مراكز دراسات الشرق الأوسط الغربية، فكل قسم دراسات شرق أوسط في الغرب تقريبا يصله تمويل خليجي.

 

ويبين الكاتب أن إحدى آليات هذا التمويل هي استخدام مؤسسات مرتبطة بالدولة، ففي السعودية، قدمت مؤسسة الوليد للأعمال الخيرية (سابقا مؤسسة الوليد بن طلال) تمويلا مهما، ومنحا لعدة مؤسسات أكاديمية، في الوقت الذي قامت فيه مؤسسة الإمارات بإيجاد علاقات وثيقة مع الجامعات، مثل جامعة لندن للاقتصاد LSE؛ بهدف “دعم التعاون الأكاديمي بين LSE والجامعات العربية”.

 

ويقول الموقع إنه في المملكة المتحدة بالذات، فإن تخفيض النفقات الحكومية والخسائر المحتملة جراء مغادرة الاتحاد الأوروبي يعني أن الجامعات أصبحت بحاجة ماسة لمصادر جديدة للتمويل، لافتا إلى أنه في وقت يسعى فيه زعماء مثل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لتلميع صورتهم في بريطانيا وأمريكا، فإن المؤسسات التعليمية والمراكز الفكرية تصبح هدفا جذابا لسخائهم.

ويورد التقرير عن الدكتور غليس، قوله: “الخروج من الاتحاد الأوروبي يعني خسارة 7% من طلاب الاتحاد الأوروبي، وهو ما يعني خسارة 16% من تمويل الأبحاث التي تستخدمها جامعات المملكة المتحدة، ويتوقع تراجع التمويل الحكومي بحوالي 120 مليون جنيه إسترليني مع حلول العام الأكاديمي الجديد 2019-2020″، مشيرا إلى أن الجامعات في الغالب ستضطر للاعتماد بشكل أكبر على التمويل الخارجي.

 

وينوه هارفي إلى أن هذه الاستثمارات السعودية والإماراتية تبدو في الظاهر لتشجيع تحقيق فوائد أكاديمية للغرب وللدول المانحة، وفي الوقت ذاته إنشاء علاقات أوثق بين الغرب والخليج.

 

وينقل الموقع عن البروفيسور المساعد في جامعة كنغز لندن الدكتور أندرياس كريغ، قوله: “أول هدف للتمويل الأكاديمي هو بناء الإمكانيات، أي توفير المساقات الأكاديمية المختلفة للسكان الأصليين.. وكذلك استثمار السعودية في MIT لدعم مشروع البحث في الهايدروكربون وفي هذا السياق هناك اهتمام حقيقي بالبحث والتعليم المستقل”.

 

ويجد التقرير أنه في الوقت الذي يزيد فيه اعتماد الجامعات الغربية على الدعم السعودي والإماراتي، فإن ذلك يسمح لدول الخليج تلك بأن تشكل الرواية الأكاديمية، مشيرا إلى قول أندرياس كريغ إن الإمارات استخدمت مثل تلك الاستراتيجيات لتسويق روايتها ليس فقط مع الجامعات، لكن أيضا مع المراكز الفكرية.

 

ويورد الكاتب نقلا عن كريغ، قوله: “لقد فهمت الإمارات مدى أهمية المراكز الأكاديمية والخبراء في توفير الشرعية والمصداقية لرواياتها الاستراتيجية المهمة، ومنذ فضيحة Dubai Port World عام 2006 في أمريكا، فإن المكون الأكاديمي يشكل جزءا صلبا من شبكة المعلومات المضللة للإمارات”.

 

وأضاف كريغ: “تمويل المراكز الفكرية يمكن له أيضا شراء آراء ملائمة من الخبراء، أحيانا من خلال الدعم المباشر لرواية الممول، وأحيانا كثيرا بإلغاء معطيات خطيرة، وهنا يتم فقدان استقلالية الباحثين، وذلك أيضا لأنه سيتم اختيار الباحثين بناء على توافقهم مع رواية الممول”.