على غير ما جرت العادة في القرارات الملكية أن تصدر في الساعات المتأخرة من الليل، حيث يكون أغلب الشعب نائماً، جاءت هذه المرة أوامر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، مساء الجمعة (30 أغسطس 2019)، حاملة معها تعيينات وإعفاءات من المناصب، بالإضافة إلى هيكلة بعض الهيئات الحكومية.

ويبدو من القرارات الجديدة أنها في غالبيتها تزيد من سطوة ولي العهد محمد بن سلمان، وتضع رجالاته في أغلب المناصب الحساسة في البلاد.

الأوامر الجديدة

وعيَّن الملك سلمان، فهد العيسى رئيساً للديوان الملكي بمرتبة وزير، وبندر العيبان مستشاراً في الديوان، كما أعفى عقلاء بن علي العقلاء من منصبه نائباً لرئيس الديوان.

وشملت الأوامر الملكية عدداً من المسؤولين في المناصب المهمة بتعيين قسم وإعفاء آخر من مناصبهم؛ إذ عُيِّن بندر الخريف وزيراً للصناعة والثروة المعدنية، وعواد بن صالح العواد رئيساً لهيئة حقوق الإنسان بمرتبة وزير، وكذلك عين مازن الكهموس رئيساً للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بمرتبة وزير.

وعُيِّن كلٌّ من ماجد الغانمي نائباً لوزير العمل والتنمية الاجتماعية، وعبد الله الغامدي مديراً لمركز المعلومات الوطني بالمرتبة الممتازة.

وأُعفي بموجب الأوامر الصادرة من الديوان الملكي السعودي كلٌّ من رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد خالد المحيسن من منصبه. كما شمل الإعفاء تماضر الرماح نائبة وزير العمل والتنمية الاجتماعية، وخليل الثقفي الرئيس العام للهيئة العامة للأرصاد وحماية البيئة.

وقرر الديوان تحويل “هيئة تطوير الرياض” إلى هيئة ملكية باسم “الهيئة الملكية في الرياض”، وإنشاء وزارة باسم “وزارة الصناعة والثروة المعدنية”، وأيضاً تعديل اسم ديوان المراقبة ليكون الديوان العام للمحاسبة.

رجل ولي العهد في الديوان

ولعل السؤال الذي يطرح نفسه: “ما الرياح التي حملت بمدير مكتب وزير الدفاع (يشغله ولي العهد) إلى رئاسة الديوان الملكي؟”، حيث تدار شؤون المملكة وتتخذ أهم قرارات البلاد، وهو ما يزيد من قوة محمد بن سلمان ويهمش من دور والده الملك، وفق متابعين للشأن السعودي.

ويعد رئيس الديوان الملكي الجديد، فهد بن محمد بن صالح العيسى، أحد المقربين من ولي العهد، حيث يدير مكتبه في وزارة الدفاع من المرتبة الممتازة، منذ تقلد محمد بن سلمان الوزارة في 23 يناير 2015.

وهو بذلك مرافق لمحمد بن سلمان منذ بداية صعوده في المملكة حتى تقلد منصب ولي العهد، ومطلع بشكل جيد على أهم القرارات العسكرية التي اتخذت في اليمن منذ مارس 2015 وحتى اليوم.

و”العيسى” من مواليد عام 1964، وحصل على درجة البكالوريوس في الأنظمة من جامعة الملك سعود من كلية العلوم الإدارية مع مرتبة الشرف عام 1985، بحسب صحيفة “عُكاظ” السعودية.

وحاصل على درجة الماجستير في القانون من الجامعة الأمريكية في واشنطن عام 1991، وشهادة تقدير وتفوق من جامعة الملك سعود، علاوة على شهادة من سفير خادم الحرمين الشريفين لدى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1991 لتفوقه.

كما عمل باحثاً قانونياً في هيئة الخبراء بمجلس الوزراء، ثم مستشاراً قانونياً، فمستشاراً متعاوناً مع الديوان الملكي، وكلف بعدها بمنصب مدير عام لمكتب وزير الدفاع مطلع عام 2013.

وحصل العيسى على وسام الوحدة اليمنية الوطني من الدرجة الثالثة نظير جهوده في مفاوضات الحدود السعودية اليمنية عام 2001.

الديوان الملكي

ولعله لا يخفى على أحد أن متابعة ما يجري في زوايا الديوان الملكي أمر شديد الأهمية، خصوصاً أنّ الديوان هو الجهة الأساسية في الربط بين مؤسسات الدولة والملك، وبوجود شخصية تتبع لمحمد بن سلمان فيه يقوى نفوذه على حساب أي خصم آخر، يمكنه أن يصل إلى العاهل السعودي قبله.

ويعد الديوان الملكي المكتب التنفيذي الرئيسي لملك السعودية، كما يعتبر حلقة الوصل الرئيسية والأساسية بين الملك سلمان وحكومته ومؤسساتها.

كما يتبع للديوان مكاتب مستشاري الملك للسياسة الداخلية، والشؤون الدينية، والعلاقات الدولية، والأمن القومي، والتشريفات الملكية، بالإضافة للمكتب الخاص بالملك.

ويجري الملك معظم الشؤون الحكومية الروتينية من هذا المكتب، ومن ضمن ذلك صياغة الأنظمة والمراسيم الملكية.

ويستقبل في مقراته كبار ضيوف الدولة، ومنه تصاغ أغلب القوانين الملكية التي ستعرض على الحكومة، كما أنّه يمكن أن يجري العاهل السعودي أغلب استشاراته بما يخص التعيينات والأوامر عبره.

وتاريخياً لعب رئيس الديوان الملكي دوراً أساسياً في صياغة سياسات المملكة، وأشهرهم في ذلك خالد التويجري، الذي شغل المنصب قرابة عشر سنوات في ظل حكم الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، حيث تشير أغلب الأحداث إلى مركزية دوره في كل قرارات الملك، ولذلك صدرت إقالته بعيد موت الملك عبد الله على وجه السرعة.

يشار إلى أن المملكة تشهد صعوداً ملحوظاً لمحمد بن سلمان على حساب الملك وجميع أمراء آل سعود، ووضع أغلب مؤيديه في أهم المناصب الحساسة بالبلاد، كما أنه غير وجه الدولة المحافظة بشكل غير مسبوق، وزج بمئات الدعاة البارزين في السجون، إضافة إلى المئات من النشطاء والناشطات الذين كانوا يطالبون بالإصلاح والانفتاح الذي يقوده.