تبدو علاقة السعودية والإمارات بالسنوات الأخيرة، في أفضل صورها، ويعتقد كثيرون أن تحالفهما لا يُمكن أن ينفك، لكن وراء الأكمة ما وراءها.

وتهرع وسائل إعلام البلدين والأذرع الإعلامية المحسوبة عليهما إلى إبراز قوة العلاقة بين الرياض وأبوظبي، في مشهد يوحي بأن هذا التحالف “راسخ واستراتيجي، ولا يمكن أن يتضعضع بأي حال من الأحوال”.

“الإمارات خاضت 57 معركة ضد السعودية خلال الـسنوات الـ250 الماضية. السعوديون ليسوا أصدقائي الأعزاء، وإنما نحتاج أن نتفاهم معهم فقط”؛ هذا ما قاله ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، في إحدى وثائق ويكيليكس المسربة (نوفمبر 2010).

ويُعد تاريخ الصراع القبلي بين آل سعود وشيوخ الإمارات قديماً ومتجذّراً، وهي صراعات نشأت على النفوذ والسيطرة والتبعية.

“الخليج أونلاين” يُسلط الضوء في هذا التقرير، على الخلافات بين الرياض وأبوظبي، اللتين فرضتا حصاراً خانقاً على قطر في 5 يونيو 2017، وذلك بالوقائع والأدلة المثبتة تاريخياً.

حقل الشيبة

نشأ نزاع حدودي بين البلدين في سبعينيات القرن الماضي، حول حقل الشيبة النفطي الذي تبلغ إنتاجيته 500 ألف برميل يومياً، والمنطقة الساحلية الفاصلة بين الإمارات وقطر “خور العديد”، وكانت هذه النقطة سبباً في اعتراض الرياض على إنشاء جسر بحري بين الإمارات وقطر عام 2005.

اضطر الطرفان بعد سلسلة من المناورات إلى توقيع اتفاقية حدودية عام 1974، عُرفت بـ”اتفاقية جدة”.

ونصت الاتفاقية على تنازل السعودية عن جزء من واحة البريمي وحصولها في المقابل على ساحل بطول نحو 50 كيلومتراً يفصل بين قطر والإمارات، إضافة إلى حقل الشيبة الذي يمتد جزء منه داخل الأراضي الإماراتية، علاوة على جزيرة الحويصات.

عودة التوتر

ظلت الأمور على هذا الوضع حتى وفاة الشيخ زايد بن نهيان، ليثير نجله خليفة الذي تولى رئاسة البلاد، الاتفاقية في أول زيارة للرياض في ديسمبر 2004، واصفاً إياها بـ”الظالمة”، ووُقِّعت في ظروف استثنائية، في حين أكدت السعودية أن الاتفاقية لا تزال سارية.

في عام 2006 صعَّدت الإمارات من موقفها، إذ أصدرت بكتابها السنوي خرائط جديدة تُظهر المناطق المتنازع عليها تابعة للمياه الإقليمية الإماراتية.

وفي موقف مشابه لحصار قطر في 5 يونيو 2017، ردَّت السعودية بقوة على أبوظبي وأوقفت دخول الإماراتيين إلى أراضيها في 2009 باستخدام بطاقات الهوية، ومنعت دخول شاحنات تجارية إليها؛ وهو ما أدى إلى تراجع أبوظبي وصمتها مجدداً عن هذه القضية.

وكنوع من الاحتجاج، قاطعت الإمارات في العام ذاته (2009)، مؤتمر وزراء الخارجية والنفط لدول مجلس التعاون الخليجي في السعودية، والذي عُقد تزامناً مع تدشين حقل الشيبة النفطي، متذرعة بأن الدولة المضيفة لا تُشرك الإمارات في تقاسم عائدات النفط رغم اتفاقية جدة عام 1974.

وتدَّعي الإمارات أن ما نسبته 80% من الحقل يقع ضمن أراضيها، وتملك الحق في تطويره والاستفادة من إنتاجه النفطي بالكامل.

وبعد عام واحد كادت العلاقات بين البلدين تنفرط نهائياً عندما أطلق زورقان إماراتيان النار على زورق سعودي في خور العديد، واحتُجز اثنان من قوات حرس الحدود السعودي.

تسريبات ويكيليكس

أظهرت وثائق ويكيليكس أن ولي عهد أبوظبي كان يحرض مسؤولين أمريكيين على السعودية في الوقت كان يتظاهر فيه علناً بأنه حليف لها.

وفي وثيقة يعود تاريخها إلى أبريل 2008، قال بن زايد لقائد العمليات البحرية الأمريكية: إن “العالم تغير، والإمارات ستظل متفائلة رغم وجودها في منطقة يغلب عليها التخلف”، ضارباً المثل بجارته السعودية، كما استهزأ بعدم استطاعة أكثر من 50% من سكانها قيادة السيارة.

وبعد 10 سنوات من كلام الحاكم الفعلي للإمارات، سمحت السعودية للنساء بقيادة السيارة ضمن سلسلة قرارات استهدفت انفتاح المرأة على المجتمع، وغيرت من هوية “بلاد الحرمين”.

وأظهرت عديد من الوثائق المسربة استهزاء ولي عهد أبوظبي بالقادة السعوديين وتقدمهم في العمر وعدم معرفتهم بالإنترنت.

كما حاول وزير خارجية الإمارات، عبد الله بن زايد، بحسب وثيقة أخرى يعود تاريخها إلى يونيو 2008، تحريض الأمريكان على السعودية، قائلاً إنه لا يرى في الأمراء السعوديين الأصغر سناً أي وجوه واعدة.

وفاة عبد الله ووصول سلمان

بعد وفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز وتولي الملك سلمان مقاليد الحكم في 23 يناير 2015، اشتدت الخصومة بين الطرفين مع وصول محمد بن نايف إلى ولاية العهد، لتبدأ رحلة تصفية الحسابات مع “بن زايد”.

وكان ولي عهد أبوظبي، بحسب ما أظهرته وثائق ويكيليس، قد تلفظ بألفاظ سيئة في حق ولي العهد السعودي السابق الأمير نايف بن عبد العزيز، ووصفه بأن لديه ملامح القرد.

حكام الإمارات، خاصةً بن زايد ورئيس الوزراء محمد بن راشد آل مكتوم، لم يحضروا جنازة الملك عبد الله، بعد الإطاحة برجال أبوظبي في الديوان الملكي، وهنا يدور الحديث حول خالد التويجري واستبعاد الأمير متعب بن عبد الله، الذي كان في طريقه ليكون ولياً لولي العهد في عهد أبيه.

الصراع على الزعامة الدينية

عُقد في العاصمة الشيشانية غروزني في أغسطس 2016، مؤتمر دعمته الإمارات، لإعادة تعريف “أهل السُّنة والجماعة”، وتضمنت توصياته أن أهل السُّنة والجماعة هم “الأشاعرة والماتريدية في الاعتقاد، وأهل المذاهب الأربعة في الفقه، وأهل التصوف الصافي علماً وأخلاقاً وتزكيةً”، وفقاً لبيان المؤتمر الذي استثنى في حضوره وختامه أي وجود للسلفية والوهابية، وهو ما أثار حنق السعودية وغضبها.

وحدد المشاركون المؤسسات الدينية السُّنية العريقة في العالم الإسلامي بأنها “الأزهر الشريف والقرويون والزيتونة وحضرموت ومراكز العلم والبحث فيما بينها، والمؤسسات الدينية والعلمية في روسيا الاتحادية”، وهي مؤسسات جلّها يدعمها النظام الإماراتي.

السعودية أبدت غضبها الشديد، وهاجمت أذرعُها الإعلامية وشيوخها مؤتمر غروزني، ولم تكتفِ بذلك، بل عقدت مؤتمراً سُمّي “مؤتمر مني”، في مكة المكرمة، محذراً من أي تكتل “يفرق المسلمين”.

غضب السعودية دفع مؤسسة الأزهر إلى التبرؤ من بعض جزئيات المؤتمر وما جاء فيه، مؤكدة أنها لم تستثنِ ولن تستثني التيار السلفي أو الوهابية، كما اعتذر رئيس الشيشان المدعوم روسيّاً، رمضان قديروف، للسعودية.

وفي يوليو 2014، دشنت الإمارات جسماً دينياً مناهضاً للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، هو “مجلس حكماء المسلمين” بمشاركة ثلاثة من رجال الدين الأزهريين والصوفيين الموالين لها، وأعلنت الأزهر مرجعية دينية للأمة.

واعتبر مراقبون الخطوة الإماراتية شديدة الاستفزاز للسعودية، التي كانت تحاول تكريس “هيئة كبار العلماء” كمرجعية عليا لأهل السُّنة في العالم، وليس الأزهر كما خرج به.

تضارب المصالح في اليمن

بعد مرور أكثر من 4 سنوات على “عاصفة الحزم” التي أطلقها الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز في اليمن لصد الحوثيين، ظل جلياً تناقض المصالح بين الرياض وأبوظبي، وبات كل منهما يدعم طرفاً لمصلحته؛ محاولاً السيطرة وبسط نفوذ سياسي واقتصادي باليمن.

وبعد إعلانها الانسحاب من اليمن، تركت الإمارات خلفها جيشاً من قوات مدربة انفصالية هدفها استقلال الجنوب عن اليمن، فيما يُسمى “المجلس الانتقالي الجنوبي”، ضاربةً عرض الحائط بالعنوان العريض للتحالف الذي دُشن في مارس 2015، وأعلن بوضوحٍ وقوفه إلى جانب “الشرعية” وإعادة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وإنهاء انقلاب الحوثيين سبتمبر 2014.

وكانت الإمارات قد تحركت بعيداً عن الحكومة الشرعية اليمنية وحليفتها السعودية مثل سيطرتها على المنافذ البحرية والموانئ، ومشاركة القوات الأمريكية في عمليات مشتركة باليمن دون إبلاغ الرياض ذلك.

العلاقة مع إيران

جانب آخر يبرز بوضوح، الخلاف العميق بين البلدين المتنازعين، إذ ما انفكت الرياض تحشد الرأي الدولي ضد طهران، في الوقت الذي تعَد فيه أبوظبي الشريك التجاري الأول لإيران بالمنطقة.

وفي بداية أغسطس 2019، وقَّعت إيران والإمارات مذكرة تفاهم، لتعزيز التعاون بمجال أمن الحدود البحرية، في خطوةٍ وصفها مراقبون بـ”طعنة في ظهر السعودية”.

فهل بعد كل هذه المواقف لا يزال البعض يعتقد أن تحالف السعودية والإمارات قوي ولا يُمكن كسره، أم أن الخلاف بينهما لم يعد خفياً على أحد، وقد تُنذر الأشهر المقبلة، باحتدام الصراع إلى درجة الانفكاك العلني؟