تمكنت القوة الناعمة التركية من الصمود في مواجهة كل العراقيل التي تضعها السعودية أمامها، ورغم “عداء” الرياض لأنقرة ولحكومتها، فإنّ مواطني السعودية غير قادرين على مقاومة تأثير وجاذبية القوة الناعمة لتركيا.

وفي تقرير لوكالة “بلومبرج” الأمريكية، تحت عنوان: “السعوديون لا يمكنهم مقاومة الغزو الثقافي التركي”، قالت: إن” السائحين السعوديين في مدينة طرابزون التركية يشعرون وكأنهم في بلادهم”.

“كأننا في وطننا”

ونقلت عن المواطنة السعودية “نورا” قولها: إنها تشعر وكأنها في وطنها، مع وجود المسجد بجوار المياه والمطاعم التي تقدم أطباق لحم الضأن والأرز السعودية التي تحبها. كما أن المقاهي توقف الموسيقى من أجل الآذان للصلاة بالطريقة التي اعتادت عليها.

وتابعت نورا: “أستطيع أن أحافظ على نمط الحياة المحافظ لدي في السعودية، لكن في محيط جميل أخضر وبأسعار معقولة”.

وأشارت “بلومبرج” إلى أن تدفق السياح الخليجيين يطرب آذان صناعة السياحة التركية، مضيفة:” مع ذلك يخفي الود المريح بين السعوديين الأتقياء والمضيفين الأتراك صراعاََ على النفوذ بين الخصمين المسلمين السُنّة وهما السعودية وتركيا”.

وأوضحت الوكالة، أنه” بعد مرور عام تقريباََ على قيام عملاء سعوديين بقتل الكاتب جمال خاشقجي المقيم في الولايات المتحدة في قنصلية المملكة بإسطنبول، فإن العلاقات على المستوى الرسمي نادراََ ما كانت بهذا السوء. الغضب السعودي موجه ضد الرئيس التركي أردوغان وحكومته، التي شككت في النفي السعودي بما كشف تفاصيل القتل العنيف. ومع ذلك، فإن التسلل الثقافي التركي للسعودية مستمر، ومقاومته تزداد صعوبة”.

وأردفت:” يواصل العديد من السعوديين مشاهدة المسلسلات التركية المحظورة من العديد من القنوات السعودية، وتناول الطعام في المطاعم التي تقدم المشاوي والمعجنات الموجودة في السلاسل المفضلة لديهم ويشترون السلع التركية من ملابس وشموع معطرة وسجاد”.

الإعلام السعودي

وأضافت الوكالة: “كما يواصلون السفر إلى المنتجعات التركية، التي لا تتأثر بعناوين الصحف السعودية التي تحذر من كل شيء من الاختطاف إلى القتل. قال بعض الزوار إنهم يسافرون لأن سفارتهم لا تزال مفتوحة في أنقرة وليس هناك حظر رسمي. إذا تم فرض عقوبة واحدة، فإنهم سوف يتوقفون عن الذهاب، مثلما فعلوا عندما حذرت حكومتهم من السفر إلى لبنان”.

ومضت تقول: “في مدينة طرابزون على البحر الأسود، يملأ السعوديون الساحة الرئيسية ويتسوقون الحلويات والمنتجات التركية”. ونقلت الوكالة عن سيدة من مدينة جدة السعودية تتسوق الماكياج التركي، قولها: “السلع أرخص بكثير هنا”. وعندما سُئلت عن التحذيرات، وصفتها بأنها: “مجرد تويتر”.

وتابعت “بلومبرج” تقول: “السعودية، مهد الإسلام وأكبر مصدر للنفط في العالم، وتركيا، أكبر قوة عسكرية لحلف الناتو بعد الولايات المتحدة، كانتا على طرفي نقيض لكثير من مشاكل الشرق الأوسط في الآونة الأخيرة”.

وأردفت:” انتهج ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان سياسة خارجية أكثر حزماََ، حيث صعّد حملة قصف ضد المتمردين اليمنيين وقاد مقاطعة قطر. وفي الوقت نفسه، يحاول أردوغان إعادة تأكيد السلطة العثمانية في مجال النفوذ التقليدي لتركيا”.

ولفتت الوكالة إلى أن “تركيا كانت ملاذاََ لجماعة الإخوان المسلمين، المحظورة في المملكة والمصنفة على أنها جماعة إرهابية. كما قوضت الحكومة في أنقرة بشكل نشط الحصار القطري، حيث قامت بتصدير المواد الغذائية ومنتجات الألبان إلى الإمارة الخليجية”.

وذكرت ما نشرته صحيفة “عكاظ” السعودية الشهر الجاري من تقرير، قالت فيه: “إن التكتيكات التركية تشمل الآن محاولة التأثير على السعوديين من خلال قوتها الناعمة، مثل الدراما التلفزيونية التركية والدعم الكبير للسياحة في طرابزون”.

القوة الناعمة

ونقلت عن كامران بخاري، المدير المؤسس لمركز السياسة العالمية في واشنطن:” لا يمكنهم إغلاق أجهزة التلفزيون، والرحلات الجوية، والتبادلات الثقافية، والقوة الناعمة. من خلال الوسيط لثقافي، اكتسب الأتراك تدريجيًا وبشكل متزايد نفوذًا في السعودية والدول العربية الأخرى”.

وأشارت الوكالة إلى أنه” في العام الماضي، زار ما يقرب من 750 ألف سعودي تركيا، بزيادة 15 بالمئة في عام 2017، وفقا لوزارة السياحة التركية. في عام 2011، عندما بدأ الربيع العربي، كان العدد أقل من 120 ألفا”.

ونقلت عن “بخاري” قوله: “إن يبيعون للسعوديين هكذا: نريد تلبية احتياجاتكم الحلال وسنجعل ذلك ممكنا”. ونوهت “بلومبرج” إلى أن ذلك لا ينفي وجود نكسات وعلامات على أن الحملة السعودية المضادة نجحت.

ونقلت عن فولكان كانتاريسي، رئيس رابطة وكالات السفر التركية في منطقة البحر الأسود، قوله:” يوجد انخفاض كبير في عدد السياح في طرابزون في شهري مايو/أيار ويونيو/حزيران، لكن الأمور بدأت في الارتفاع في يوليو/تموز بعد عودة السعوديين إلى بلادهم وتأكيداتهم أن تركيا في أمان”.

ونقلت أيضًا عن وكيل عقاري، قوله: “هناك انخفاض في عدد السعوديين الذين يشترون الشقق في طرابزون هذا العام”.

جاذبية تركيا

ومضت الوكالة تقول: “في الواقع، تُظهر طرابزون مدى جاذبية تركيا، حتى بين المسافرين من القصيم، وهي منطقة سعودية تشكل معقل الوهابية في المملكة”.

وتابعت: “قامت نورا بإحدى الرحلات الجوية المكتظة لمدة ثلاث ساعات من مدينة بريدة السعودية في القصيم في أغسطس/آب إلى المطار الصغير في طرابزون قبل التوجه إلى البحيرة في أوزونجول. وقالت إن مسلسل بعنوان “حب أعمى” جذبها إلى تركيا. ورفضت الكشف عن اسمها الكامل مثل معظم السعوديين الذين يتحدثون مع وسائل الإعلام الدولية”.

وأشارت إلى أن “نورا بدت في خوف من التحذيرات في الصحف السعودية، لكنها غيرت رأيها بعد تبديد مخاوفها من الأقارب الذين زاروها في وقت سابق من الموسم السياحي. وقالت: “لقد كان مجرد حديث إعلامي”.

واستطردت الوكالة: “أظهرت نزهة حول بحيرة في طرابزون المسافات التي قطعها الأتراك لجعل المكان جذابا لعرب الخليج. المنطقة في شمال شرق تركيا أكثر محافظة من مدن مثل إسطنبول ومعظم النساء يغطين شعرهن بأوشحة ملونة ويرتدين فساتين طويلة”.

وذكرت:” أعلن قصابون عن خراف للذبح في عيد الأضحى. أخبر أحد المارة رجلا تندفع موسيقى من سيارته بأن يغلقها عندما انطلق الآذان من المسجد على البحيرة. في متجر للصور، يمكن للزوار التقاط صورهم في ملابس مستأجرة مماثلة لتلك التي ترتديها شخصيات المسلسلات التليفزيونية التركية المفضلة لديهم”.

ونقلت “بلومبرج” عن محمد، وهو مدرس من الرياض، قوله:” إنه يعتزم قضاء 48 يوما في شقة اشتراها قبل 3 سنوات في طرابزون في مبنى اشترته أيضا 8 أسر مرتبطة به. وأضاف أن :” الرحلات الجوية المباشرة التي أدخلت في العامين الماضيين جعلت الرحلات أرخص”.

وتابع: “لست نادمًا على استثماري هنا. خروج النساء في عائلتي أمر آمن، ولا أشعر بالقلق من أن يجري إزعاجهن بسبب الطريقة التي يرتدين بها ملابسهن، ولن يواجهن أي شيء من شأنه أن يحرجهن”.

وفي سؤال للوكالة الأمريكية عما إذا كان قلقاََ بشأن التوتر السياسي بين تركيا والسعودية، سخر محمد بقوله: “لا توجد دولة في العالم يمكنها أن تعطينا ما تعطينا تركيا”.