بعد مرور أكثر من 4 أعوام من الحرب في اليمن، وعلى الرغم من أن محافظة المهرة (شرق) ظلت بعيدة نوعاً ما عن نيران الحرب المباشرة، فإنها لم تَسلم مؤخراً من امتداد الصراع إليها على عدة مستويات.

تُعَد المهرة، وهي أقصى محافظة يمنية شرقي البلاد وتربطها حدود طويلة مع سلطنة عمان، منعزلة بفعل الوديان الواسعة والطبيعة التي تشبه سطح القمر، وقد تجنَّبت أهوال سنوات الحرب الخمس التي أشعلها الحوثيون بعد إطاحتهم بالحكومة اليمنية المُعتَرَف بها دولياً في سبتمبر 2014، وتبعه دخول السعودية والإمارات في تحالف لدعم الشرعية باليمن في مارس 2015.

ومع مرور سنوات من الحرب، ظهر جلياً مدى طمع أبوظبي والرياض في هذه المحافظة منذ بداية الحرب، لكنه ظهر على الأرض منذ عام 2017، ووجدت المحافظة المنسيّة غالباً نفسها متورطة في أحدث حروب الوكالة بين الدول الخليجية باليمن.

خلفية معلوماتية

المهرة هي ثاني كبرى محافظات اليمن من حيث المساحة، تقع في أقصى شرقي البلاد، تحدها عمان من الشرق، والسعودية من الشمال، ومحافظة حضرموت من الغرب، وبحر العرب من الجنوب، ويبلغ طول ساحلها 560 كيلومتراً، وهو الأطول من أي ساحلٍ آخر في أي محافظة يمنية.

تغطي منطقة الربع الخالي الصحراوية الشاسعة معظم مناطق شمالي المهرة، كما تشمل أيضاً منطقة جبلية في الشرق، تكسوها موسمياً أشجار خضراء مورقة. وتنقسم المحافظة، التي تبلغ مساحتها نحو 67.000 كم2، إلى تسع مديريات، في حين تتركز المناطق الحضرية الكبرى بالمناطق الساحلية.

أكبر مدينة مهرية هي الغيضة، عاصمة المحافظة، تليها سيحوت، وقشن، وحصوين، والعيص، ولا توجد بيانات إحصائية حديثة، لكن بناءً على إحصاء 2004 وباستخدام متوسط معدلات النمو السكاني، والذي لا يشمل الهجرة من المحافظة وإليها، قدَّر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية عام 2017 عدد سكانها بنحو 150 ألف نسمة.

لكن وفقاً لمذكرة نشرها محافظ المدينة مطلع 2019، يبلغ عدد سكان المهرة ومن ضمنهم النازحون داخلياً، نحو 650 ألف نسمة، وتشمل محركاتها الرئيسة للاقتصاد المحلي، صيد الأسماك والزراعة وتربية الحيوانات، والإيرادات الجمركية الناتجة عن المنافذ الحدودية مع عُمان.

المجتمع المحلي

يتقاسم سكان مديرية حوف، الواقعة جنوب شرقي الساحل، صِلات قبلية مع محافظة ظفار العمانية، كما تمتلك عديد من العائلات جنسيات مزدوجة ومنازل على جانبي الحدود، ويوجد ثمة سياق مماثل أيضاً بالقرب من قرية الخرخير السعودية، حيث يعيش أفراد من قبيلة صمودة على جانبي الحدود.

وفي حين يعيش أبناء الخرخير في عزلة عن أبناء عمومتهم من رجال القبائل خلف الحدود اليمنية، إلا أن القبائل التي تمتد عبر الحدود اليمنية-العمانية، بإمكانها التحرك بِحرية على مسافة تصل إلى 20 كيلومتراً على كلا الجانبين، نتيجة لاتفاقية الحدود عام 1992 بين عمان واليمن.

ومنحت عزلة المهرة الجغرافية وتاريخها ثقافة مختلفة عن المناطق الأخرى في اليمن، حيث تتحدث قبائل المهرة لغة سامية فريدة تُعرف باسم المهرية، وهي لغة عربية جنوبية قديمة منتشرة مع لهجات إقليمية.

وكانت المهرة حتى عام 1967 سلطنةً يبلغ عمرها 450 عاماً وتضم أرخبيل سقطرى، التي تعتبرها “اليونسكو” موقعاً للتراث العالمي.

وتحرَّكت باستقلالية إلى حدٍ كبير، لكن بعد فترة من تحولها إلى محمية بريطانية في الستينيات، أصبحت جزءاً من اليمن الجنوبي المنفصل، قبل توحيده مع الشمال عام 1990، لتصبح إحدى محافظات البلاد.

المهرة والسعودية

سعت السعودية إلى بناء نفوذ لها في المهرة كجزء من طموحاتها المتداولة، لبناء خط أنابيب نفط يعبر المحافظة إلى بحر العرب، والذي من المحتمل أن ينطوي على فوائد اقتصادية وأمنية كبيرة للرياض، حيث سيتم تخفيض التكاليف المتعلقة بنقل النفط من الآبار السعودية على سواحل الخليج العربي والمناطق الجنوبية المحاذية لليمن، من خلال السماح للناقلات بتجنب مضيق هرمز المهدَّد من قِبل إيران.

نقاشات خط الأنابيب كانت في الثمانينيات بين السعودية وحكومة اليمن الجنوبي، إلا أنها فشلت، وبعد الوحدة اليمنية أصرت الرياض على الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، للسماح بنشر القوات السعودية في منطقة عازلةٍ طولها 4 كيلومترات حول خط الأنابيب المقترح، لكنه رفض وتم تأجيل المشروع.

وبالنظر إلى أن الانتشار العسكري السعودي الحالي في المهرة منح السعوديين سيطرة فعلية على مناطق واسعة من المحافظة، يقول مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، إن الرياض تستغل الوضع الحالي في اليمن لإحياء تطلعاتها لبناء خط أنابيب النفط.

أطماع الإمارات

بدأت الإمارات تخطط للسيطرة على المهرة مبكراً مثلما عملت مع عدن وبعض مدن الجنوب، فقد وصل ممثلون إماراتيون إلى المحافظة في أغسطس 2015، أي بعد 4 أشهر فقط من تدخلهم في اليمن، وكان المعلن أنها مهمة لدعم السلطة المحلية والحفاظ على الأمن في المحافظة التي لم يصل إليها الصراع قط.

تم التوصل إلى اتفاق لإصدار قرار بين الإماراتيين والمحافظ، يقضي بتجنيد وتدريب 2000 من أبناء المحافظة، لكن سرعان ما نشأ صراع على السلطة والسيطرة على تلك القوة الناشئة، واقترحت الإمارات تجنيد المهريين من خلال شيوخ محليين، وتدريب المجندين في معسكر بحضرموت، ورفض المحافظ الأسبق، علي ياسر، هذه الشروط وأصر على أن يتم الاستقدام والتدريب تحت إشرافه وبالمحافظة.

وبعد موافقة الإمارات، فوجئ الجميع بإقالة المحافظ، وتم تعيين آخر وهو محمد بن عبد الله كده في نوفمبر من العام ذاته، وهو الذي بدأت مرحلته الأولى بتصالح مع الإمارات، قبل أن تبدأ الخلافات بين الطرفين، حيث عملت أبوظبي على تهميش صناع القرار المحليين واستخدام القوات التي دربتها تحت اسم “النخبة المهرية” لمصلحتها.

في بداية عام 2017، أخبر بن كده المسؤولين الإماراتيين بأن على القوات المهرية أن تتلقى أوامرها فقط من السلطة المحلية، ونتيجةً لذلك قام الإماراتيون بالانسحاب الكامل من المحافظة، كذلك استعاد المسؤولون الإماراتيون المركبات والعربات التي سبق أن قدموها للمحافظ، وأنشؤوا مجلساً انتقالياً في عدن، أسس بدوره فرعاً له في المهرة، لمواجهة السلطة المحلية هناك.

عمان وتأمين نافذة لها

ويبدو أن الدافع الأبرز خلف محاولة عُمان تمكين نفسها في محافظة المهرة، هو سعي السلطنة إلى تأمين نافذة لها باليمن، بغية الاحتفاظ بقدر كافٍ من الحضور في البلد الذي يشرف على أحد أهم منافذ التجارة البحرية.

يوم الثلاثاء (3 سبتمبر)، كشف وكيل محافظة المهرة السابق، علي الحريزي، عن إنشاء ما سماه “مجلس إنقاذ وطني” يمثل جميع الفصائل والمكونات في المحافظات الجنوبية باليمن، وظهر في صورة بثتها “الجزيرة” لاجتماع بهذا الخصوص، شخصية بزي عماني، وهو ما أشار بوضوح إلى دفع عمان لتطهير المدينة من أي وجود “أجنبي”.

وبحسب صحيفة “الإندبندنت” البريطانية، حذَّر الخبراء من أن عُمان، التي كانت توصف بسويسرا الشرق الأوسط لحيادها، بدأت تنقل المدد والدعم للجماعات المرتبطة بها.

فالوجود في المهرة يصبّ في مصلحة الأمن القومي للسلطنة، لأن وجود السعودية والإمارات يعني أن عُمان أصبحت محاصَرة في عقر دارها، كما لا يبدو أن مسقط ستغامر بخسارة نفوذها في المهرة، لأن ذلك يعني خسائر اقتصادية لها، إذ تدرّ المنافذ مع اليمن أموالاً كبيرة على الخزينة العمانية.عمان باليمن

ويقول الأكاديمي العُماني المتخصص بالشؤون الاستراتيجية عبد الله الغيلاني: إن “المهرة تعد أمناً قومياً بالنسبة للسلطنة، لأنها المنطقة الفاصلة بين عُمان وسائر اليمن الذي يمر بحالة احتراب وتمزق، خاصة أن مسقط استثمرت في هذه المدينة خلال السنوات الـ40 الماضية؛ عبر البنية التحتية والتنمية، ولديها علاقات استراتيجية مع القبائل فيها”.

ويرى “الغيلاني”، في تصريح لـ”الخليج أونلاين”، أن هناك صراعاً مكتوماً بين السعودية والإمارات، خصوصاً أن “الوجود العسكري يعد أمراً قائماً، ولكن مسقط لديها جملة من الخيارات، إذ إنها أكثر رسوخاً قبلياً وشعبياً في المهرة”.

وأشار إلى أن تحوُّل المهرة إلى منطقة احتراب ومواجهات عسكرية وقتال سينعكس بشكل سلبي على الداخل العُماني، خصوصاً أن قبيلة المهرة المتمركزة في المدينة وكبرى القبائل بتلك المنطقة لديها امتداد في ظفار العُمانية.