عبد الرحمن بن خلدون

خاص: إذا كان الهرم طبيعيًّا في الدّولة كان حدوثه بمثابة حدوث الأمور الطّبيعيّة… وقد يتنبّه كثير من أهل الدّول ممّن له يقظة في السّياسة فيرى ما نزل بدولتهم من عوارض الهرم، ويظنّ أنّه ممكن الارتفاع، فيأخذ نفسه بتلافي الدّولة وإصلاح مزاجها عن ذلك الهرم، ويحسبه أنّه لحقها بتقصير من قبله من أهل الدّولة وغفلتهم، وليس كذلك؛ فإنّها أمور طبيعيّة للدّولة والعادات والتقاليد هي المانعة له من تلافيها… فإنّ من أدرك مثلاً أباه وأكثر أهل بيته يلبسون الحرير والدّيباج، ويتحلّون بالذّهب في السّلاح والمراكب، ويحتجبون عن النّاس في المجالس والصّلوات، فلا يمكنه مخالفة سلفه في ذلك إلى الخشونة في اللّباس والزّيّ والاختلاط بالنّاس؛ إذ إن العادات حينئذ تمنعه وتقبّح عليه مرتكبه ولو فعله لرمي بالجنون…

وربّما يحدث عند آخر الدّولة قوّة توهم أنّ الهرم قد ارتفع عنها، ويومض ذبالها إيماضة الخمود كما يقع في الذّبال المشتعل؛ فإنّه عند مقاربة انطفائه يومض إيماضة توهم أنّها اشتعال وهي انطفاء.

فاعتبر ذلك، ولا تغفل سرّ الله تعالى وحكمته في اطّراد وجوده على ما قدّر فيه: (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ).