هالة الدوسري-واشنطن بوست

أتينا أنا وجمال خاشقجي من خلفيتين مختلفتين للغاية، وهذا الأمر شكّل وجهات نظرنا بشأن السياسة في وطننا السعودية. كانت ثمّة قضايا عديدة لم نتفق بشأنها. لكننا نتشارك في اعتقاد واحد مهم: أنّ القوة المطلقة دائمًا تشكل خطرًا – وخاصة في حالة السعودية.

وُلِدَ جمال في وضع منحه امتيازات، وكان على أتمّ الاستعداد للاعتراف بهذا الأمر. لقد كان نتاجًا للنظام، وعلى الرغم من صدامه مع السلطات السعودية بسبب عمله الصحفي، فقد كان مقتنعًا بأنّ سياسات البلاط الملكي يمكن التأثير عليها بكتابات لتغليب الحكمة. كان يعتقد أن الملكية السعودية، بكل قيودها، هي الغراء الذي يحافظ على تماسك أجزاء المملكة العربية السعودية معًا.

لم أعتقد ذلك. بخلاف جمال، نادراً ما ركّز نشاطي على التأثير على النخب الحاكمة، بل على رفع قدرة وأصوات المهمشين. وجهة نظري تجاه العائلة المالكة كانت دائمًا متشككة.

ومع ذلك، عندما التقينا للمرة الأولى في الولايات المتحدة بعد أن غادر جمال السعودية في عام 2017، اكتشفنا أرضية مشتركة. اتفقنا على أنّ الافتقار إلى الضوابط والتوازنات في النظام السعودي كان مشكلة حاسمة تفاقمت بسبب الظروف الحالية. إنّ الدولة التي تأسست كمَلَكية مطلقة قد انجرفت بشكل خطير إلى احتكار للسلطة بشكل أكبر مع ظهور ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي يسيطر على الموارد والسياسة.

يوجد نمط واضح من انتهاكات حقوق الإنسان مع عدم وجود ضوابط ذات مغزى منذ تولي ولي العهد السلطة. لم تكن الإشارة المبكرة لهذا التوجه أقل من دور السعودية في خلق إحدى أسوأ الكوارث من صنع الإنسان في اليمن. أعقب ذلك قرار الحكومة باعتقال كل شخص أو مجموعة تقريبًا يمكن لها مقاومة انتهاكات السلطة. استُهدِف مئات الصحفيين وقادة الفكر والإصلاحيين الدينيين وناشطات حقوق المرأة، وأرسلت السلطة رسالة واضحة مفادها أنه لن يُسمَح لأحد في السعودية بالتأثير بشكل مستقل على الخطاب العام أو إثارة مخاوف سياسية مشروعة.

إنّ الأخطار الناجمة عن غياب الضوابط والتوازنات على السلطة امتدت بشكل طبيعي إلى الاقتصاد. كالهجوم الأخير على منشآت نفط أرامكو السعودية على سبيل المثال. بعد الهجوم على الصناعة الأكثر قيمة في البلاد، فإنّ أي زعيم وطني مسؤول ومنتخب ديمقراطيًّا سيركّز على المعرفة قدر الإمكان عمّا حدث وإيجاد حلول للأزمة التي تلت ذلك. لكن في صباح يوم الهجوم، كان الأمير محمد – وزير الدفاع والحاكم الفعلي للسعودية – يحضر سباقًا للجمال. لا توجد صورة أكثر إثارة للشفقة لتعكس عدم احترام الملكية المتمركز حول الذات وغياب أصوات المواطنين العاديين أو تعاملهم معهم.

وضع النظام الملكي نفسه كمحور الحكم في السعودية من دون أي مؤسسات مستقلة. ونتيجة لذلك، أصبح المواطنون يعتمدون بشكل متزايد على أهواء الملكية وصناعتها للقرار – وواجهوا المزيد من الإجراءات القمعية إذا حاولوا التنظيم من أجل التغيير خارج النظام. لا توجد مؤسسة مستقلة واحدة في السعودية اليوم، ولا أحد يستطيع أن يقول الحقيقة بأمان للسلطة. حتى أولئك مثل جمال الذين دعموا الملكية كنظام يفهمون مخاطر هذا الواقع.

ترك نظام الحكم الهش هذا مصير البلاد بين يدي محمد وعدد قليل من المستشارين غير المؤهلين والمطيعين. حولت القيادة قدرات ومهارات المسؤولين رفيعي المستوى، بمن فيهم الموظفون القنصليون والصحفيون، إلى أدوات للقمع. وعملت وسائل الإعلام على تعبئة المشاعر القومية المتطرفة لتبرير فشل سياستها الداخلية والخارجية. لا يوجد خطاب علني حول القضايا الحرجة، بما في ذلك الحرب في اليمن ومقاطعة قطر بقيادة السعودية أو التحديات المستمرة للبطالة والفقر – ناهيكم عن مناقشة محاكمة قتلة جمال أو العدالة للسجناء السياسيين.

في لحظة من الزمن كان الأمل معقودًا علىحدوث تحول اجتماعي بعد عودة الآلاف من السعوديين الذين درسوا في الخارج. و بدلاً من ذلك، حدث ارتفاع حاد في طالبي اللجوء الفارين من السعودية. زاد هذا الرقم بأكثر من الضعف بين عامي 2015 و2018. في البلدان الأوروبية وحدها، و خلال النصف الأول من عام 2019 ارتفع عدد طالبي اللجوء السعوديين بنسبة 106 في المائة على أساس سنوي – وهو الأكبر على الإطلاق حتى الآن. سوف يستمر الاضطهاد بلا هوادة، بلا شك، في تغذية هذا الاتجاه طالما أن النظام الحالي قائم.

قد يدّعي النظام الملكي السعودي أنه يفكر في الأمام وببصيرة مع خطة تحديث “رؤية 2030” وجهود جذب القادة الغربيين. ولكن في الواقع، فقد أعاد النظام مأسسة إرثه العتيق بكل ما يتخلله من العنف والحرمان من الحقوق والقمع. أعادت وحشية قتل جمال وتعذيب الناشطات تسليط الضوء على هذا كله.

من خلال فعل ذلك، فقد تبلور ما حذرنا منه أنا وجمال في نقاشنا من خلفيات متعددة لسنوات: ما لم تكن السلطة غير مركزية بعيداً عن العائلة المالكة وأتباعها في السلطة، فإن انجراف السعودية نحو مزيد من القمع والتدخلات المدمرة في الخارج سيستمر بلا منازع.