مع حلول الذكرى السنوية الأولى لاغتيال الصحفي جمال خاشقجي، داخل القنصلية السعودية في إسطنبول في الـثاني من تشرين الأول/ أكتوبر، يعود إلى الأذهان المشروع الذي كشف عنه بعد اغتياله وهو “جيش النحل الإلكتروني”، لمواجهة “الذباب الإلكتروني” الذي يشرف عليه سعود القحطاني، مستشار ولي العهد محمد بن سلمان.

وكشفت تفاصيل المشروع بعد اغتيال خاشقجي مباشرة، وقال في حينه الناشط السعودي المعارض والمقيم بكندا عمر عبد العزيز إنه طرح الفكرة على خاشقجي، وبدأا بالفعل عبر توفير مبلغ مالي بسيط، للمضي قدما في مواجهة الهجمة الشرسة التي يشرف عليها القحطاني على مواقع التواصل وفقا لـ”سي أن أن”.

وأشار عبد العزيز إلى أن خاشقجي قام بتحويل مبلغ 5 آلاف دولار له، من أجل شراء شرائح هواتف لخطوط كندية، ترسل إلى المتطوعين ضمن “جيش النحل” من داخل السعودية، لإطلاق المشروع.

وقال في حينه إن الهدف من ذلك توفير حماية والتفاف على قدرة السلطات السعودية، من الوصول إلى المشاركين في المشروع، خاصة أن الشرائح السعودية تخضع لرقابة مشددة من قبل السلطات هناك.

ويطرح مضي عام على اغتيال خاشقجي، تساؤلات بشأن الأثر الذي كان سيتركه على المشهد في حال لم يغتل، وما أهمية الدفع به قدما في ظل التطورات الجارية على الساحة السعودية منطلق المشروع والمنطقة ككل، على صعيد الرسائل الموجهة بمواقع التواصل الاجتماعي.

الأكاديمية السعودية المعارضة البروفيسورة مضاوي الرشيد قالت إنه على الرغم من صعوبة افتراض أن شخصا ما مات سيحقق نتيجة ما صعب إلا أن خاشقجي لو كتبت له الحياة، لكان “سيصبح محورا، يلتف حوله طيف كبير من معارضي النظام في السعودية”.

وقالت الرشيد: “شخصية خاشقجي منحت دعما كبيرا لمشروع النحل الإلكتروني، إذ إنه شخص مدافع سابق عن النظام الرسمي ومتحدث بخطاب ليبرالي يستهوي بعض الشرائح في السعودية، فضلا عن القومية الموجودة في كتبه بوضوح وهو ما يجذب الكثير من الراغبين بالتخلص من العمالة الأجنبية في السعودية”.

وأضافت: “جمال أيضا شخصية تحمل فكرا إسلاميا حديثا، بعيدا عن الخطاب السلفي السائد في السعودية، وهناك وجوه متعددة وصفات لباقة ودبلوماسية في الحديث جمعت الأضداد، ومنها دفاعه الشرس خلال حكم الملك عبد الله الراحل، ما جعله يلعب دورا محوريا للمعارضة”.

وأشارت الرشيد إلى أن الأنظمة المستبدة، “لا تسقط عبر الرسائل الإلكترونية في تويتر أو فيسبوك لكنها خطوة أولى، كان يسعى إليها للإطاحة بهيبة الاستبداد وتعريته أمام المجتمع، رغم أنها معركة طويلة كان يلزمها مجموعات عمل على الأرض، لوقف الانتهاكات وتحويل ما يكتب على الإنترنت إلى عمل على الساحة”.

ورأت أن المشروع مضى قدما بعد اغتيال خاشقجي، وهناك شبان قائمون عليه لنشر معلومات تحطم الخطاب الرسمي، وتنتهك مصداقيته بأخبار مضادة لها مصداقية، لكن الإعلام الرسمي لا يسمح بنشرها للعامة.

من جانبه قال الصحفي المصري أحمد الشرقاوي، وهو أحد أصدقاء خاشقجي، إن جمال “كان صحفيا من العيار الثقيل، وليس شخصا تمرس على قوالب الكتابة والتحرير الصحفي فحسب ورأى في تشكيل مجموعة عمل بالتواصل الاجتماعي فكرة رائدة”.

وأضاف: “هذه الشخصية جعلته يفكر بمشروع يشتبك مع قضايا الأمة بشكل عام، بطريقة إيجابية وواعية وبحكم اطلاعه على مواقع التواصل، رأى أنها القالب الجديد المناسب للعمل الصحفي، من أجل إيصال الرسائل”.

وأوضح أن فكرة “النحل الإلكتروني” التي تحمل مدلولا إيجابيا، تأتي لمكافحة “جيوش الذباب” ذات المدلول السلبي، والتي تبث الأخبار المكذوبة، وتعمل على زعزعة الثقة، وتمكن للمستبدين البقاء على كراسيهم وهو ما لم يقبله خاشقجي.

وتابع الشرقاوي: “كصفحي ممارس للصحافة منذ أكثر من 30 عاما، أرى أن مشروع خاشقجي غاية في الأهمية ليس على مستوى السعودية وإن كانت هي مركز انطلاقته، لكنه كان سيتعداها إلى مصر، وكل بقعة لها ارتباط بالثورة المضادة في المنطقة”.

وشدد على أن فكرته ربما كانت تستلهم ما قام به الصحفي المصري عبد الله النديم، في القرن التاسع عشر، إبان الثورة العرابية على الإنجليز عبر صحيفة “التنكيت والتبكيت”، والتي كانت تشبه مواقع التواصل الاجتماعي في هذه الأيام.

وقال إن “النديم الذي توفي في إسطنبول أيضا في عهد السلطان عبد الحميد لجأ لفكرة الصحيفة لتبسيط رسائل الوعي الموجهة للناس على غرار ما كان يخطط له خاشقجي في وسائل التواصل الاجتماعي لإنهاء حالة التخريب والتغريب لشعوبنا العربية”.

وأكد أن “النحل الإلكتروني” بحاجة لكي ينجح أن “يقترب من فهم خاشقجي للمشروع، ولا بد من العودة لما كان يكتبه لفهم الفكرة من ورائه، فهو لم يكن مجرد مجرد مجموعة من المغردين يهاجمون ابن سلمان والمستبدين”.

وأضاف: “خاشقجي كان يسعى لأمر آخر، وهو إنهاء الجهل السائد في المجتمعات، وتحطيم صورة المستبدين ومن يدعمهم من الخارج”.

وختم بالقول: “لا يمكن إحياء مشروع كان يفكر فيه الراحل خاشقجي، دون فهم هدفه منه وإلا سيكون تقليدا لمشروع آخر، لشيطنة الناس فقط لأن اسمه يحمل مدلولا إيجابيا”.