أدت سياسات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في الداخل والخارج، إلى استياء كبير داخل الأوساط الشعبية؛ حتى وصل إلى داخل عائلة “آل سعود” المالكة، والتي تفضل أن يتسلم الحكم رجل من أبناء الملك المؤسس عبد العزيز، بعد وفاة العاهل الحالي الملك سلمان بن عبد العزيز.

فقد تسببت حرب اليمن وما تبعها من اعتداءات من قبل جماعة الحوثي اليمنية المدعومة من إيران على المناطق الجنوبية للمملكة، إضافة إلى استهداف منشآت النفط، الرئة المالية للسعودية، إلى ضياع هيبة الدولة أمام محيطها الإقليمي، وظهورها بصورة العاجز عن الرد أمام الشعب، وكله يقع على عاتق ولي العهد الذي يسيطر على الحكم بشكل فعلي.

كما كان لجريمة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول، بـ 2 أكتوبر 2018، أثر سلبي للغاية على مظهر السعودية دولياً ومحلياً، فقد بدت أنها دولة “مارقة ومجرمة”، خصوصاً مع أسلوب التعامل الوحشي والتلذذ أثناء ارتكاب الجريمة، بحسب ما تتهمها تقارير غربية.

 

استياء وإحباط

مؤخراً، كشفت وكالة “رويترز” عن وجود حالة إحباط واستياء لدى العديد من أمراء الأسرة الحاكمة، من إدارة محمد بن سلمان لأزمة قصف “أرامكو” التي وقعت في 14 سبتمبر الماضي، وتسببت حينها بإيقاف نصف الإنتاج السعودي من النفط.

ونقلت “رويترز” عن 5 مصادر، في تقرير لها نشر يوم الأربعاء (2 أكتوبر)، أن هجوم الحوثيين على منشآت أرامكو أثار قلقاً بين العديد من الفروع البارزة لعائلة آل سعود الحاكمة، والتي يبلغ عدد أفرادها قرابة 10 آلاف، حول قدرة ولي العهد على الدفاع عن أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم وقيادتها.

وقالت المصادر: إن “الهجوم أثار سخطاً بين البعض في دوائر النخبة، الذين يعتقدون أن ولي العهد سعى بشدة للسيطرة على السلطة”.

وتسبب الحدث في تعالي أصوات وانتقادات بين أفراد الأسرة الحاكمة، الذين يعتقدون أن بن سلمان اتخذ موقفاً عدوانياً مفرطاً تجاه إيران.

وقال أحد المصادر، وهو أحد أعضاء النخبة السعودية التي تربطها صلات ملكية: “هناك الكثير من الاستياء من قيادة ولي العهد”، متسائلاً: “كيف لم يتمكنوا من اكتشاف الهجوم؟”، مضيفاً أن “بعض أفراد النخبة في الأسرة لا يثقون بولي العهد”.

وقال دبلوماسي غربي للوكالة: إن “هناك صدمة في الأسرة الحاكمة لأن ولي العهد لم يتمكن من منع الهجمات على أرامكو، على الرغم من إنفاقه مئات المليارات من الدولارات على الدفاع”، معتبرين أن سياساته ومحاولاته السيطرة على الحكم بشكل مطلق “أضرت بالمملكة”.

وتعرضت منشأتا بقيق وهجرة خريص التابعتان لـ “أرامكو” لاستهداف بالطائرات المسيرة، في 14 سبتمبر 2019، وهو الهجوم الذي ألقى بظلاله بقوة على الأسواق العالمية.

وتبنى الهجوم مليشيا “الحوثي” اليمنية، وأعلنت أن ذلك تم بـ 10 طائرات مسيرة، في حين اتهمت الرياض وواشنطن إيران بالوقوف خلفه.

 

إمكانية العزل

لم يكن الاستياء من محمد بن سلمان داخل أروقة العائلة الحاكمة جديداً، فهو ممتد منذ صعوده إلى السلطة مع تولي الملك سلمان للحكم عام 2015، فقد تدرج بسرعة كبيرة نحو ولاية العهد؛ فسيطر على القوة العسكرية والأمنية، ثم ما لبث أن تخلص من أغلب معارضيه في العائلة الحاكمة؛ عبر الاحتجاز ومنع السفر والتضييق وحجز الأموال والرقابة الشديدة.

ورغم الاستياء المتواصل فقد قالت مصادر سعودية ودبلوماسية غربية إن الأسرة من غير المرجح أن تعارض بن سلمان ووالدُه، العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، على قيد الحياة، كما أن هناك اعتقاداً سائداً أن الملك سلمان لن ينقلب على ابنه المفضل ويقيله من ولاية العهد.

تنقل “رويترز” عن مصادر غربية أن الملك سلمان فوض معظم صلاحياته السلطوية لابنه، لكنه لا يزال يترأس اجتماعات مجلس الوزراء الأسبوعية ويستقبل شخصيات أجنبية.

وتقول مصادر إنه بغض النظر عن موقف العاهل السعودي، قد يكون من الصعب تحدي سلطة بن سلمان نظراً لسيطرته على الأجهزة الأمنية.

ويبدو أن محمد بن سلمان ذاته يخشى من الغضب المتزايد يوماً بعد يوم داخل الأسرة الحاكمة ومحاولة التأثير على الملك أو الوصول إليه لتغيير رأيه، أو عقد مجلس بيعة جديد يطالب بتولية ولي عهد جديد، حيث تحدثت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية عن مستقبل الحكم في السعودية، وأوجدت علاقة بينه وبين مقتل عبد العزيز الفغم، الحارس الشخصي للملك سلمان، في 28 سبتمبر الماضي، بمدينة جدة.

وأشارت الصحيفة الفرنسية، في تقرير لها نشر يوم الثلاثاء (1 أكتوبر 2019)، إلى أن مقتل الفغم يؤجج الشائعات والشكوك بوقوف ولي العهد وراء الحادث، لا سيما أن الحادثة وقعت بعد تغيير رئيس الديوان الملكي هذا الصيف، ليحل محله فهد العيسى، الذي يعد مقرباً من بن سلمان.

وهذا يرجح- بحسب متابعين للشأن السعودي- أن بن سلمان يود أن يمنع أي محاولة لعزله قبل تثبيت أركانه بشكل جيد في ولاية العهد ثم الملك فيما بعد.

 

هل من بديل؟

ربما يكون هناك الكثير من الأكفياء غير محمد بن سلمان لتولي قيادة المملكة، إلا أنّ ذلك يحتاج دعماً داخلياً ودولياً، وعدم توفر ذلك ربما يقلل من نصيب أي أمير آخر من آل سعود ليقود زمام الأمور.

لكن أمراء سعوديين ينظرون إلى الأمير أحمد بن عبد العزيز (77 عاماً) كبديل لمحمد بن سلمان، قد يحظى بدعم أفراد الأسرة الحاكمة والأجهزة الأمنية ​​وبعض القوى الغربية.

أعاد ذلك الحديث الظهور الجديد للأمير أحمد في عزاء حارس الملك سلمان الشخصي عبد العزيز الفغم في منزل العائلة يوم الثلاثاء (1 أكتوبر الجاري).

ويقول مصدر سعودي لـ “رويترز”: “كلهم ينظرون إلى الأمير أحمد ليروا ماذا سيفعل، فأفراد من نخبة العائلة لا تزال تعتقد أنه الوحيد الذي يستطيع إنقاذهم”.

مصدران سعوديان أكدا لـ “رويترز” أن الأمير أحمد كان واحداً من ثلاثة أشخاص فقط في هيئة البيعة المكونة من أفراد الأسرة الحاكمة، ممن عارضوا أن يصبح محمد بن سلمان ولياً للعهد عام 2017.

يشار إلى أن الأمير أحمد غادر السعودية فور تولي بن سلمان ولاية العهد، فيما يشبه احتجاجاً صامتاً، وأمضى في لندن نحو عام قبل أن يعود إلى الرياض، في نوفمبر 2018، بعد تعهدات دولية بعدم التعرض له، كما عرف عنه معارضته لحرب اليمن.

وكان الأمير أحمد قد تولى منصب نائب وزير الداخلية 40 عاماً، وهو الشقيق الوحيد للملك سلمان من الأب والأم الذي ما زال على قيد الحياة.

كما انتقد سياسة الملك وولي عهده علناً في الرد على مظاهرة اتهمت آل سعود بـ “الإجرام” في بريطانيا عام 2018، فقال لهم: “لماذا تقولون ذلك؟ وما شأن كل العائلة بهذا؟ هناك أفراد معينون هم الذين يتحملون المسؤولية”، حسب موقع “ميدل إيست آي” البريطاني.

وعندما سأل هؤلاء الأمير أحمد عمَّن يتحمل المسؤولية في التطورات التي تشهدها المملكة داخلياً وخارجياً، أجاب الأمير: “الملك (سلمان) وولي العهد (محمد)، وآخرون في الدولة (لم يسمّهم)”.

وكان الأمير أحمد قد رفض حضور حفلات استقبال رسمية دعا إليها شقيقه الملك سلمان، وعندما توفي شقيقهما عبد الرحمن بن عبد العزيز لم تُرفع سوى صورتين في حفل التأبين الذي دعا إليه.

وهاتان الصورتان كانتا لمؤسس المملكة عبد العزيز والملك الحالي سلمان، وكان واضحاً غياب صورة بن سلمان، لدرجة أنه عندما انتشرت على نطاق واسع بذل “الذباب الإلكتروني” جهداً كبيراً للادعاء أن اللقطة كانت مزورة.

كما اتسعت قائمة المعارضين الجدد المتوقّعة، حين أضافت لنفسها الأمير سلمان بن سلطان بن عبد العزيز آل سعود، الذي شغل سابقاً منصب نائب وزير الدفاع ونائب رئيس مجلس الأمن القومي السعودي، قبل أن يُعفى في 2013-2014.

فهذا الأمير المقيم بلندن يقول عنه حساب “مجتهد”، المعروف بكشف أسرار العائلة الحاكمة، إنه أحد أثقل شخصيتين، إلى جانب عبد العزيز بن عبد الله الذي يقيم بفرنسا، وكلاهما على اتصال بالأمير أحمد.