في عملية هي الأكبر منذ اندلاع الحرب بين السعودية والحوثيين في اليمن، قامت القوات الحوثية باستدراج وأسر آلاف المقاتلين ضمن القوات السعودية، واغتنام عشرات المدرعات والعربات العسكرية في محافظة صعدة الواقعة في الحد الجنوبي مع مدينة نجران السعودية.

ورغم كون ذلك أكبر فخ عسكري نفذه الحوثيون في تاريخ الحرب مع السعودية، إلا أن قيادة التحالف تجاهلته، وقلل الإعلام السعودي من شأنه. وبعد يومين من إعلان الحوثيين شنهم هجوما كبيرا وتحقيق انتصار عسكري هو الأكبر على القوات السعودية، قال المتحدث باسم التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن تركي المالكي: إن الحوثيين يقومون بشن “حملة إعلامية مضللة”.

المالكي وصف الهجوم الذي أعلنه الحوثيون بـ”المسرحية” قائلا إن: “الادعاءات التي تصدر من الميليشيا الحوثية الإرهابية المدعومة من إيران لا تمت للحقيقة بصلة، ومن غير المناسب أن يرد التحالف على مثل هذه الادعاءات”.

العقيد المالكي أوضح خلال المؤتمر الدوري لقيادة القوات المشتركة للتحالف أن: “التحالف ليس لديه ما يخفيه”، مشيرا إلى أن: “إجمالي خسائر الميليشيات الحوثية الإرهابية التابعة لإيران في المدة ما بين 16 أيلول/سبتمبر 2019  حتى 30 أيلول/سبتمبر 2019 بلغت 421 معدة وسلاح، إلى جانب مقتل 881 شخصا من تلك الميليشيات الحوثية”.

 

أدلة الحوثيين

إزاء نفي قيادة التحالف لتلك العملية، قام المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة التابعة للحوثيين العميد يحيى سريع بعرض مقاطع فيديو مصورة للعملية التي تم تنفيذها، واستعرض عدة عربات عسكرية مدرعة تابعة للقوات السعودية، بالإضافة إلى مئات الأسرى من المقاتلين اليمنيين.

وأوضح سريع في مؤتمر صحفي: أن الحوثيين أطلقوا عملية “نصر من الله ” في محور نجران، مشيرا إلى أنها استمرت عدة شهور، وأن العملية هي أكبر عملية استدراج لقوات التحالف منذ بدء الحرب، وأشار إلى سقوط 3 ألوية عسكرية من التحالف، وفصيل عسكري يضم مئات الجنود والضباط السعوديين، بالإضافة إلى اغتنام مئات الآليات العسكرية والمدرعات، واستعادة مئات الكيلو مترات من سيطرة قوات التحالف والقوات الموالية لها.

تم الإعلان عن تفاصيل العملية مطلع أكتوبر/تشرين الأول الجاري، غير أنها تعود إلى 27 أغسطس/آب الماضي عندما تقدمت قوات عسكرية يمنية تقاتل في صفوف السعودية، في مسعى منها للسيطرة على منطقة وادي آل جبارة، معقل الحوثيين، في محافظة صعدة (شمالي اليمن).

لكن الحوثيين أصحاب الأرض، تمكنوا من القيام بالتفاف واسع، وفرضوا حصارا مطبقا على تلك القوات، ليسقط نحو 600 مقاتل بين قتيل وجريح، ويتم أسر نحو 2000 مقاتل، بالإضافة إلى استعادة الحوثيين السيطرة على مناطق مطلة على نجران السعودية، كانت قد فقدت السيطرة عليها قبل نحو عام ونصف.

شكلت هذه الحادثة انتصارا عسكريا كبيرا للحوثيين، وألحقت بالقوات السعودية والقوات اليمنية المقاتلة في صفوفها هزيمة هي الأشد منذ اندلاع الحرب بين الجانبين، ورغم مضي نحو 40 يوما على حدوثها إلا أن الحوثيين أجلوا الإعلان عنها، لأهداف ربما تتعلق بتوظيفها في سياق الضغط لإيقاف الحرب على اليمن.

 

عناصر بلا خبرة

تتكون القوات المقاتلة من عدة أولية عسكرية يمنية، أهمها لواء الفتح المكوِّن الأكبر للقوات العسكرية المقاتلة في المحافظة، بالإضافة إلى لواء الوحدة، واللواء “122”، وهي ألوية يمنية تقاتل ضمن قوات التحالف، على الشريط الحدودي للمملكة.

يشرف ضباط سعوديون على تلك الألوية، التي يتكون معظمها من عناصر سلفية، خاضعة لرجل الدين السلفي رداد الهاشمي، قائد لواء الفتح، ولا تملك تاريخا قتاليا أو خبرة عسكرية، وكانوا ضمن طلاب العلم الذين يتلقون العلوم الشرعية بمركز دار الحديث بدماج في محافظة صعدة، والذين تعرضوا في 2014 لحصار وقصف من قبل الحوثيين أسفر عن مقتل المئات منهم وتشريد الآلاف، ثم تفجير مركز دار الحديث في المدينة.

حسب الكاتب والناشط الحقوقي موسى النمراني لـ”الاستقلال”: “تخضع تلك الألوية من الناحية الإدارية والعملياتية إلى القوات السعودية بشكل مباشر، ولا تتلقى أوامرها من وزارة الدفاع اليمنية، ويخضع لواء الفتح أهم تلك الألوية لقيادات سلفية تم تعيينها من قبل القوات السعودية”.

استغلت السعودية حماس طلاب العلم وثأرهم التاريخي مع الحوثيين، وقامت بالزج بهم في محرقة لا خبرة لهم بها، وفي جغرافيا قاسية لا دراية لهم فيها، سوى أن لديهم رغبة صادقة في قتال الحوثيين، بعد أن قامت بتوزيعهم على الشريط الحدودي لحماية أراضيها من هجمات الحوثي.

وأثارت تلك الحادثة سخطا كبيرا بين اليمنيين، خصوصا أن سلاح الجو السعودي لم يقم بأي جهد لفك الحصار عنهم، رغم المناشدات المتكررة بفك الحصار، عدا في اليوم الأخير، بعد أن وضعت المعركة أوزارها وحسمت لصالح الحوثي.

ما زاد من سخط اليمنيين أن تفاصيل الحصار كان مروعا، حيث مات عشرات الجرحى أثناء الحصار، ومات عشرات آخرون من العطش، وظل المقاتلون خلال أيام الحصار يأكلون من أوراق الأشجار، وبقايا الخبز المتعفن، وعثروا في آخر أيام الحصار على بركة ماء آسنة، اضطروا للشرب منها بعد أن مات زملاؤهم من الجوع والظمأ.

اضطر المقاتلون المحاصرون للشرب من المياه الآسنة بعد موت العشرات من العطشاضطر المقاتلون المحاصرون للشرب من المياه الآسنة بعد موت العشرات من العطش

أنباء تحدثت عن تفاوض السعودية مع الحوثيين في الوقت الحالي، لإطلاق الأسرى السعوديين لديها متجاهلة الأسرى اليمنيين، كما لم تلتفت لمقتل وإصابة نحو 600 مقاتل يمني، كانوا يقاتلون دفاعا عن الأراضي السعودية.

قائد المقاومة الشعبية في محافظة تعز حمود المخلافي دعا في وقت سابق، المقاتلين في الحد الجنوبي السعودي إلى عودتهم  إلى مدنهم وقراهم، وحماية مناطقهم من هجوم ميلشيا الحوثي، وذلك بعد أن قامت طائرة للتحالف بقصف وحدات من الجيش اليمني في مدينة عدن، وأسفرت عن مقتل وإصابة ما لا يقل عن 300 جندي.

 

إذعان سعودي

مع أن الحادثة هي الأكبر منذ اندلاع الحرب، إلا أن الحوثي صوّر المعركة كأنها في أراض سعودية، حيث قال: إنها في نجران، والحقيقة أنها في أراض يمنية، وفي مديرية “كتاف” التابعة لمحافظة صعدة اليمنية، تحديدا، وهي منطقة حدودية مع المملكة، كما أن الأسرى يمنيون من المقاتلين ضمن قوات التحالف.

وفي حين تحدث الحوثيون عن مئات الأسرى السعوديين، كشفت مصادر عسكرية خاصة لـ”الاستقلال” عن حوالي 30 أسيرا سعوديا فقط، كانوا ضمن الألوية العسكرية المقاتلة في مديرية كتاف بصعدة.

وتأتي هذه المبالغات، في دأب درج عليه الحوثيون، تعمدوا فيه المبالغات، وتضخيم انتصاراتهم، في مقابل إنكار ونفي خساراتهم، ومن بين ذلك عدد الضحايا الذين يتساقطون في صفوفهم.

مثلت تلك الحادثة إخفاقا سعوديا، وتزامنت مع تعرض ضربات أخرى تلقتها السعودية، حيث تعرضت منشآت نفطية سعودية لهجوم هو الأكبر منذ اندلاع الحرب.

وهو الأمر الذي قد يدفع السعودية للإذعان، والقبول بالتفاوض مع الحوثي، خصوصا أن خالد بن سلمان نائب وزير الدفاع السعودي الذي تم تفويضه لإدارة الملف اليمني، عبّر مؤخرا، عن انفتاح الرياض لحوار محتمل مع الحوثيين.

وفي مقابل ذلك الإخفاق السعودي، أعطت تلك الحادثة الحوثيين دفعة معنوية، أسهمت بتقوية شوكتهم، رغم محدودية الأسلحة التي يقاتلون بها، في مقابل أسلحة نوعية تمتلكها السعودية، ما قد ينعكس بشكل سلبي على موقف الشرعية، التي تسعى منذ 5 أعوام لإنهاء الانقلاب الحوثي.