خاص: لم تكن السعودية يومًا ما إصلاحية ولا دولة ديمقراطية، كانت ولا زالت دولة ملكية مطلقة، والحكم محتكر على أفراد من أبناء الملك عبدالعزيز. وكان ولا زال احتكار القرار السياسي والاقتصادي هو شأنًا أسريًا خاصًا بآل سعود لا بالشعب. ومع هذا كانت هناك فترات مر فيها المجتمع السعودي بحالة من الانفتاح والانفراج العامة في التعاطي مع قضايا الشأن العام؛ حيث تمثلت فترة الملك عبدالله في المرحلة ما قبل الأخيرة من وفاته ذروة هذا المناخ الذي تُوج بالعديد من المطالب الإصلاحية والمشاريع الثقافية الحرة.

كانت فترة عبدالله مُكرسة لفتح مشاريع تنموية كبرى كمدن صناعية وجامعات ومدن صحية وفُتح باب لحرية التعبير في الصحف والأندية الأدبية وكان المناخ الثقافي ذو سقف مرتفع وبشكل ملاحظ. هذا كان حتى بوجد الأمير نايف على رأس وزارة الداخلية. حيث كان نايف يمثل الجناح التقليدي المستبد والقمعي داخل الأسرة ومع هذا كان نايف عندما يعلم بوجود مبادرات إصلاحي تُعد بين الإصلاحيين كان يستدعي الإصلاحيين ويستمع لهم وفي نهاية المطاف يهددهم بأن نزول البيان هو خط أحمر دون اعتقالهم! هذا حدث مع المعتقلين العشرة ( الدكتور موسى القرني، الدكتور سعود الهاشمي، الدكتور عبدالله الحامد، الدكتور عبدالرحمن الشميمري، وبقية رفاقهم) ماكنت الدولة بلطجية في ذلك العهد وإن كانت مستبدة فهناك ثمة فرق جوهري بين الإثنين وهو يمكن معرفته بالمقارنة بين مناخ المجتمع السعودي سياسيا وثقافيا في عهد عبدالله وبين عهد سلمان وأبنه محمد اليوم، قارن وتذكر صورة الماضي وصورة اللحظة الحاضرة. أنها لحظات كانت وكأنها من خيال، عندما أتذكر بعض الهاشتاقات أشعر أننا كنا في مكان وزمان مختلف. على سبيل المثال لا الحصر، هاشتاق الراتب لا يكفي الحاجة على ، طال عمرك، نحن بخير؟ المهم الأمثلة كثير ويمكن المقارنة بينها وبين هاشتاقات الوطنجية اليوم عن السعودية العظمى وكيف سيطر الذباب الإلكتروني على المشهد العام بالتشبيح والترهيب ونشر سورة للمنقذ والشاب محمد بن سلمان، حتى مع انتشار كافة الأخبار المرعبة حول الاعتقالات التي قام بها والتي شملت كافة الشخصيات الوطنية كان هناك من ذباب الظلام الإلكتروني ينشرون صورة كتتويج للجرائم التي يرتكبها وسط حالة من الذهول والتراجع من قبل العديد من المهتمين بالشأن العام. أهم علامة فرق بين فترة الملك عبدالله وفترة سلمان وابنه أن فترة الأول كانت الدولة فيها تقدم مشاريع كبرى مع سقف عالي ومتاح ومقبول لحرية التعبير وأن فترة الثاني هي فترة فقر وعوز وأخذ أموال من المواطنين و قمع سياسي واجتماعي لم يسبق له مثيل في تاريخ الجزيرة العربية.

الخلل بدأ قبل الربيع العربي، وكعادة الكوارث تبدأ صغيرة بدون شعور أو ملاحظة اجتماعية لها كي تكون ظاهرة للعيان ومنقُودة من قبل الكتاب والنقاد. في عام ٢٠٠٥ تم خالد التويجري رئيس الديوان الملكي السعودي ، وقد عين باعتباره ابن لصديق الملك عبدالله عبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري صديق الملك النصوح المخلص. الخلل بدأ من هذه اللحظة التي توفقت فيها المحسوبية على الكفاءة، صحيح أن النظام بأكمله يقوم على الوراثة لا الانتخاب والاقتراع، لكن نشير أن إبن التويجري لم يكن على المدى البعيد رجلاً وطنياً ينحاز لمصالح الدولة ويفكر بعقلية سياسي نافع لوطنه، بل كان انتهازيا ويعمل لحسابه الخاص، وهذا يظهر في وقت الأزمات أكثر من وأوقات الرخاء، حيث عند إندلاع الربيع العربي كانت تحركات التويجري ضد المصالح الشعبية العربية خارجياً وداخلياً ضد الهموم الوطنية بتصديه لحرية التعبير ونشاط التدوين في ذلك الوقت عبر أياديه وأطرافه التي كانت تتمثل في الشبيح سعود القحطاني!

ربما يبدو أنه إتهام مطلق لسعود والتويجري، لكن من يعرف كيف كانت تدار المنتديات الإلكترونية يعرف عقلية التويجري وسعود، حيث العقلية التسلطية التي ابتلي بها المجتمع السعودي خلال العامين الماضين. بدأ تاريخ سعود مع تعيينه في مركز الأرصاد الإعلامي في الديوان عام 2005، وهو في الحقيقة عبارة عن لجنة ترصد تفاعل المدونين والإعلام الإلكتروني والصحافة وتحاول أن تتعامل مع نقدهم. ربما قصة منتدى الشبكة الليبرالية التي كان يديرها شكلياً رائف بدوي ومن خلفه سعود القحطاني هي القصة الأكثر تداولا عن دور سعود البلطجي في التعامل مع قضايا الرأي العام. ولأن التويجري حذر في الظهور والخروج للإعلام كان سعود مجرد موظف تحت إمرته لا يستطيع أن يخرج للإعلام ولا يصرح وكذلك تحركاته محسوبة من قبل الديوان. التغير حدث بالتدريج مع اندلاع الربيع العربي حيث “البيض” كما يسميه رواد توتير كان هو عبارة عن الجذور الأولى للذباب الإلكتروني، فالتشبيح والحملات التحريضية والهشتاقات كانت في تلك الأيام ٢٠٠٩-٢٠١٣ هي وظيفة سعود وهذا يمكن التأكد منه بالعودة إلى موقع وكيليكيس عن مراسلات سعود لمواقع الهكر للقرصنة وملاحقة حسابات تويتر السعودية الفاعلة .

مع صعود محمد بن سلمان إلى أعلى هرم السلطة كولي عهد، تم تتويج سعود القحطاني كمدير عام مركز الأرصاد الإعلامي في الديوان الملكي ومستشار في الديوان الملكي بالمرتبة الممتازة إضافة للمهام المُكلف بها التي هي تتلخص في السيطرة على النشاط الإعلامي كمراقبة والسيطرة عليه، وهذا الدور يتوافق بشكل دقيق مع سلوك محمد بن سلمان، حيث أن هذا الشاب لا يتميز بأي مؤهلات ولا خبرات ولا نباهه عرف بها، كل ما في الأمر أنه إبن للملك ويحاول أن يكون ملكاً خلال فترة التي يحكم بها أباه. ربما أن محمد لم تكن تظهر كل صفات الاستبداد والجبروت عليه في المرحلة الأولى من حكمة لسببين الأول انشغاله بتقديم مشروع تنموي وتقديمة كرائد للتجديد السياسي السبب الثاني هو أجندة مؤسسات العلاقات العامة الراعية والمخططة لصورته داخليا وخارجيا كنت حذره في اخراجه على أي شاشة أو صحيفة إلا بعد تحضير مدرس ويقدم بصورة كشاب واعد من الأسرة الحاكمة يريد تقديم مشروع سياسي مختلف. تلك الفترة كانت خادعة للجمهور الغربي وبعض الداخل السعودي الذين صدقوا ما يخرج من وهج على الشاشات والصحف. لكن مع الأيام التي كانت كفيلة بإظهار حقيقية كمستبد غشيم وأحمق ولا يفهم من أمور السياسية شيء وأول هذه الإشارات هو دخوله حرب اليمن، ثانيا كلمته الشهير في افتتاح نيوم عندما قال “سنسحقهم”؟ هذه المرحلة كانت مؤشر حقيقي على القمع سوف يكون شعاراً للمرحلة القادمة، وفعلا مع تصعيد الخصومة مع قطر بدأت رحلة عناء محلية مع الاعتقالات التي ابتدأت مع الشيخ الفاضل والمربي سلمان العودة وطالت أنبل ما في المجتمع السعودي من شخصيات كعصام الزامل وجميل فارسي وعبدالله المالكي وعدد كبير من الفضلاء من المشايخ المستقلين عن السلطة السياسية وكذلك الكتاب والصحفيين وغيرهم من لهم حضور ولو طفيف في شبكات التواصل.

أجزم أن الاعتقالات كانت في البدء رغبة إماراتية قبل أن تكون سعودية حيث أن الدليل المادي الذي استند عليه هو أن الحسابات الإماراتية كانت منذ الربيع العربي قوائم في شبكات التواصل وتهم وحملات تشويه ممنهجة عن الفاعلين السعوديين. لم تكن الحكومة السعودية في عهد عبدالله تخضع لتأثير إماراتي، لكن مع قدوم محمد بن سلمان أصبح مبس أقرب للأمارات بل تابعاً في كثير من الأجندات السياسية حيث أن الإمارات خدمته في تقديمه وترويجه لدى الغرب كسياسي مختلف، وفي نفس الوقت هو يعمل على تحقيق أجندة وأهداف الإمارات محلياً وعربيا.

مع فتح باب الاعتقالات أصبح مبس لا يأبه لأي أحد في يفعل، وأي صوت ينتقد أي أمر هو سوف يكون ضحية وهذا مثبت قوائم الاعتقالات التي حدثت ابتداء من اعتقال الشيخ سلمان العودة ثم أخية بعد كتابته عن هذا الاعتقال. السؤال المهم الذي من المفترض أن يطرح كل يوم وكل لحظة لماذا هذه الاعتقالات بدل الانخراط في الدفاع عنهم. السؤال المجرد لماذا يعتقل سلمان العودة؟ لماذا جميل فارسي يعتقل ؟ وغيرها هي أسئلة محرجة وتكرارها أكثر أحراجاً للسلطة السياسية المستبدة. وهذا ما كان يفعله المغدور جمال خاشقجي حيث أنه كان يتسأل لماذا يعتقل هؤلاء، ماذا فعلو لكي تم الزج بهم في السجون وخصوصا أن جمال خاشقجي رحمه الله كان يعرف كثيراً من المعتقلين ويعرف صدقهم وحرصهم على الوطن، ويعرف أن الحكومة هؤلاء لا تملك سبباً واحد حقيقياً على اعتقالهم.

اختتام هذا المقال عن اغتيال جمال هو الغاية الأساسية لكتابة هذا المقال السردي حول ما فيه نحن من كرب وبلاء بالتسلط من قبل الاستبداد والجرائم التي يقوم بها محمد بن سلمان مع سبق الإصرار والترصد. نحن أمام شخصية تتميز بعدة أمور:

١- الجهل وقلة المعرفة، والجهل هنا أقصد به هو عدم التعلم، فمحمد بن سلمان وإن كان إبن للملك وابن لأحد أهم أفراد الأسرة المالكة فهو لا حظ له من العلم، والعلم جهد ومدارسة و وقت يمرن الإنسان فيها عقله وسلوكه على التعلم والتفكير. وما نلاحظه أن مبس بشكل واقع هو لا يفكر ودليلي على هذا ما نراه من تحركات وانفعالات سياسية غير مدروسة وغير مستوعبة المناط وأهمها حرب اليمن، اعتقال الحريري واغتيال جمال داخل السفارة. هل يمكن لشخص أن يمتلك شيء من التفكير أن يقدم على أي من هذه الكوارث دون التفكير في توابعها؟

٢- محمد بن سلمان يتمتع بصفات عصابات المافيا، حيث منطق البطش والغدر هي سمات أساسية. هل نستطيع أن نتخيل أن بعد اغتيال جمال يتم جلب إبن جمال بالقوة القسرية للظهور معه في صورة كأنها تعزية، أي إنسان هذا الذي لديه الجراءة على الإقدام على هذه الخطوات؟

٣- احتمالية الإصابة بالخلل العقلي، تشير بعض التقارير الصحفية أن محمد بن سلمان مصاب الاضطراب ثنائي القطب، أو ما يعرف بالهوس الاكتئابي (Bipolar disorder) وهذي إذا كان يستطيع أن ينفيها عن نفسه بصدق فل يقدم تقريراً صحياً عن حالته العقلية من قبل لجنة طبية مستقلة.

مثلث محمد بن سلمان يتميز بالجهل والتفكير على طريقة المافيا والبلاء العقلي الذي هو مصاب به ومن أهم سماته هو حدته تجاه أي نقد ولو طفيف له ومشاريعه. نحن أمام شخصية أقدمت على اغتيال جمال خاشقجي لأنها لم تحسب ولم تعرف عواقب هذه العملية وهذا يدل على حجم الجهل، وأقدمت على هذه العملية لأنه يفكر كما تفكر المافيا (نستدرجه، نوبخه، نقتله، ثم نقطعه ونخفي أثره) ثم ماذا؟ محمد بن سلمان لا يعرف ماذا يعني ثم ماذا هو يحسب الخطوة الأولى فقط، وعقلة لا يقدم له الخطوة الثانية بعد الأولى. وأخيراً البلاء الذي هو فيه هو يشير إلى شخصية تفاعله مع الأحداث. في ختام المقال نقول رحم الله جمال وأسكنه فسيح جناته، جمال اليوم في مكان آخر عند عزيز كريم، وسوف تبقى روح جمال ونبله تجري بين كل المواطنين الشرفاء والمخلصين لوطنهم، وسوف يبقى ذكراه عطرة بين كل المهمومين بوطنهم وبمستقبل أفضل وسوف تبقى شخصيته إشارة بارزة على قوة وشرف القلم الحر والصادق أمام كل أدوات الاستبداد مع كل تمتلك هذه الأنظمة من مقومات مادية ولوجستية إلا أن جمال اليوم وغدا وكل يوم هو ينتصر بصموده في وجه المستبد وسوف تبقى صورة وروح جمال تطارد المستبد محمد بن سلمان وتلعنه إلى يوم القيامة.