وجه مجلس الشيوخ الأميركي مساء أمس الأربعاء تحذيرا جديدا إلى إدارة الرئيس دونالد ترامب والحكومة السعودية بموافقته على إجراء تصويت نهائي على مشروع قانون يمنع واشنطن من الاستمرار في تقديم دعم عسكري للتحالف السعودي الإماراتي في اليمن.

ومن المحتمل أن يدفع السخط المتصاعد الكونغرس إلى اتّخاذ إجراء منفصل في الأيام المقبلة، يتمثّل في توجيه اتّهام مباشر لولي العهد السعودي محمد بن سلمان بالتورّط في جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي.

فقد وافق مجلس الشيوخ بأكثرية 60 صوتا -بينهم 11 جمهوريا- مقابل 39، على الانتقال إلى مرحلة التصويت النهائي على مشروع قانون يمنع إدارة ترامب من تقديم دعم عسكري للرياض في حرب اليمن.

وتعد هذه الخطوة بمثابة رسالة سياسية قوية إلى الرياض وتوبيخ للبيت الأبيض بعدما رفض ترامب تقييم وكالة الاستخبارات الأميركية (سي.آي.أي) الذي خلص إلى تورط محمد بن سلمان في مقتل خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول قبل أكثر من شهرين.

وعقب التصويت قال السيناتور بيرني ساندرز -الذي قدم مشروع القرار- إن الدعم الأميركي لحرب اليمن سيكون عائقا أمام التوصل إلى حل سياسي للأزمة اليمنية، مضيفا أن الكونغرس لم يصادق على المشاركة الأميركية في حرب اليمن، مما يجعلها غير دستورية.
وإثر هذا التصويت شرع أعضاء بمجلس الشيوخ في مناقشة التعديلات المقترحة على مشروع القانون قبل إجراء التصويت النهائي عليه، والذي يمكن أن يتمّ في نفس اليوم.

ولكن حتى وإن أقرّ مشروع القانون في مجلس الشيوخ، وهو أمر مرجّح، فإن النص لن يرى النور في الكونغرس بمجلسيه لأن الأكثرية الجمهورية في مجلس النواب الحالي كفيلة بوأده حالما يحال إليها، علماً بأن هذه الأغلبية ستنتقل من الجمهوريين إلى الديمقراطيين حين تبدأ ولاية مجلس النواب الجديد يوم 3 يناير/كانون الثاني المقبل.

ولكن حتى وإن وافق مجلس النواب الجديد على مشروع القانون وأحيل النص إلى البيت الأبيض، فإن ترامب يمكنه عندها استخدام الفيتو الرئاسي ضده وإفشال هذه المحاولة من أساسها.

مواصلة الضغط
وتعهد مشرعون جمهوريون وديمقراطيون بمواصلة الضغط بعد تولي الكونغرس الجديد المسؤولية في الشهر القادم من أجل اتخاذ المزيد من الإجراءات الصارمة ضد السعودية، بما فيها سن تشريع لفرض عقوبات تتصل بحقوق الإنسان ورفض مبيعات الأسلحة للمملكة.

ومن المحتمل أن يدفع السخط المتصاعد بمجلس الشيوخ والكونغرس عموما إلى اتخاذ إجراء منفصل في الأيام المقبلة يتمثّل في توجيه اتّهام مباشر لولي العهد السعودي بالتورّط في جريمة قتل الصحفي السعودي.

من شأن هذا الأمر أن يمثّل انتكاسة أخرى للرئيس ترامب الذي يشكك في احتمال أن يكون ولي العهد ضالعا في الجريمة، والذي أكد طوال أسابيع على الأهمية الإستراتيجية والاقتصادية للتحالف مع الرياض.

والإجراء الرامي إلى التنديد بجريمة قتل خاشقجي وتحميل محمد بن سلمان المسؤولية عنها، تقدّم به السيناتور الجمهوري بوب كوركر المعروف بانتقاداته الشديدة للرئيس ترامب. وقد توقّع كوركر أن يوافق مجلس الشيوخ بأكثرية ساحقة على مشروعه.

كما أن هناك إجراء ثالثا في مجلس الشيوخ يرمي إلى تجميد مبيعات الأسلحة الأميركية للسعودية وفرض عقوبات على المسؤولين عن قتل خاشقجي، ولكنه لن يحال إلى التصويت قبل حلول العام الجديد.

ويشعر أعضاء مجلس الشيوخ بالاستياء من رد فعل الرئيس ترامب على قتل خاشقجي وتفاقم الأزمة الإنسانية بسبب الحرب في اليمن.

تصاعد الانتقادات
وعقب التصويت الأخير وجه أعضاء في مجلس الشيوخ -أثناء مؤتمر صحفي مشترك- انتقادات لاذعة للسعودية على خلفية جريمة قتل خاشقجي والحرب في اليمن.

وقال السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام “أنا والسيناتور ما كين كنا أحيانا الوحيدين الأكثر دعما للعلاقة مع السعودية في الماضي، لكن بالنسبة لي فإن هذه الأيام قد ولت لأن هناك قضايا تحدث في السعودية مثل قضية مقتل خاشقجي الذي تواطأ فيها ولي العهد السعودي، وشرذمة اليمن، وسجن رئيس الوزراء اللبناني وهو من أغرب ما رأيته خلال 21 عاما من العمل، وكذلك حصار قطر من دون أي إشعار لنا ونحن لدينا جيش فيها”.

وأضاف غراهام ذاكرا محمد بن سلمان “هذا الشخص، ولي العهد، سام جدا وبغيض جدا ومعيب جدا بحيث لا أتصور نفسي أتعامل مع السعودية إلا إذا حدث تغيير هناك”.

من جهته، تعهد السيناتور الديمقراطي بوب ميننديز بأنه سيستخدم كل صلاحياته لتمرير مشروع قانون ساندرز لمساءلة السعودية بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في حربها على اليمن. وأضاف أنه يجب فرض عقوبات بموجب قانون ماغنيتسكي على المتورطين في جريمة قتل خاشقجي.

وقد اعتبر السيناتور الديمقراطي كريس ميرفي أن مشروع القانون بشأن الحرب على اليمن سيتم تمريره، وأنه سيمثل أفضل رد على السعودية التي تستخدم الأسلحة الأميركية في حربها هذه. أما السيناتور تود يونغ فقد اعتبر أن اليمن يمثل مشكلة أمن قومي لواشنطن.

كما اعتبرت السيناتورة الديمقراطية جين شاهين أن تصويت مجلس الشيوخ على مشروع القانون الذي قدمه ساندرز يبعث برسالة مهمة لوقف الحرب في اليمن ومساءلة الضالعين في مقتل خاشقجي، لتعريف السعودية والعالم كله بالقيم الأميركية الداعمة لحقوق الإنسان.

وتأتي هذه التحركات بينما عبر قادة الديمقراطيين في الكونغرس الأميركي عن عزمهم عقد جلسات لتقييم أفعال السعودية وعلاقات الولايات المتحدة معها، بعدما قدمت مديرة وكالة “السي.آي.أي” جينا هاسبل إحاطة في مجلس النواب الأربعاء بشأن مقتل خاشقجي.

وقال النائب الديمقراطي إليوت إنغل الذي سيرأس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب حين يسيطر الديمقراطيون عليه ابتداء من يناير/كانون الثاني المقبل “علينا مراجعة علاقتنا مع السعودية وتحديد الجوانب التي قد تتغير فيها”.

وكانت هاسبل قدمت إحاطة مماثلة بشأن مقتل خاشقجي لأعضاء بارزين في مجلس الشيوخ يوم 4 ديسمبر/كانون الأول الجاري. وقال الأعضاء بعد استماعهم لتقييم هاسبل إنهم صاروا أكثر اقتناعا بمسؤولية محمد بن سلمان عن مقتل خاشقجي وضرورة محاسبته.