قال موقع ميديا بارت الفرنسي إنه رغم الانتقادات المستمرة للرياض ورفض تسليم المسؤولين عن اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي بتركيا، يحاول البيت الأبيض والأوروبيون دفن الفضيحة التي قد تحاول إدارة ترامب الاستفادة منها.

ففي بلد كالسعودية صحراوي مترامي الأطراف يحسن الناس فن تحاشي الرذاذ، ومع مرور شهرين على عاصفة مقتل خاشقجي تنسحب القضية ببطء إلى رفوف الربح والخسارة، رغم صدور حكم رمزي من قبل مجلس الشيوخ الأميركي، وكأن رسالة أصدقاء المملكة تقول بإغلاق الستار.

وقد أحسنت مجلة تايم الأميركية حين أعطت الصحفي المقتول شرف “شخصية العام” مع جميع الصحفيين الذين تعرضوا للمضايقات في هذا العالم، حسب الموقع.

واستغرب الموقع تشابه الشعارات في الخطابات، فهذا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي أصبح مؤخرا قريبا من الرياض يقول إن “ما حدث في إسطنبول فظيع للغاية، لكن أهمية دور السعودية في الشرق الأوسط تفوقه، إذ إن زعزعة السعودية لا تؤدي فقط إلى عدم استقرار الشرق الأوسط، بل عدم استقرار العالم كله”.

خيارات متناقضة
وهذا زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ الأميركي ميتش ماكونيل أحد أقوى مساندي الرئيس دونالد ترامب يقول “نريد أن يعاقب المسؤولون، لكننا نريد أيضا الحفاظ على شراكة عمرها ستون سنة مع السعودية، وضمان استمرار المملكة في خدمة المصالح الأميركية وفي تحقيق الاستقرار بمنطقة خطرة وممزقة”.

ورأى كاتب المقال توماس كانتالوب أن هذه الأقوال إن لم تكن أنيقة فلها ميزة الصراحة، إذ ليست مثل وجهة نظر جاريد كوشنر صهر ترامب وأحد كبار مستشاريه في البيت الأبيض الذي قال في مقابلة مع فوكس نيوز إن “وكالاتنا الاستخبارية لا تزال تقيم المسؤوليات، ونأمل أن تتحقق العدالة، لكن في الوقت الحالي، نركز على المنطقة بالمفهوم الأوسع لتقديم خطة سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين”.

وهكذا مسح كوشنر جهود وكالة الاستخبارات المركزية التي قدمت نتائجها، مشيرة إلى أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لا يمكن إلا أن يكون على علم باغتيال خاشقجي الذي ارتكبه العديد من مقربيه.

وينبه الكاتب إلى أن لدى كوشنر –كالسعوديين تماما- العديد من الأسباب لمحاولة دفن هذه القضية بقدر ما يخدم ذلك مصالحه، مشيرا في هذا الصدد إلى تحقيق لصحيفة نيويورك تايمز يظهر أن الرياض استثمرت بكثافة في الوكيل العقاري الذي يوسوس في أذن الرئيس، حتى إن بعض الدبلوماسيين ووكلاء الاستخبارات الأميركية رأوا في ذلك شكلا من أشكال “التلاعب” على طريقة استدراج الأجهزة السرية أهدافا معينة في الخارج للعمل نيابة عنها.

السعودية وصفقة القرن
ولاحظت الصحيفة أن كوشنر ظل على تواصل مع بن سلمان حتى بعد الكشف عن مقتل خاشقجي، وتبادل معه الرسائل النصية وقدم له المشورة بشأن أفضل طريقة للخروج من الفخ الذي وجد نفسه فيه، ولهذا لم ير الكاتب عجبا في الترويج في هذه الظروف “لخطة السلام الإسرائيلية الفلسطينية” التي أجل الإعلان عنها مرات، خاصة أن كوشنر يعتمد فيها بشكل كبير على السعوديين.

ومن النقاط الرئيسية في الخطة المفصلة على رضى إسرائيل أن تكون القدس عاصمة موحدة لإسرائيل مقابل أبو ديس للفلسطينيين، وهو ما يرفضه كل العرب، ويعوّل كوشنر على بن سلمان لتمريره، غير أن الملك سلمان والد محمد تدخل في أوائل عام 2018 لمنع هذه “الصفقة”.

ونقل الموقع عن دبلوماسي إسرائيلي سابق أن الصفقة ربما تُغيّر، وأن “التخلي عن بن سلمان مرفوض رغم وجود دليل واضح على مسؤوليته عن اغتيال خاشقجي ورغم تسببه في كارثة اليمن”، مضيفا أن الأميركيين يرفضون التخلي عنه، معتقدين أن الملك سلمان سيكون ممتنا لهم بإنقاذ ابنه ويقبل في المقابل خطة كوشنر.

البيت الأبيض دائم الدعم للرياض
وقال الدبلوماسي الإسرائيلي إن السعودية والولايات المتحدة ليس بينهما ود ولكنهما تتعاونان في أوقات التوتر، مشيرا إلى أن إدارة الرئيس جورج بوش بعد 11 سبتمبر/أيلول 2001، سمحت بتهرب السعوديين من المسؤولية عن الهجمات، واليوم تفعلها عائلة الرئيس دونالد ترامب وحاشيتها الذين يدعمون بن سلمان”.

أما خارج البيت الأبيض -كما يرى الكاتب- فلا محل لحب الرياض، إذ صوت مجلس الشيوخ الخميس لصالح قرار يطالب بقطع المساعدات الأميركية في الحرب على اليمن، وهي الخطوة التي تهدف إلى إدانة المملكة العربية السعودية في قتل خاشقجي.

وقد وعد العديد من أعضاء الأغلبية الديمقراطية الجديدة في مجلس النواب الذين سيتولون المنصب في يناير/كانون الثاني 2019 بأنهم سيطلقون تحقيقات بشأن هذه المواضيع، ولكن الرياض مع ذلك ليست مهددة بقوة حتى الآن في واشنطن.

أما في أوروبا خاصة فرنسا فالحرص أيضا شديد على عدم تحريك مياه المستنقع التي بدأت تهدأ بعد شهرين من الهيجان، إذ اكتفت باريس بعقوبات حظر الإقامة على 18 سعوديا ممن لعبوا دورا في اغتيال خاشقجي، رافضة وقف مبيعات الأسلحة للسعودية.

من ناحيتها طلبت تركيا التي ارتكبت جريمة القتل على أراضيها والتي سربت الكثير من الأدلة المادية، بتسليم 11 شخصا، ووجهت إليهم تهم من قبل المحاكم التركية، إلا أن رد السعودية كان قاطعا وفوريا “نحن لا نسلم مواطنينا”.

رسميا، من المفترض أن تحقق الرياض وتحكم على المسؤولين الذين نشرت الصحافة التركية أسماءهم، ولكن من الناحية العملية قد لا نعرف أبدا مصير هؤلاء الرجال نظرا للطريقة التي تسوى بها الأمور في السعودية، تماما كما لا نعرف حتى الآن ما الذي حدث لجميع المعارضين داخل المملكة، فلا أحد سيجبر السعوديين على تحقيق العدالة.