من “المحميّات الملكية” إلى أهم الوزارات السيادية والأمنية، هكذا نقلت الأوامر الملكية التي أصدرها العاهل السعودي، سلمان بن عبد العزيز، يوم الخميس (27 ديسمبر 2018)، الأمير عبد الله بن بندر بن عبد العزيز، وأصبح بموجبها وزيراً للحرس الوطني.

وتضمّنت أوامر العاهل السعودي، التي أصدرها نهاراً على غير عادته، تعيين الأمير عبد الله بن بندر وزيراً للحرس الوطني، خلفاً للأمير خالد بن عياف، الذي عُيّن هو الآخر بعدما أُطيح بسلفه القوي، الأمير متعب بن عبد الله (نجل الملك السابق)، وكانت أول خطوة يُجريها الملك ونجله محمد؛ بهدف إبعاد أولاد الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز من المناصب الحكومية المهمة، للسيطرة على مفاصل الدولة، خصوصاً الأمنية.

عبد الله بن بندر.. رجل بن سلمان
وفقاً لما نقلته وكالة الأنباء السعودية الرسمية، فقد أنهى الأمير الشاب عبد الله بن بندر (32 عاماً)، تعليمه للمرحلة الابتدائية والمتوسطة والثانوية في مدارس الرياض، ثم التحق بجامعة الملك سعود، وتخرّج فيها وحصل على درجة البكالوريوس في العلوم الإدارية تخصّص إدارة أعمال.

زاول وزير الحرس الوطني الجديد أعمالاً تجارية أثناء دراسته الجامعية بعيداً عن المؤسّسات الأمنية والسياسية، لكن عمله بالقرب من محمد بن سلمان، منذ سنوات، أهّله لأن يكون وزيراً لأكثر المؤسسات حساسية بالنسبة إلى ولي العهد؛ حيث شغلها المناوئون له ولعائلته من “التويجريين” لسنوات، وعلى رأسهم الأمير متعب بن عبد الله.

وفيما يتعلّق بخبراته العملية؛ ذكر تقرير الوكالة السعودية أن الأمير “عمل في إمارة منطقة الرياض بمكتب ولي العهد، محمد بن سلمان، حينما كان مستشاراً خاصاً لأمير منطقة الرياض. وعمل في ديوان ولي العهد بعد اختيار الملك سلمان ولياً للعهد، في 18/7/1433 (عام 2013). وعمل في الديوان الملكي بعد تولي الملك سلمان مقاليد الحكم”.

وصدر أمر ملكي بتعيينه نائباً لأمير منطقة مكة المكرمة بالمرتبة الممتازة، ثم صدر الأمر الملكي بتعيينه عضواً في الهيئة الملكية لمدينة مكة والمشاعر المقدّسة، تلاه صدور أمر ملكي بتعيينه رئيساً لـ”محميّة” الإمام سعود بن عبد العزيز، ثم أمر ملكي آخر بتعيينه عضواً في مجلس المحميات الملكية، وعضو مجلس مشروع “آمالا”، ثم عضو مجلس إدارة مشروع “الديسة” ضمن محميّة الأمير محمد بن سلمان.

وعلى عكس الملوك السابقين، عيّن الملك سلمان أمراء على وزارة الحرس الوطني غير متخصّصين في المجال العسكري أو الأمني، كما كان عليه الحال لدى الملوك السابقين، حيث يتسنّم هذه الوزارة من يتدرّج وظيفياً فيها، على أن يكون حاصلاً على شهادة بالعلوم العسكرية تؤهّله لهذا المنصب؛ على غرار الأمير متعب بن عبد الله، الذي أُطيح به من منصبه عام 2017، وأُلقي به في السجن بتهم فساد مزعومة.

الأمير متعب.. نموذج أرعب بن سلمان من “الحرس الوطني”
شكّل الأمير القوي، متعب بن عبد الله، مصدر قلق لبن سلمان وحاشيته بعد وصول والده إلى العرش، عام 2015، فقد تمكّن الأمير متعب من تكوين قوة وسطوة فاقت كبار أمراء البلاد خلال حكم أبيه الملك الراحل، ما جعله أول أهداف ولي العهد الجديد، فأبعده عن المنصب أولاً، قبل أن يقضي على قواه بالاعتقال والتحقيق بتهم فساد.

وبدا للمتابع للوضع الداخلي للسعودية أن قوة وزارة الحرس الوطني تشكّل تأثيراً حقيقياً يمسّ الملك وحاشيته، ما جعل رأس السلطة الجديد يلجأ لإضعافها بشخصيات جديدة على المنصب.

ويُعتبر الأمير متعب أبرز من تقلّد هذا المنصب، فمن خلال المرور بسيرته نجد أنه تلقّى تعليمه الابتدائي والمتوسط والثانوي في الرياض وجدّة، ثم التحق بجامعة الملك سعود بالرياض لمدة عام دراسي واحد، ثم قرّر دخول المجال العسكري، حيث أُرسل إلى كلية ساندهيرست الشهيرة في بريطانيا، وتخرّج فيها برتبة ملازم، عام 1974. وعُيّن لاحقاً في مدارس الحرس الوطني العسكرية بالرياض.

وبدأ الأمير متعب خدمته حين عُيّن ضابطاً برتبة ملازم في الحرس الوطني، وعُدّت حينها خطوة تعزّز من حضور أبناء الجيل الثاني من أسرة آل سعود الحاكمة في السعودية.

تدرّج الأمير متعب وظيفياً في الحرس الوطني حين عُيّن قائداً لكلية الملك خالد العسكرية، ثم حصل على رتبة عميد، ثم التحق بكلية القيادة والأركان في الرياض، وحصل على درجة الماجستير في العلوم العسكرية بتقدير امتياز، وكان ترتيبه الأول، ثم ترقّى إلى رتبة لواء.

وفي عام 1990 عُيّن نائباً لرئيس الجهاز العسكري برئاسة الحرس الوطني، إضافة إلى عمله قائداً لكلية الملك خالد العسكرية، وتمّت ترقيته عام 1995 إلى رتبة فريق، ثم إلى فريق أول عام 2000، إضافة إلى تعيينه نائباً لرئيس الحرس الوطني المساعد للشؤون العسكرية، ثم نائباً لرئيس الحرس الوطني للشؤون التنفيذية بمرتبة وزير.

وفي 18 نوفمبر 2010، أصدر الملك الراحل، عبد الله بن عبد العزيز، أمراً ملكياً بتعيين الأمير متعب وزير دولة وعضواً في مجلس الوزراء، ورئيساً للحرس الوطني.

وتم تعزيز دور الأمير عندما أصدر والده الراحل، يوم 27 مايو 2013، أمراً يقضي بتحويل رئاسة الحرس الوطني إلى وزارة تحمل الاسم نفسه، وعيّنه -أي الأمير متعب- وزيراً لها.

وفي 4 نوفمبر 2017، أُعفي الأمير متعب من منصبه وزيراً للحرس الوطني بموجب أمر ملكي، ثم احتُجز ضمن قرارات باحتجاز أمراء ووزراء حاليين وعشرات الوزراء السابقين؛ في إطار تحقيق تجريه اللجنة العليا لمكافحة الفساد، التي شُكّلت حديثاً آنذاك، برئاسة ولي العهد الصاعد محمد بن سلمان.

وجاء إعفاء الأمير متعب بعد أن ظل يُدير وزارة الحرس الوطني التي تُعتبر بمنزلة وزارة سيادية في السعودية، وشكَّلت على مدى سنوات قاعدة لوالده الملك الراحل عبد الله.

كما يأتي إعفاء متعب في ظل سلسلة تغييرات أجراها بن سلمان لتعزيز قبضته على السلطة، مع العلم أن الأمير متعب، إضافة إلى المنصب المهمّ الذي تولاه منذ عام 2010، كان الابن الأقرب إلى قلب والده، واعتُقد في فترة من الفترات أنه مرشّح لاعتلاء العرش.

وسبق إبعادَ الأمير متعب إعفاءُ أخويه مشعل وتركي من منصبيهما كأمراء على محافظات، عام 2015، حيث أصدر العاهل السعودي، الملك سلمان، حينما تولّى الحكم، سلسلة قرارات مهّدت طريق الحكم أمام الجيل الثاني (أحفاد الملك عبد العزيز)؛ كان أبرزها تعيين وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف (56 عاماً) ولياً لولي العهد بالمملكة، مع احتفاظه بمنصبه. وهذا القرار منح بن نايف الفرصة ليكون أول من يتولّى هذا المنصب من أحفاد الملك المؤسّس، ثم أصبح ولياً للعهد بعد أشهر قليلة، قبل أن يعزله الملك سلمان ويعيّن ابنه بدلاً منه، في يوليو 2017، الأمر الذي أتاح لنجل الملك سلمان محمد بسط قبضته على وزارة الداخلية والدفاع، وأيضاً الحرس الوطني، في غضون أقل من 3 سنوات.

الخليج أونلاين