قالت دراسة إسرائيلية صدرت للتو، إن “السعودية تجد نفسها في ورطة بسبب أسعار النفط، بعد الانخفاض الذي طرأ على أسعارها عقب العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران، والتطورات التي شهدها السوق العالمي، وفيما تنظر واشنطن أن الرياض لها دور مهم في تعويض النفط الإيراني، لكن احتياجات المملكة الداخلية تتطلب منها رفع أسعار النفط بصورة أكبر من الحالية”.

وأضافت الدراسة التي أصدرها معهد أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، وترجمتها “عربي21” أن “هذا المأزق السعودي يتطلب من المملكة التأسيس لسياسة تعمل على تلبية موازناتها الحكومية من جهة، ومن جهة أخرى التجاوب مع رغبات حليفتها الأساسية الولايات المتحدة”.

وقال شموئيل إيفن معد الدراسة، المتخصص في الأمن القومي بمنطقة الشرق الأوسط، وخبير الموازنات المالية لصالح المجالات الأمنية والاستخبارات، إن “معطيات منظمة أوبك للدول المصدرة للنفط حتى أواخر 2017، وصلت قيمة احتياطات النفط السعودية إلى 266 برميلا، بنسبة 18% من الاحتياطيات العالمية”.

وأضاف أن “المملكة أنتجت بصورة متوسطة يومية قرابة عشرة ملايين برميل نفط، بنسبة 13% من إنتاج النفط العالمي، بما يكفي لسبعين عاما، رغم أن هذا الرقم نظري تماما، فالمملكة تخشى أن خزانات النفط قد تنضب دون توفر مصدر بديل للدخل”.

وأشار إيفن الذي عمل مستشارا للشؤون الاستراتيجية في بعض الوزارات الإسرائيلية، أن “السعودية تمتلك تأثيرا ووزنا كبيرين على إدارة سوق النفط العالمي، لكن الاستراتيجية المركزية التي وجهت المملكة هي زيادة معدلات إنتاج النفط على المدى البعيد”.

وأكد أنه “في الوقت ذاته، تسعى السعودية للبحث عن بدائل جديدة لها تزامنا مع خطة 2030، وهي خطة لا تدعم فكرة رفع أسعار النفط بصورة عالية جدا، لأن ذلك يعزز توجه الدول التي تستورد النفط للبحث عن بدائل طاقة له ذات صبغة تكنولوجية”.

وأوضح أن “السعودية على المدى القصير والمتوسط، تحتاج للمزيد من مدخولات النفط ذي الأسعار العالية التي تتطلب رفع أسعاره بصورة نسبية، في ظل الفجوات التي تشهدها الموازنة الحكومية للمملكة، وإبرام المزيد من الصفقات لحيازة وسائل قتالية، وتمويل العمليات الحربية في اليمن، والحيلولة دون اندلاع احتجاجات في أوساط السعوديين التي تعرفها شوارع الدول في الشرق الأوسط”.

يوآل جيوزينسكي، مدير دراسات الخليج العربي بالمعهد الإسرائيلي، قال إن “موازنة المملكة للعام 2019 بلغت نفقاتها 295 مليار دولار، مقابل 260 مليارا للعام 2018، بزيادة في النفقات قدرها 35 مليار دولار، وحسب تحليلات اقتصادية غربية، فإن بند الإيرادات في الموازنة قائم أساسا على أسعار النفط البالغة سبعين دولارا للبرميل الواحد، بما لا يناسب إيرادات الحكومة السعودية اليوم”.

وأضاف أن “السعودية كانت تنوي رفع أسعار برميل النفط الواحد ما بين 80-100 دولار، لكن ذلك أدى لخلاف مع حليفتها الولايات المتحدة، لأن الرئيس دونالد ترمب خشي أن يؤثر رفع الأسعار لهذا الحد على الصناعات في السوق الأمريكية، وزيادة الفوائد والتضخم في بلاده، مما دفعه للإعلان صراحة أن أي رفع لأسعار النفط غير مقبول، وفي النهاية وصلت الأسعار إلى 76 دولارا للبرميل الواحد، تزامنا مع دخول المرحلة الثانية من العقوبات الأمريكية على إيران”.

وأشار جيوزينسكي، الذي عمل مع أربعة رؤساء لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، أن “تورط النظام السعودي في قضية قتل الصحفي جمال خاشقجي في أكتوبر الماضي، مست كثيرا بقدرة المملكة على الدخول في مواجهة وخلاف مع إدارة ترمب، خاصة في قضية أسعار النفط، مما دفع الرياض للعمل بالتنسيق الكامل مع واشنطن، والاستجابة لمطالب ترامب، الذي يعلم جيدا أن المملكة حليف مهم وقوي لبلاده”.

وختم بالقول: “واشنطن ترى في الرياض مرتكزا لتحقيق مصالحها الاستراتيجية، كمحاربة إيران والجهاد العالمي، وتبلغ الاستثمارات السعودية في السوق الصناعي الأمريكي بمئات مليارات الدولارات، ولذلك لا ينوي ترامب التضحية بهذه المصالح الاستراتيجية بسبب قضية خاشقجي، ولذلك تراجعت أسعار النفط حينها لـ57 دولارا، ثم واصلت الانخفاض إلى 51 دولارا للبرميل الواحد، حتى بلغ ثمنه أواخر ديسمبر إلى 46 دولارا فقط”.