تواصل الديون إغراق المملكة العربية السعودية بالتزامن مع تدهور اقتصادها بشكل متسارع وارتفاع عجز موازناتها السنوية وزيادة النفقات العامة، ما يرفع من احتمالات فشل رؤية 2030 ويجعلها بمواجهة العاصفة.

ورغم ارتفاع مستويات الدين العام السعودي، خلال السنوات القليلة الماضية، فإن المملكة تعتزم إصدار صكوك دولية، في النصف الثاني من العام الجاري؛ لتغطية جزء من عجز موازنتها المتوقع عند 35 مليار دولار.

وقال فهد السيف، مدير مكتب إدارة الدين العام التابع لوزارة المالية السعودية، في تصريحات صحفية قبل أيام: إن “المملكة تعتزم إصدار صكوك دولية في النصف الثاني من العام الحالي”.

وأشار السيف إلى أن الرياض تخطّط لاقتراض 118 مليار ريال (31 مليار دولار) خلال العام 2019، لتغطية جزء من عجز موازنتها العامة المتوقع عند 131 مليار ريال (نحو 35 مليار دولار).

وخلال السنوات الماضية، ارتفعت وتيرة توجُّه السعودية إلى الاقتراض من خلال إصدار الصكوك والسندات لسد العجز في موازناتها، الأمر الذي يرفع معدلات الدين لديها ويفاقم أزمات الدولة الاقتصادية.

وفي العام 2017، أصدرت المملكة النفطية صكوكاً بقيمة 9 مليارات دولار، في حين ارتفع الرقم بالعام الماضي إلى 13 مليار دولار.

أما في العام الحالي فإضافة إلى الصكوك التي تعتزم طرحها في النصف الثاني من السنة، كانت وزارة المالية السعودية قد أعلنت، في يناير الماضي، أنها أتمّت طرح الإصدار الرابع من السندات الدولية، بقيمة تبلغ 7.5 مليار دولار، وذلك ضمن برنامج الحكومة الدولي لإصدار أدوات الدين.

ما المقصود بالسندات والصكوك؟

ويقول المحلل الاقتصادي عبد الرحمن العساف: إن “الحكومات تلجأ عادة لإصدار السندات والصكوك لجمع التمويل اللازم لها، سواء لسد عجز الموازنة أو لتمويل مشاريع معيّنة”.

ويضيف العساف في تصريح لـ”الخليج أونلاين”: “السندات والصكوك تجتمعان في أنهما أدوات دين تصدران بقيمة اسمية، ولهما عائدات متوقعة مرتبطة بتلك القيمة الاسمية، لكنهما تختلفان في أن القيمة الاسمية للصكوك ليست مضمونة المصدر، ولا تكون ديناً في ذمّة المصدر؛ بل هي عبارة عن أصول مدرّة لعائد أو إفادة ملكية باستثمار معين”.

كما تختلف الصكوك عن السندات في أن ما يدفع على الصكوك ليس فائدة مترتّبة على القيمة الاسمية؛ وإنما ربح مصدره النشاط الذي استُخدمت فيه أموال حملة الصكوك، أو الإيراد المتولد من الأصول التي يملكونها بموجب الصكوك.

والفرق الجوهري بين السندات والصكوك أن الأولى ديون ربوية، بينما الثانية وثيقة ملكية لأصل مولّد لعائد، بحسب العساف.

وفترة استحقاق قيمة السندات والصكوك قد تكون قصيرة الأجل؛ أي إن مدّتها أقل من 3 سنوات، أو متوسطة الأجل من 3-10 سنوات، أو تستَحق بعد أكثر من 10 سنوات، وحينها تسمى طويلة الأجل.

وفيما يتعلّق بحالة السعودية، يقول العساف: إن “المملكة بدأت تلجأ لإصدار صكوك وسندات دولية منذ العام 2016، وذلك بهدف تغطية عجز موازنتها الذي تسبّب به الانخفاض الكبير بأسعار النفط في تلك الفترة”.

ويتابع: “في العام الحالي من المتوقع، كما قالت وزارة المالية السعودية، أن يبلغ عجز موازنة المملكة نحو 35 مليار دولار، لذلك قررت إصدار صكوك بقيمة 31 مليار دولار لتغطية الجزء الأكبر من هذا العجز”.

ويتوقع الخبير الاقتصادي أن تُصدر السعودية مزيداً من الصكوك والسندات الدولية خلال السنوات المقبلة، فمن غير المتوقع أن ينتهي عجز موازناتها قريباً؛ في ظل زيادة الإنفاق العام وتراجع أسعار النفط واستمرار تراجع الاقتصاد السعودي.

مملكة المال تغرقها الديون!

ولعل أهم ما يدعم نظرة العساف إلى اقتصاد السعودية تواصل ارتفاع دينها العام، فبحسب تفاصيل موازنة المملكة للعام 2019، فإنه من المرتقب أن يزيد حجم الدين العام إلى 678 مليار ريال (نحو 180 مليار دولار) في السنة الحالية.

كما سيزيد الإنفاق الحكومي بما نسبته 7% مقارنة بالعام القادم؛ بفعل انخفاض أسعار النفط، ليصل إلى 1.106 تريليون ريال (295 مليار دولار)، من أصل إنفاق فعلي بلغ 1.030 تريليون ريال في العام الماضي.

وفي نهاية العام 2018، كان الدين العام المستَحق على المملكة قد وصل إلى 576 مليار ريال (153 مليار دولار)، كما ورد في بيانات وزارة المالية التي أعلنتها عبر صفحتها الرسمية بموقع “تويتر”.

وكانت قيمة الدين العام للسعودية وصلت، مع نهاية العام 2017، إلى 438 مليار ريال (116.8 مليار دولار)، مقابل 316 مليار ريال (84.4 مليار دولار) بنهاية العام 2016.

ويُشكّل الدين السعودي نحو 17.3% من الناتج المحلي للبلاد في 2017، في حين كان 13.1% بـ2016، و1.6% في 2014.

يأتي ذلك في حين أن الدين العام لم يتجاوز نحو 11.8 مليار دولار في نهاية 2014، وفق بيانات سابقة لوزارة المالية السعودية.

وإضافة إلى أن الدين أحد مؤشرات تراجع الاقتصاد، فإنه في حالة السعودية مؤشر لمصير الفشل الذي يترقّب رؤية 2030 التي طرحها ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في أبريل من العام 2016، بهدف إعادة هيكلة اقتصاد المملكة وإخراجه من الاعتماد شبه الكلي على مداخيل قطاع النفط.

الدين ينسف رؤية 2030

ويقول المحلل الاقتصادي محمد الشهري: إن “رؤية 2030 تهدف إلى تنويع مصادر الدخل السعودي، إلا أن عجز الموازنات المتواصل، وارتفاع مستويات الدين، والتوقعات لها بمزيد من الارتفاع؛ دليل واضح على فشل محاولات المملكة لتنويع مصادر دخلها وتقليل الاعتماد على عوائد النفط”.

ويضيف الشهري لـ”الخليج أونلاين”: “الإيرادات المتوقعة في موازنة العام 2019 تبلغ 975 مليار ريال (260 مليار دولار)، منها 313 مليار ريال (83 مليار دولار) إيرادات غير نفطية، يعني أن عائدات النفط ما زالت تشكّل 68% من إيرادات البلاد”.

ويشير الشهري إلى أن الإيرادات غير النفطية لم تحصل السعودية على مجملها من مشاريع استثمارية، فالمملكة فرضت منذ العام 2017 ضرائب؛ مثل السلع الانتقائية والقيمة المضافة، كما أقرّت رسوماً مرتفعة على العمالة المقيمة.

ويرى أن ارتفاع مستويات الدين وارتباط عجز الموازنات بأسعار النفط ينسف الأساس الذي بُنيت عليه رؤية 2030.

وكان العديد من التقارير الصادرة عن مؤسّسات اقتصادية دولية توقعت فشل السعودية في تطبيق رؤية 2030.

أبرز هذه التوقّعات كانت في تقرير نشره موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، مؤخراً، قال فيه: إن “رؤية 2030 التي تهدف إلى تنويع مصادر الدخل السعودي ستفشل”.

وأضاف: إن “اقتصاد السعودية أحاديّ المصدر منذ اكتشاف النفط عام 1938، وقد أدخلت الحكومات المتعاقبة 10 خطط إنمائية على الاقتصاد، أوّلها عام 1970 وآخرها عام 2016، جميعها حملت هدفاً استراتيجياً واحداً؛ وهو تحقيق اقتصاد متنوّع لا يعتمد كلياً على النفط”.

وتابع: “لقد فشلت الخطط التسع الأولى فشلاً ذريعاً في تحقيق هذا الهدف؛ إذ لم تتمكّن السعودية من إحراز أي تقدّم واضح يتعلّق بالبنية التحتيّة الصناعية التي لم تتجاوز وجود بعض مصانع البلاستيك والبتروكيماويات والأغذية الأساسية”.

وأرجع الموقع سبب توقّعه فشل رؤية 2030 إلى أن “الحكومة السعودية تفتقر لمقوّمات القيادة في عصر ما بعد النفط؛ بسبب اعتمادها على المال السهل والسريع من مبيعات البترول”.

وذكر أن “الاستثمار الحقيقي الذي لا يعتمد على النفط يحتاج إلى وقتٍ لكسب المال، والسعودية لديها سجلّ حافل بعدم الانضباط في مجال الاستثمار، ففي أوقات ازدهار الأسعار تستثمر الرياض فوائضها النقدية، وعند انهيار الأسعار تُسارع بتصفية أصولها”.

وفي تقرير آخر لوكالة “بلومبيرغ” الاقتصادية الأمريكية، جاء فيه أن “الرؤية القائمة على تنوّع الاقتصاد السعودي لا تزال بعيدةً عن التجاوب؛ بفعل تباطؤ نمو الاقتصاد غير النفطي في المملكة”.

وأضافت: إن “جهود الرياض لتنويع اقتصادها والابتعاد عن الإيرادات النفطية كمصدر وحيد لتعزيز وضع المالية العامة فشلت حتى الآن”.

ورأت الوكالة أن “التغيير الذي يقوم به ولي العهد السعودي لن يتماشى مع القدرات الاقتصادية والبيئة الاجتماعية في المملكة”.

ولفتت إلى أن الخطط الاقتصادية، وعلى رأسها رؤية 2030، وإعلان إنشاء مدينة نيوم النموذجية، ستصطدم بلا شكّ بواقع معقّد تراكمت معالمه على مدار السنوات الماضية، لا يمكن من خلاله تنفيذ هذه الطموحات.

ويرى التقرير أن غياب التوازن والدقة في إطلاق السعودية للمشاريع العملاقة سيؤدّي إلى فشل هذه المشاريع.

ووصفت بلومبيرغ “رؤية 2030” بأنها كانت مثل “الصبي الطموح”.