إجراءات لم تكن في الحساب لدى القيادة السعودية أجبرتها على قرارات صعبة طالت قواعد دبلوماسيتها داخلياً وخارجياً، وأحدثت خللاً في هرمها الدبلوماسي على أثر جريمة قتل الصحفي السعودي المعروف جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في مدينة إسطنبول التركية في الثاني من أكتوبر الماضي.

خلال الأشهر الخمسة الماضية صدرت عدت قرارات ملكية، متعلقة بطريقة أو بأخرى بجريمة اغتيال خاشقجي، كان اللافت منها تحويل الأنظار من ولي العهد محمد بن سلمان، الذي ذكر اسمه كثيراً في هذه الجريمة كآمر بتنفيذها، إلى شخصيات أقل أهمية بدأت بمستشار ثم وزير ثم شقيقه السفير بواشنطن.

تمثلت القرارات الملكية في إقالة أحد كبار مستشاري الديوان الملكي (سعود القحطاني)، لدوره المباشر في جريمة قتل خاشقجي، وبعدها الإطاحة بوزير الخارجية عادل الجبير وتعيينه بمنصب وزير دولة للشؤون الخارجية وتعيين وزير خارجية بديلاً عنه.

وبعد شهر من إقالة الجبير صدر الأمر الملكي الأخير هذه المرة عن ولي العهد محمد بن سلمان وبغياب والده الملك سلمان، بإقالة شقيقه من منصب سفير الرياض لدى واشنطن وتعيينه نائباً له في وزارة الدفاع، استجابة كما يبدو للضغوط الأمريكية التي دعت إلى طرده لضلوعه في جريمة اغتيال خاشقجي.

خالد بن سلمان وخاشقجي
خالد بن سلمان السفير السعودي السابق في واشنطن، والذي يعتبر في العرف الدبلوماسي السفير الأهم في أهم دولة في العالم، كان أول من صرح بشأن قضية اغتيال جمال خاشقجي، ونفى وقوع الجريمة بشكل مطلق، بل أكد أن خاشقجي دخل القنصلية السعودية في إسطنبول وخرج منها، وهو ما تبين لاحقاً أنه غير صحيح وأن جثة خاشقجي قطعت وتم إخفاؤها حتى اليوم.

وكان لافتاً للانتباه مغادرة خالد بن سلمان العاصمة الأمريكية واشنطن منذ تفجر أزمة خاشقجي، وغيابه نحو شهرين عن منصبه الحساس.

إلا أن عودته الأخيرة كانت كما يبدو تمهيداً لعودته النهائية إلى الرياض بمنصب عسكري جديد قد يمهد له الطريق لولاية العهد لشقيقه محمد.
من استدرج خاشقجي إلى القنصلية؟
بعد شهرين من وقوع الجريمة، حصل “الخليج أونلاين” على معلومات خاصة ومبكرة من مصدر دبلوماسي غربي ومصادر داخل المعارَضة السعودية، طلبت عدم الكشف عن هويتها، تفيد بأن هناك شكوكاً غربية كبيرة تحوم حول دور السفير السعودي في واشنطن في عملية اغتيال خاشقجي.

وأوضحت أن خالد كان على علم مسبق بنيّة شقيقه الإيقاع بخاشقجي، لذلك تعمد تعطيل إصدار الأوراق التي طلبها الأخير من سفارة بلاده لدى الولايات المتحدة، ليطلب منه موظّفو السفارة الحصول على هذه الوثيقة، التي لا تتطلّب عادة وقتاً طويلاً، من قنصلية المملكة في إسطنبول.

وفور علمه بما حصل لخاشقجي، وتأكُّده من اغتياله، غادر خالد واشنطن إلى الرياض؛ خوفاً من المساءلة المباشرة من الإدارة الأمريكية والمسؤولين داخل الكونغرس الأمريكي، ومِن كشف بعض التفاصيل المهمة التي بحوزته بخصوص الحادثة.

بعدها بدأ يبرز اسم خالد بن سلمان، نجل العاهل السعودي، في صحف عالمية بأنه حاول استدراج جمال إلى القنصلية التي قُتل فيها في إسطنبول، وقدَّم له تطمينات وتأكيدات بأن الأمر سيكون آمناً.

دعوات أمريكية لطرده
فور عودة خالد بن سلمان إلى واشنطن تصاعدت الدعوات الأمريكية لطرده؛ كان أبرزها دعوة السيناتور الأمريكي، ديك ديربن، إلى طرد السفير السعودي في واشنطن بشكل رسمي من الولايات المتحدة الأمريكية؛ بسبب التورط المباشر لشقيقه ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في قتل خاشقجي.

بدورها وصفت صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية، واسعة الانتشار، السفيرَ السعودي خالد بن سلمان بأنه “كاذب”، و”شن حملة أكاذيب من أجل إخفاء ملامح جريمة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، في مبنى قنصلية بلاده بإسطنبول”.

ووصفت الصحيفة الأمريكية عودة السفير إلى واشنطن بأنها “كانت عملاً متغطرساً، وتؤكد أن النظام السعودي لا يريد التوبة عن جريمة القتل”.

جرائم دبلوماسية أخرى
ويبدو أن جريمة خاشقجي لم تكن هي السبب الوحيد لجعل خالد بن سلمان غير مرغوب فيه بالولايات المتحدة.

فقبل نحو أسبوعين من الآن بدأ مكتب التحقيقات الاتحادي الأمريكي (FBI) بالتحقيق في دور السفارة السعودية بواشنطن بتهريب مبتعثين سعوديين يواجهون اتهامات جنائية خطيرة إلى بلدهم قبل انتهاء الإجراءات القضائية.

وذكرت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية، في تقرير لها ترجم موقع “الخليج أونلاين” جزءاً منه، أن الحكومة الاتحادية حققت في تهريب ما لا يقل عن 17 طالباً سعودياً يواجهون اتهامات بارتكاب جرائم داخل الولايات المتحدة، حيث يعتقد السياسيون أن حكومة بلادهم هرّبتهم.

وأضافت الصحيفة أن الجرائم من بينها القتل الخطأ، والاغتصاب، وحيازة صور إباحية مع الأطفال، مشيرة إلى أن القنصلية السعودية سددت كفالات تصل إلى 500 ألف دولار عن الشباب السعوديين الملاحقين.

ما يلفت النظر في الأوامر الملكية الأخيرة أنها كانت مرتبطة بقضية خاشقجي، التي تعتبر من القضايا التي هزت سمعة المملكة العربية السعودية، وضربت مستقبل ولي العهد، ولطخت سمعته لسنوات طويلة قادمة حتى لو تولى منصبه كملك للسعودية.

إلا أن التساؤل يبقى: من التالي الذي ستطاله تداعيات القضية؟