بعد أن كانت الاتصالات واللقاءات بين الدول العربية و”إسرائيل” تجري داخل الغرف المغلقة، ويُنفى عبر وسائل الإعلام ومنصات المؤتمرات السياسية أي تقارب هام أو جدي مع دولة الاحتلال، زال هذا القناع وظهر “الوجه الجديد” لبعض الحكومات العربية.

هذا الوجه الذي طالما اجتهدت وسائل الإعلام في كشف تفاصيله، ودائماً ما كان يواجَه بنفي قاطع من المستوى السياسي الرسمي العربي، بدأت ملامحه الغامضة والمختبئة تتكشف تدريجياً داخل أروقة مؤتمر البرلمانيين العرب المنعقد في العاصمة الأردنية عمّان، بعد موقف السعودية ومصر والإمارات المفاجئ الذي أثار موجة غضب فلسطينية عالية.

وبشكل صريح اعترضت كل من السعودية والإمارات ومصر، الاثنين (4 مارس)، على بيان مؤتمر البرلمانيين العرب المنعقد في عمّان؛ لمطالبته بوقف التطبيع مع “إسرائيل”.

وجاء الاعتراض خلال أعمال المؤتمر الـ19 للاتحاد البرلماني العربي، الذي انطلقت أعماله في الأردن، الأحد (3 مارس)، بعد أن طالب رئيس مجلس الأمة الكويتي، مرزوق الغانم، بإدراج رفض التطبيع و”تحريمه سياسياً” ضمن البيان الختامي للمؤتمر.

واعتبر رئيس مجلس الشورى السعودي، عبد الله آل الشيخ، أن “الدعوة لوقف التطبيع مع إسرائيل من اختصاص السياسيين وليس البرلمانيين” (في إشارة إلى الغانم)، مطالباً بـ”حذف هذا البند من بيان مؤتمر البرلمانيين العرب”.

وفي الإطار ذاته طالب وفدا مصر والإمارات أيضاً رئيس مجلس النواب الأردني، عاطف الطراونة، بمراجعة بحث بند وقف التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، لكن الطراونة تمسّك بالبند، وأكد أن الشعوب ترفض التطبيع.

الوجه الرسمي الحقيقي
سياسيون ومحللون أغضبهم الموقف الرسمي لبعض الدول العربية من التمسك بالتطبيع، ووصفوا في تصريحات خاصة لـ”الخليج أونلاين” موقف السعودية ومصر والإمارات بأنه “مخزٍ وكارثة سياسية خطيرة”، مؤكدين أن دفاع تلك الدول عن التطبيع بهذا الشكل يكشف وجهها الحقيقي، وأن التطبيع بالنسبة لها بات سلاحها الوحيد للتقرب من”إسرائيل”.

واعتبر القيادي في حركة “حماس”، حسن يوسف، أن أي دعوة عربية لتطبيع علني أو سري مع “إسرائيل” تعد “خيانة وطنية” لها نتائج سياسية كارثية على القضية والمشروع الوطني الفلسطيني.

ويوضح يوسف أن أي علاقات عربية أو إسلامية مع دولة الاحتلال، في ظل جرائمه التي يرتكبها بشكل يومي بحق الفلسطينيين ومقدساتهم، يعد بمنزلة “الطعنة في ظهور الفلسطينيين الذين يقدمون الشهداء والتضحيات لإنهاء هذا الاحتلال، والدفاع عن شرف الأمتين العربية والإسلامية”.

ويلفت القيادي في حركة “حماس” إلى أن حرص بعض الدول العربية على أن يبقى التطبيع مع دولة الاحتلال قائماً دون مساس أو تحريم، يعد ضوءاً أخضر للتقرب من دولة الاحتلال وإقامة العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية معها بصورة علنية بعد مغادرة المرحلة السرية.

وذكر أن “تبني تلك الدول لمبدأ التطبيع رغم كل مخاطره على الفلسطينيين وحتى الشعوب العربية والإسلامية، يعطي كذلك ضوءاً أخضر للاحتلال الإسرائيلي للاستمرار في جرائمه واعتداءاته، ويساعد في أن تتوغل دولة الاحتلال في المنطقة العربية بمخططاتها الخبيثة التي تستهدف الجميع”.

“موقف السعودية والإمارات ومصر الجديد من التطبيع مع “إسرائيل” يتماشى تماماً مع الطموحات الإسرائيلية التي تتمنى أن تكون تلك الدول صديقة، وتفتح أذرعها لها، حتى لو كان ذلك على حساب الحقوق والقضية الفلسطينية”، يقول حسن خريشة النائب في المجلس التشريعي الذي تم حله بقرار من الرئيس محمود عباس.

طريق التطبيع لن يتوقف
ويضيف: “هذا الموقف عكس فعلياً التوجه العربي الجديد والحقيقي تجاه دولة الاحتلال، وقد فضح مدى لهاث تلك الدول خلف إرضاء “إسرائيل” والارتماء في حضنها الدافئ، وذلك حفاظاً على كراسيهم ومناصبهم السياسية، التي يبيعون كل شيء من أجلها حتى إن كانت القضية الفلسطينية”.

خريشة حذر كذلك من تماشي باقي الدول العربية والإسلامية مع مواقف الدول المطبعة وعلى رأسها الإمارات والسعودية ومصر والبحرين، مؤكداً أن ما يجري في الساحة العربية مخالف تماماً لما تم الاتفاق عليه في القمم التي دعت لاعتبار “إسرائيل” عدواً واليوم أصبحت حليفاً وصديقاً.

ويشير إلى أن القضية الفلسطينية تمر بأخطر مراحلها بفعل “الموقف العربي المتواطئ” ضدها، لافتاً إلى أن الدول العربية تعتبر قضية فلسطين “عقبة أمام التطبيع العلني، لذلك هي تسعى تدريجياً لتهميش تلك القضية وتجاوزها للوصول إلى تل أبيب وإقامة التحالفات معها”.

السعودية حسمت أمرها
بدوره رأى المحلل السياسي حسن عبده أن السعودية قد حسمت أمرها تجاه تحالفها مع “إسرائيل” والولايات المتحدة الأمريكية، وهذا التوجه لن تعود عنه.

واعتبر أن معارضة السعودية ومصر والإمارات لرفض التطبيع مع “إسرائيل”، في الاجتماع العربي الذي عقد في العاصمة الأردنية، ليس مفاجئاً، وقد سبقه الكثير من الخطوات من طرف السعودية على وجه الخصوص في تقربها من “إسرائيل”، وهو رسالة للجميع بالنهج الجديد الذي سيُتبع خلال الفترة المقبلة.

وأضاف المحلل السياسي: “الدول العربية قطعت على نفسها عهداً بالتقرب من دولة الاحتلال عبر طرق التطبيع الذي تسلكه منذ سنوات، وهذا الطريق لن يتوقف مهما كانت الظروف التي تعترضه، وهذا الموقف الذي ظهر في قمة عمان قد نقل تلك اللقاءات والعلاقات التي كانت تجري بسرية للعلن، وكشف عن التوجه الجديد والحقيقي لتلك الدولة في علاقاتها مع إسرائيل”.

الجدير ذكره أن العلاقات العربية مع دولة الاحتلال قد تطورت في الشهور الأخيرة، وعلى وجه الخصوص مع السعودية، التي تُوّجت بزيارات متبادلة واتفاقيات وصفقات عسكرية، كان أبرزها شراء الرياض منظومة “القبة الحديدية” الدفاعية العسكرية من “تل أبيب”، وفق ما كشفه “الخليج أونلاين” مؤخراً.

وتشهد العلاقات السعودية-الإسرائيلية أفضل أيامها في التاريخ؛ إذ أعرب رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي، الجنرال غادي إيزنكوت، في مقابلة مع صحيفة “إيلاف” السعودية، ومقرّها بريطانيا، عن استعداد “إسرائيل” لتبادل المعلومات الاستخبارية مع الجانب السعودي بهدف التصدّي لنفوذ إيران.

وشهد عام 2018 سلسلة زيارات ولقاءات تطبيعية بين “إسرائيل” والسعودية في مجالات عدة، إذ كشفت وسائل إعلام عبرية عن زيارة اللواء أحمد عسيري، نائب رئيس المخابرات السعودية المقال، دولة الاحتلال عدة مرات في مناسبات مختلفة، وفق ما ذكرته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية.