كشفت مصادر دبلوماسية مصرية رفيعة المستوى عن تفاصيل جديدة تُنشر لأول مرة؛ متعلّقة بالتجهيزات والتحركات السرية التي تُجريها الإدارة الأمريكية مع الدول العربية لإعلان “صفقة القرن” لحل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي في المنطقة.

وأكدت المصادر أن السبب الرئيسي الذي عطّل طرح الصفقة في الموعد الذي حُدّد سابقاً، في شهر ديسمبر من العام الماضي 2018، يعود لعدم توصل الجانب الأمريكي مع الدول العربية لاتفاق رسمي حول تمويل الصفقة.

وأوضحت أن المبلغ الذي وضعته الإدارة الأمريكية لتغطية كافة نفقات الصفقة يتجاوز الـ10 مليارات دولار، وكانت العقبة الأبرز والرئيسية التي عطلت الإعلان في الموعد المحدد، لتؤجَّل إلى موعد لاحق خلال النصف الأول من العام 2019.

“زيارة جاريد كوشنر، مستشار وصهر الرئيس الأمريكي، إلى المنطقة، ولقاؤه بزعماء الدول العربية، جاءت لبحث العديد من الملفات السياسية الهامة في المنطقة، وعلى رأسها صفقة القرن، التي واجهت عجزاً كبيراً في التمويل، وحاول كوشنر أن يتجاوز هذه العقبة، لكنه لم ينجح بعد”، تضيف المصادر المصرية.

خلاف سعودي وإماراتي

وتتابع حديثها: “المبلغ الذي رصدته الإدارة الأمريكية لتمويل الصفقة قد يتجاوز الـ10 مليارات دولار، وكان في نظر زعماء الدول العربية، ومن بينهم مصر والإمارات والبحرين والسعودية على وجه الخصوص، كبيراً للغاية ويصعب توفيره، وأوضحت بعض الدول العربية أنها لن تكون قادرة على الالتزام بتلك التكاليف؛ بحجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها، من بينهم مصر والبحرين وسلطنة عُمان”.

وكشفت المصادر أنه بعد جولة كوشنر الأخيرة في المنطقة استضافت القاهرة لقاء سرياً على مستوى المسؤولين العرب، وبحثوا في إمكانية توفير كافة المبالغ، والظروف اللازمة لإنجاح طرح صفقة القرن، والتي من المتوقع أن ترى النور بعد انتهاء الانتخابات الإسرائيلية، المقررة شهر أبريل المقبل.

وفي 28 فبراير الماضي، أعلن البيت الأبيض أن كوشنر بحث عملية السلام بالشرق الأوسط، التي باتت تُعرف بـ”صفقة القرن”، في الرياض مع العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده محمد بن سلمان، بعد مباحثات أجراها مع السلطان قابوس بن سعيد في عُمان، ومع ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، وملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة.

الجلسة العربية شهدت، بحسب المصادر ذاتها، توافقاً كاملاً على ضرورة طرح الصفقة الأمريكية ودعمها؛ لكونها تفتح باب التطبيع على مصراعيه مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن قضية التمويل المالي فجّرت خلافاً كبيراً، وعلى وجه الخصوص بين السعودية والإمارات.

ولفتت إلى أن أبوظبي رفضت دفع مبالغ كبيرة لتمويل الصفقة، وتعهدت بتوفير ما بين 150-200 مليون دولار من أجل دعمها كحدٍّ أقصى، في حين تنقَل باقي التكاليف للرياض، وقد تتجاوز الملياري دولار أمريكي، على مراحل، على أن يستكمل المبلغ من دول مانحة أجنبية أخرى؛ كفرنسا وإسبانيا والاتحاد الأوروبي، وغيرها من المؤسسات الدولية الكبرى التي تعنى بحل الصراع في المنطقة.

وزادت: “هذا الخلاف من شأنه أن يتسبب في تأجيل جديد لطرح الصفقة الأمريكية، وهناك معلومات قوية تؤكد أن كوشنر، وهو عراب الصفقة الأمريكية، سيتوجه إلى الرياض في زيارة طارئة، نهاية شهر مارس الجاري، للضغط على الملك سلمان لتوفير المبلغ المالي المحدد لتمويل الصفقة قبل طرحها رسمياً”.

الجدير ذكره أن أمين سر اللجنة التنفيذيّة لمنظمة التحرير، صائب عريقات، زار قطر في 2 مارس، واطّلع على نتائج جولة كوشنر، وأكد أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ووزير خارجيته الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، خلال لقائهما مع عريقات، أنهما أكدا لكوشنر أن الحل السلمي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي يتطلب إنهاء الاحتلال، وإقامة دولة فلسطين المستقلة بعاصمتها “القدس الشرقية”، على حدود حزيران 1967.

ضياع القضية الفلسطينية

وحول وجود أي طرف فلسطيني، سواء من السلطة في رام الله أو شخصيات معارضة تمثل الفلسطينيين، في المباحثات التي تجري حول “صفقة القرن”، أجابت المصادر: “هناك حملة عربية غير مسبوقة تقودها الرياض من أجل تجاهل دور الرئيس محمود عباس، أو أي موقف فلسطيني يعارض الصفقة، وكل ما يجري من خلف ظهور الفلسطينيين”.

وتابعت: “كل الفلسطينيين معارضون للصفقة الأمريكية؛ نظراً للخطورة الكبيرة التي تحتويها وتهدف لتصفية القضية الفلسطينية، لكن يبدو أن قرار التطبيع مع دولة الاحتلال قد صدر، وبالنسبة إلى المسؤولين العرب فإن قضية فلسطين لن تكون حاجزاً أمام ذلك”.

وذكرت في ختام حديثها أن السعودية والإمارات ومصر وباقي “الدول المطبّعة”، تسعى لأن تكون “صفقة القرن” مفتاح باب التقارب وإقامة العلاقات مع “إسرائيل”، وأن المرحلة المقبلة ستكون الأكثر خطورة، خاصة في ظل حديث رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، المتكرر عن علاقات جديدة متطورة مع دول عربية وإسلامية.

و12 مارس الجاري، قال نتنياهو إن حكومته على اتصال مع 6 دول عربية وإسلامية كانت تُعتبر من البلدان “المعادية لإسرائيل”.

وباستثناء مصر والأردن، لا تقيم الدول العربية علاقات دبلوماسية علنية مع “إسرائيل”، ورغم ذلك فقد زادت وتيرة التطبيع خلال الفترة الأخيرة بأشكال متعددة بين الإسرائيليين والعرب؛ عبر مشاركات إسرائيلية في نشاطات رياضية وثقافية تقيمها دول عربية، مثل الإمارات، في حين تتحدث تقارير عن علاقات سرية وطيدة مع السعودية.

يُذكر أن “صفقة القرن” هي خطة أعدتها إدارة ترامب؛ بهدف تسوية الصراع في الأراضي الفلسطينية مع الاحتلال الإسرائيلي، ويتردد أنها تتضمن إجبار الفلسطينيين على تقديم تنازلات مجحفة لمصلحة “إسرائيل”، كما أنها تلقى دعماً من السعودية والإمارات ومصر دول عربية أخرى.