كتب أستاذ العلوم السياسية الباحث في معهد بروكينجز، شبلي تلحمي، مقالا نشره موقع معهد الدراسات والأبحاث الأمريكي يشير إلى العلاقة بين السياسات الخارجية للمملكة العربية السعودية وحرب العراق عام 2003، بمناسبة زيارة ولي العهد السعودي للولايات المتحدة الأمريكية في الذكرى الخامسة عشر من الحرب التي وصفها بـ”الكارثية”.

وأشار الباحث إلى أن “الخطاب السائد كثيرا ما ركّز على شخصية ولي العهد وعلاقتها بالقرارات السياسية التي اتخذها على المستويين الداخلي والخارجي. لكنه صرف النظر عن علاقة هذه التحولات السياسية لدى السعودية بحرب جورج بوش الابن على العراق”.

 

فقدت الثقة في حماية أمريكا

وقال المقال إن “السياسة الخارجية السعودية اعتمدت، لعقود من الزمان، على أساسين رئيسيين وهما: الاعتماد على الولايات المتحدة الأمريكية والمحافظة على التوازن بين قوتي إيران والعراق، بحيث لا تشكل إحداهما خطرا على السعودية ومصالحها في المنطقة”.

وتابع تلحمي موضحا، “لقد سمحت تلك البيئة بابتعاد المملكة عن الدخول في صراع مباشر، والاكتفاء بالاعتماد على قدراتها المادية والسياسية لتسيير الأحداث. فقبل الثورة الإسلامية كانت السعودية تتمتع بعلاقات طيبة مع شاه إيران لمواجهة ثوريّة العراق، ولكن بعد نجاح الخميني في ثورته دعمت السعودية صدام حسين ليواجه خطر تصدير الثورة الإيرانية إلى محيطها. وحين غزا صدام العراق اعتمدت السعودية على الولايات المتحدة لمواجهة الغزو الصدّامي”.

ورأى أستاذ العلوم السياسية، أن الحرب العراقية عام 2003 قد أسفرت عن ثلاث نتائج:

أولها: عدم الاستقرار وظهور جماعات مسلحة، مثل تنظيم القاعدة وبعدها تنظيم الدولة، التي أخذت بالانتشار في الدول الحدودية، أولاً في العراق ثم في سوريا واليمن، مما يشكل تهديدا كبيرًا على الأمن السعودي.

ثانيها: لقد أنهت الحرب أي احتمال بأن يكون العراق بمثابة موازن لإيران، كما أخذت القوة الإيرانية في صعود مستمر.

ثالثها: أدت التكاليف الهائلة لحرب العراق الفاشلة، سواء بالأرواح أو المال، إلى تبني مواقف معادية للحرب في الولايات المتحدة قوضت ثقة السعوديين في استعداد الولايات المتحدة وقدرتها على التدخل بفعالية إذا ما شعر السعوديون باقتراب الخطر منهم.

لقد تسببت هذه الأحداث، بحسب مقال الباحث، في “انعدام الشعور بالأمن داخل وخارج الحدود السعودية، ثم جاءت الانتفاضات العربية لتكمل حالة الشعور بالخوف بإطاحتها للأنظمة الموالية للحكومة السعودية”.

 

الثورات دفعتها إلى سياسات مباشرة

وأشار الكاتب إلى أن “حرب العراق وانتفاضات الربيع العربي قد دفعت السعودية لتأخذ سياسات مباشرة أكثر في مواجهة الأخطار التي تحيط بها من دون الاعتماد على غيرها، فأخذت الرياض تتردد بين محاولات التأثير على السياسة في العراق للحد من النفوذ المتزايد لإيران، والاستثمار بكثافة في لبنان لمواجهة نفوذ حزب الله، وصولًا إلى العمل سراً لتنظيم ودعم معارضة نظام بشار الأسد في سوريا”.

اعتبر تلحمي أنه “ليس من الجديد أن تستخدم السعودية نفوذها الاقتصادي والسياسي للتأثير في السياسة الإقليمية فقد كانت تفعل ذلك لعقود؛ وإنما الجديد هو مستوى الظهور المباشر، وما يقتضيه من أخذ المبادرة واستخدام موارد هائلة، تعكس شعورا بالمأزق الاستراتيجي”.

 

“أكثر تكلفة من كارثة 2003”

ورأى أستاذ العلوم السياسية، أن “حرب اليمن تمثل تتويجًا لنهج السياسة الخارجية الجديدة بالنسبة للسعودية، من حيث التورط المباشر بجيشها، والانفاق العسكري العالي، ومواجهة عواقب إنسانية مأساوية، واحتمال مزيد من عدم الاستقرار الذي يمكن أن يعود بالوبال على الرياض في وقت لاحق”.

لم يستبعد الكاتب أن يكون “قرار شن هذه الحرب عائد لولي العهد بشكل مباشر، لكن الرغبة في تأكيد قواعد جديدة للسياسة الإقليمية كانت هاجسا على نطاق واسع في السعودية منذ أعقاب حرب 2003 المشؤومة”.

وخلص تلحمي إلى أن “السعوديين حريصون على توطيد العلاقات مع إدارة ترامب ويأملون أن تكون واشنطن على استعداد للعودة إلى سياستها في التدخل مرة أخرى، هذه المرة ضد إيران”.

واعتبر الباحث أن “الرياض، بطريقة ما، تسعى إلى إلغاء نتائج حرب العراق الكارثية وإغراء ترامب بمواجهة إيران في سبيل تقويض بعض المكاسب الإيرانية التي ما برحت تحققها منذ عام 2003”.

وختم تلحمي قائلا، “هذا المسار الذي بدأ بانسحاب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني، يمكن أن يضع الولايات المتحدة وحلفائها على منحدر زلق وخطير نحو حرب أخرى، حرب قد تكون عواقبها أكثر تكلفة من كارثة 2003”.