أكد تقرير أمريكي حديث أن العقد الاجتماعي بين الحكام السعوديين والمواطنين بات أكثر تفككاً، مع تنامي خيبة أمل الشعب تجاه خطط التحول الاقتصادي الذي يقوده ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ضمن ما يعرف بخطة “رؤية 2030″، التي لم ير المواطن منها سوى الوعود والأحلام.

وبحسب تقرير نشره موقع “ستراتفور” الأمريكي، اليوم السبت، فإن تزايد السخط الشعبي أدى إلى دفع صناع السياسة السعوديين إلى البحث عن إستراتيجيات جديدة تُمكنهم من توفير المزيد من الفرص لشعبهم.

لكن القيام بذلك، بحسب التقرير، من المحتمل أن يتسبب في تسييس استراتيجيات التنمية التي تضعها الرياض، فضلاً عن تغيير الطريقة التي تُنفذ بها المملكة مشاريعها.

ووفق التقرير، قدم التحول الاقتصادي الذي تعيش على وقعه السعودية أحلاماً كبيرة للمواطن، لكن بالنسبة للعديد من السعوديين أضحى حلم العيش وفقاً لأسلوب حياة الطبقة الوسطى صعب المنال بشكل متزايد، وفق ما يذكر التقرير.

وفي الوقت الذي حادت فيه المملكة عن نموذجها الاقتصادي الذي يعتمد إلى حد كبير على إنتاج الهيدروكربون، وجد السعوديون المتعطشون للحصول على فرص عمل بالمجال الاقتصادي أو الاجتماعي أنفسهم منجذبين إلى المدن التي تتمركز وسط المملكة.

لكن حتى أولئك الذين تلقوا التعليم الذي يُخولهم التنافس على وظائف أفضل ويسعون إلى بلوغ نمط حياة أحسن من خلال الانتقال للمدن الكبرى، لا يحظون بفرص النجاح دائماً، كما يقول التقرير.

تعميق الهوة

ويضيف ستراتفور: “أنه في الواقع لم يؤد ذلك سوى لتعميق الهوّة بين الطبقة الغنية التي تتمركز بالمحافظات الرئيسية والطبقة الفقيرة التي تقطن المحافظات البعيدة، لكن حتى داخل المدن الكبيرة التي تتمتع بحيوية اقتصادية أكبر، يجد السعوديون أنفسهم في معترك حياة مُحبطة خاصة من الناحية المالية”.

ويتابع الموقع الأمريكي: “سيُعيق الضغط المُسلط على النسيج الاجتماعي السعودي، الناتج عن الفجوات في الفرص الممنوحة لكامل فئات شعب المملكة، عن تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية”.

وحول المدن المركزية، يقول التقرير: إن “أبرز المدن (الرياض ومكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة والدمام) أدت دوراً كبيراً في الإنتاج الاقتصادي والحياة الاجتماعية والسياسية بالمملكة منذ تأسيسها عام 1932”.

وبين التقرير أن هذه الظاهرة نتاج النظام السياسي والاقتصادي الذي تتبعه المملكة، فقد اعتمد نمو العاصمة الرياض على ارتباطها الوثيق بالعائلة المالكة والوزارات والمكاتب المختلفة التي نفذت التوجيهات الملكيّة، كما يؤكد التقرير.

انقسام اجتماعي

وقد أحدثت الديموغرافية الحضرية السعودية انقساماً في فرص الإسكان والعمل بين سكان المدن وأولئك الذين يعيشون بالمناطق الأقل نمواً، كما يقول ستراتفور، ومع نزوح الأشخاص من المناطق البعيدة إلى المدن للعثور على فرص عمل، بدأت تلك المناطق تشهد حالة فراغ بسبب الهجرة الداخلية عام 2017.

ولفت الموقع الأمريكي إلى أن حركات الهجرة المستمرة داخل السعودية ستتسبب في تفاقم مشكلة انعدام المساواة، ويبدو أن المحاولات التي بذلتها الحكومة حتى الآن للتخفيف من التوترات الاجتماعية الناشئة عن هذه الفرص غير المتكافئة لن تقدر على حل المشاكل الأساسية.

واعتبر التقرير أن برنامج “حساب المواطن”، الذي يقدم دعماً مادياً مباشراً للمواطنين، لا يُعالج القضايا الرئيسية المتمثلة في ارتفاع الإيجارات ونقص المساكن، كما أنه لا يضمن توفير أسواق العمل لجميع أنواع الوظائف لحاملي الشهادات العليا.

أما بالنسبة للمقاطعات النائية فلا يوفر هذا البرنامج، كما يقول التقرير، ما يكفي من الدعم للاستثمار المجدي في تنمية المجتمع.

وأضاف الموقع أن برنامج “سكني” يهدف لتمكين 70% من السعوديين من امتلاك منازل بحلول 2030، إلا أن البنية التحتية تزيد من مخاطر عدم توافق المشروع مع الاحتياجات والمتطلبات المحلية.

ويرى القائمون على التقرير أن هذا البرنامج لا يوفر أي ضمانات حول المسكن الذي سيتم توفيره أو إن كان موجوداً بمناطق قريبة من مكان عمل المواطن. بالإضافة إلى ذلك، لا توجد آلية تضمن أن المشتري سيتمكن من تسديد الدفوعات على المدى الطويل، وهو الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى تباطؤ القطاع العقاري بالمستقبل.

وتوقع تقرير “ستراتفور” أن تُجبر الخلافات المستمرة في المجتمع النظام الملكي على إيلاء اهتمام أكبر لردود أفعال رعاياه تجاه المشاريع التنموية.

يشار إلى أن بن سلمان حارب علماء وخبراء واقتصاديين ورجال أعمال وصحفيين، وزج بهم في السجون من دون محاكمات وتهم واضحة، عرف عنهم جميعاً انتقادهم لرؤية 2030 لإصلاح الاقتصاد، والتي تصفها العديد من التقارير الاقتصادية الغربية بـ”غير الواقعية”.