لم تعد الأجواء في السعودية والإمارات كما كانت عليه من قبل، فقد تطور الحال إلى “قراصنة” يطبقون حكمهم على البلاد، فتجسسٌ يترقب كل بنت شفة، ويتعقب الجميع، وقبضة أمنية تطول النشطاء والحقوقيين والجيران، وأخيراً وليس آخراً تطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي تحول إلى سياسة معتمدة، وقرصنة آراء الشعوب الرافضة لذلك.

فمنذ صعود ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى ولاية العهد بدعم من حليفه الإماراتي ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، سارت الإمارات والسعودية في منحىً لا يمكن تصوره في أساليب الحكم والتدخل في الشؤون الداخلية للجيران وتخريب البيت الخليجي.

قرصنة الوكالة

ولا شك أنّ القصة قديمة؛ ولكن بدت للعيان منذ سنتين بالضبط، حيث إنّ أمراً حيك حينها بليل، وتمكن قراصنة من اختراق موقع وكالة الأنباء القطرية “قنا” وحساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي، ونشروا بها تصريحات مكذوبة عن أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.

ولإثبات ضلوع الإمارات والسعودية في الحادث لم تلبث قناتا “العربية” و”سكاي نيوز عربية” أن بثتا تلك التصريحات المفبركة، وعشرات العواجل على لسان الشيخ تميم، ولم تكتفيا بذلك بل كانت اللقاءات والحورات قد أُعدت واستُقبل المحللون في ساعة متأخرة من الليل.

وبعد وقت قصير من اختراق “قنا” سارعت الدوحة إلى الإعلان عن قرصنة الوكالة ونفي التصريحات المنسوبة لأميرها، وطالبت وسائل الإعلام بتجاهل تلك التصريحات الملفقة، ولكن ما دُبر بليل لم يكن لينتهي حتى اليوم.

وأشارت كبريات الوكالات في العالم، مثل “رويترز” و”فرانس برس”، إلى عمليات اختراق إلكتروني تعرضت لها وكالة الأنباء القطرية، وهو ما أسفر عن بث تصريحات مفبركة.

ولفتت “رويترز” و”فرانس برس” الانتباه إلى أن بعض وسائل الإعلام تناولت الأخبار المفبركة بشكل لافت، ولم تتطرق إلى وجود اختراق أو نفي للتصريحات، وهو أمر غير متبع مهنياً في عالم الإعلام.

وفي 20 يوليو 2017، أعلنت وزارة الداخلية القطرية التعرف على عنوانين للإنترنت في دولة الإمارات استُخدما لتنفيذ عملية الاختراق.

وأكدت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، يوم 24 يناير 2018، وقوف الإمارات وراء عملية اختراق الوكالة القطرية، وقالت إن الأمر تم بعلم ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان.

ولم يكتفِ “القراصنة بن سلمان وبن زايد” باختراق الوكالة؛ إذ أعلنوا حصار قطر في 5 يونيو 2017 (بمشاركة البحرين ومصر)، وإغلاق كل المجالات والمنافذ الجوية والبرية والبحرية مع الدوحة.

إحصاء الأنفاس

لم تكتفِ القرصنة بتخريب أمن الخليج بتآمر خلية “الرياض – أبوظبي”، بل كانت تلاحق النشطاء والحقوقيين وتتجسس عليهم، وتحصي أنفاسهم، فقد أفادت مؤسسة “كيتزن لاب”، التابعة لجامعة تورونتو الكندية، بوجود عملاء زعمت أنهم ينتمون لحكومة السعودية، مهمتهم التجسس على الهواتف الخلوية للناشط السعودي المعارض عمر عبد العزيز.

وأصدرت الخارجية الكندية (2 أكتوبر 2018) بياناً قالت فيه إنها تأخذ “بجدية” ادعاءات قيام السعودية بالتجسس على معارض، وقال آدم أوستن، المتحدث باسم وزيرة الخارجية الكندية، إنهم “على علم بوجود هذه التقارير”، وإنهم “ينظرون فيها”، مضيفاً أن بلاده تلتزم بقوة بحرية التعبير حتى على الإنترنت.

وفي أكتوبر الماضي أيضاً، كشف موقع “الخليج أونلاين” عن مصادر دبلوماسية رفيعة أنّ “السعودية كانت تسعى للحصول على آخر تقنيات أجهزة التجسس من إسرائيل، وبعد مفاوضات شاقة، تم التوصل إلى اتفاق رسمي على تزويد الرياض بأحدث وأدق أجهزة التجسس العالمية”.

وأضافت المصادر لـ”الخليج أونلاين” أن “الصفقة السعودية – الإسرائيلية قدرت بأكثر من 250 مليون دولار أمريكي”، مشيرة إلى أن بعض برامج وأجهزة التجسس نقلت فعلياً إلى الرياض، وبدأ العمل بها بشكل رسمي بعد تدريب الطاقم الفني المسؤول عن إدارتها وتشغيلها.

ولفتت إلى أن “دولة الإمارات قد حصلت قبل عام تقريباً على أجهزة تجسس متطورة من نوع “بيغاسوس”، وطائرات استطلاع حديثة من “إسرائيل”، لكن ما نُقل إلى الرياض يعد الأكثر تقدماً ودقة من أي أجهزة عسكرية بيعت لأي دولة عربية أخرى”.

وقال موقع “بي بي إس نيوز هور” الأمريكي (20 مارس 2019) إن السعودية تتجسس على طلابها الدراسين في الخارج، وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يراقَبون وتُعرف كل تحركاتهم، بحسب مقابلات أجراها الموقع مع ثمانية طلاب سعوديين حاليين وسابقين، تحدثوا فيها عن تجربتهم مع مراقبة الحكومة السعودية لهم.

الغراب الأسود

من جانب آخر، كشف تحقيق موسّع لوكالة “رويترز” (30 يناير 2019) عن تورّط الإمارات بتجنيد عملاء سابقين في وكالة الأمن القومي الأمريكي والمخابرات الأمريكية؛ لأغراض التجسّس على “أعدائها”، وقرصنة هواتفهم وحواسيبهم.

وبحسب الوكالة فإن المشروع الإماراتي السري أُطلق عليه اسم “رافين”، أو “الغراب الأسود”، وهو فريق سري يضم أكثر من 12 عميلاً من المخابرات الأمريكية من أجل العمل على مراقبة الحكومات الأخرى، والمسلّحين، ونشطاء حقوق الإنسان الذين ينتقدون النظام.

وشملت قائمة أهداف مشروع الغراب الإماراتي، النشطاء، ثم تطوّرت لتشمل الجماعات المسلّحة في اليمن، وأعداء أجانب مثل إيران وقطر وتركيا، وأفراداً ينتقدون أبوظبي، وخاصة أولئك الذين وجّهوا إهانات للحكومة.

وكانت هناك محاولة لاستهداف جهاز “آي فون” الخاص بأمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وأيضاً هواتف أشخاص مقرّبين منه، وشقيقه.

ولم تكتفِ الإمارات بذلك، بل تورطت في عملية تجسس على سلطنة عُمان، ففي نوفمبر من العام الماضي تناقل ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي أنباء عن كشف خلية إماراتية جديدة غير تلك التي قُبض عليها في يناير 2011.

وفي ذلك التاريخ قالت وكالة الأنباء العمانية إنه كُشف عن “شبكة تجسس تابعة لجهاز أمن الدولة بدولة الإمارات العربية المتحدة”، موضحة أنها “تستهدف نظام الحكم في سلطنة عُمان، وآلية العمل الحكومي والعسكري”.

ليس تطبيعاً فقط

وبذلك لم يكن تطبيع الإمارات والسعودية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي سياسياً فقط، بل تعاونتا معها أمنياً وتجسستا على مواطنيها وجيرانها، ما دفع بمنظمة العفو الدولية إلى الدعوة لمقاضاة وزارة الحرب الإسرائيلية، لرفضها إلغاء ترخيص التصدير الممنوح لمجموعة “إن إس أو” التي تزود الرياض وأبوظبي وحكومات قمعية أخرى ببرامج تجسس.

وشركة “إن إس أو” تتخذ من تل أبيب مقراً لها، وكانت باعت منتجات برامج التجسس الخاصة بها لحكومات قمعية لاستخدامها في الهجمات المروعة على المدافعين عن حقوق الإنسان حول العالم، بحسب المنظمة.

المنظمة أكدت أن البحوث وثقت استخدام برنامج التجسس بيغاسوس التابع لمجموعة “إن إس أو” لاستهداف مجموعة واسعة من المجتمع المدني، في جميع أنحاء العالم.

“أمنستي” ذكرت في تقريرها أن أحد موظفي منظمة العفو الدولية تلقى في أغسطس 2018 رسالة تحتوي على رابط، يزعم أنه يتعلق باحتجاج خارج السفارة السعودية في واشنطن.

واكتشف باحثون برنامج التجسس “بيغاسوس” أول مرة في أغسطس 2016، بعد محاولة فاشلة لتنصيبه على هاتف آيفون لناشط في حقوق الإنسان في الإمارات يدعى أحمد منصور، من خلال رابط مشبوه في رسالة نصية، حيث كشف التحقيق تفاصيل عن البرنامج وإمكانياته، والثغرات الأمنية التي يستغلها.

كما يعتقد أن البرنامج استخدم في التجسس على هاتف الصحفي السعودي الراحل جمال خاشقجي، الذي اغتيل في قنصلية بلاده في إسطنبول في أكتوبر الماضي.

ويتساءل مراقبون عن الهدف التالي لقراصنة الخليج؛ “بن سلمان وبن زايد”، أم إنّ مطالبات المشرعين الأمريكيين بوقف تزويدهم بمعدات التجسس، وتنديد منظمات حقوق الإنسان الدولية بتلك التصرفات ستوقفهم عند ذلك الحد؟