على مدار الأربع سنوات الماضية التي برز فيها اسمه لم يكلف بمهمة إلا وفشلت وافتضح أمره، عرف بالناطق باسم التحالف وقائد خلية اغتيال خاشقجي أو مهندس الاغتيال وكبش الفداء.. لكن الصفة التي لم تلتصق به رغم أنها الأقرب له هي “فاضح المملكة”.

بداية من تعيينه ناطقا باسم عاصفة الحزم في اليمن 2015، مرورا بتوليه متحدثا باسم التحالف العسكري الإسلامي ضد “تنظيم الدولة” 2016، ثم تنصيبه نائبا لرئيس الاستخبارات في 2017، وصولا لتكليفه بتصفية الكاتب الصحفي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول 2018.

كارثة على السعودية أينما حل، حرب اليمن التي يتحدث باسمها فشلت في إعادة الشرعية وتحولت لفاجعة إنسانية، والتحالف الإسلامي لم يحقق أي إنجاز يذكر، ودوره الاستخباراتي افتضح ونشرت تفاصيل علاقاته مع إسرائيل، وكلف بإعادة خاشقجي فارتكب أكبر فضيحة استخباراتية في العالم.

 

مستنقع اليمن

كل المهام السابق الإشارة إليها لم تفلح حتى الآن، كما لم يفلح فيها أيضا أحمد بن حسن محمد عسيري، عميد ركن في الجيش السعودي الذي يحمل درجات علمية رفيعة، وعُرف على نطاق واسع بعد توليه في مارس/آذار عام 2015 مهمة الناطق الرسمي باسم قوات التحالف العربي وتم ترقيته لاحقاً إلى رتبة لواء وتعيينه مستشاراً في وزارة الدفاع.

الحرب التي بدأتها السعودية في اليمن باسم عاصفة الحزم بزعم إعادة الشرعية، ما زالت مستمرة حتى الآن، ووصمت بالحرب الدموية واقترن ذكرها مع ذكر كل أنواع الفشل السياسي والإستراتيجي والحقوقي، واتهمت بالتسبب في كارثة إنسانية.

بعد أن كانت تحارب على جبهة واحدة ضد الحوثيين، أصبحت السعودية تواجه حربا على عدة جبهات في اليمن، واحدة للدفاع عن مدنها من هجمات الحوثي، وأخرى للدفاع عن سمعتها أمام التقارير الدولية التي تتهمها بانتهاك حقوق الإنسان وتعريض اليمنيين للمجاعة، والأمراض والأوبئة، وثالثه لاستمرار الدعم الأمريكي لها وضمان تسليحها.

دراسة نشرها مركز “كارنيغي” الأمريكي للسلام الدولي أكدت أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان سقط مع بلاده في وحل المستنقع اليمني ولا يعرف ماذا يريد فالحرب الدائرة هناك منذ 4 أعوام شنتها الرياض لوقف استيلاء الحوثيين على السلطة غير أن السعوديين وجدوا أنفسهم عالقين، بمشاركة الإمارات، في ممارسة حرب مدمّرة وتعود بنتائج عكسية على المستوى السياسي”.

ولي العهد السعودي أعلن قبل أشهر عدم وجود خيارات جيدة في اليمن، وأن المفاضلة هي بين خيارات سيئة وأخرى أسوأ منها. وفقاً لصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية.

 

فشل التحالف

في 2016 تولى “عسيري” مهام التصريح باسم التحالف الإسلامي العسكري الذي أعلن الأمير محمد بن سلمان بصفته وزيرا للدفاع في 15 ديسمبر/كانون الأول 2015 عن تشكيله، بهدف محاربة الإرهاب، وبتأييد من أمريكا، إلا أن التحالف فشل في تحقيق أي نجاح يذكر حتى الآن فضلا عن أن الإعلان عن تفاصيله أخذ أمدا طويلا.

فبعد عامين من إعلان التحالف في 2015، أعلنت المملكة رسميا في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 أن الجنرال الباكستاني راحيل شريف، هو القائد العسكري للتحالف وذلك قبل أيام من أول اجتماع لوزراء دفاع الدول المشاركة في التحالف والذي انعقد في 26 من الشهر ذاته.

وما بين الفترتين كانت إجابات “عسيري” على الأسئلة المتعلقة بالتحالف الإسلامي وطبيعة دوره وتدخلاته على الأرض غير وافية، إذ عمد إلى مغازلة أمريكا في أكثر من تصريح والإشارة إلى أن التحالف المفترض أنه “إسلامي” تشكل بتأييد وتنسيق “أمريكي”.

وأرجع مراقبون أسباب فشل التحالف الإسلامي العسكري إلى أنه ليس لديه تعريف واضح لماهية الإرهاب، مؤكدين أنه مجرد إطار سياسي لخدمة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وتحسين صورة المملكة التي خاضت العديد من المعارك الخاسرة.

وأشاروا إلى أن التحالف الذي أعلن بمشاركة 34 دولة ثم وصلوا إلى 41 دولة لاحقا، غابت عنه دول تتولي مكافحة الإرهاب بشكل عملي كانت تعاني من وجود إرهاب على أرضها بالأساس، كما يضم دولا ليس لها دور مباشر في محاربة الإرهاب.

وأرجع مراقبون فشل التحالف الإسلامي إلى الخلافات التي حلت بالدول الموجودة به، فضلًا عن أن بعض الدول المشاركة بها انقسامات داخلية.

ولم تكن قطر ضمن الاجتماع الأول للتحالف الإسلامي على خلفية الأزمة الخليجية التي قطعت على أثرها السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتهم الدبلوماسية معها.

وأفاد المراقبون بأن التحالف الإسلامي العسكري ولد ميتاً بالأساس لأنه ليس لديه خطة عمل واضحة ويخلط بين الإرهاب والمقاومة، واتهموه بالهوان وخذلان المسلمين رهبة من أمريكا ورغبة في إسرائيل، رابطين بينه وبين التقارير التي تحدثت منذ انطلاقه عن تنسيق السعودية وإسرائيل على أعلى المستويات برعاية من جاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

 

حبيب إسرائيل

فشل “عسيري” أيضا كنائب لمدير المخابرات العامة السعودية، وهو المنصب الذي تولاه بأمر ملكي في أبريل/نيسان 2017، رغم تعرضه قبلها بشهرين لاحتجاجات من جانب غاضبين في لندن من موقف بلاده من حرب اليمن.

وتكشفت علاقته مع إسرائيل ودوره في التنسيق بينها وبين السعودية بعد أن تم عزله في 20 أكتوبر/تشرين أول 2018 في محاولة لجعله كبش فداء لولي العهد السعودي، بعد الضغط الدولي الذي أثاره اغتيال خاشقجي، وخرج مسؤولون إسرائيليون يتباكون عليه في وسائل الإعلام الإسرائيلية وعبر تغريداتهم في تويتر.

ووصف المحلل السياسي للقناة العاشرة الإسرائيلية، مؤاف فاردي، إقالة “عسيري” بأنه نبأ في غاية السوء بالنسبة لإسرائيل، قائلاً: “ثمة مسؤولون هنا فقدوا شريكا ثمينا الليلة بإقالة العسيري”.

وجاء تعقيب “فاردي” على إقالة “عسيري” عبر تغريدة نشرها على حسابه الخاص في توتير، وهو شخصية تحظى بمصداقية واهتمام واسع في اسرائيل ومعروف بعلاقاته الوثيقة بالدوائر الاستخبارية الإسرائيلية، وتعد ملاحظاته هي الأولى التي يقدم عليها معلق إسرائيلي في تحديد هوية مسؤول سعودي مرتبط بالتنسيق الأمني والتعاون الاستخباري مع إسرائيل.

ويستدل من تغريدة “فاردي” أن هناك دورًا بارزًا لعسيري في التعاون الاستخباراتي بين إسرائيل والسعودية، الذي ألمح إليه مسؤولون إسرائيلون أكثر من مرّة، منهم رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، الذي قال إن هناك تعاونًا إسرائيليًا استخباراتيًا متزايدًا مع دول عربية وإسلامية كبيرة، لم يسمّها.

كانت العلاقة الأبرز بين “إسرائيل” والسعودية، في تبادل المعلومات الاستخباراتية، التي يعد “عسيري” رجل المملكة الأول في ميدانها، حيث باتت المملكة تدير حوارات مع الإسرائيليين من فوق الطاولة، دون النظر إلى أي اعتبارات عربية تتنافى مع هذه السياسة.

 

زيارة سرية

وكشفت صحيفة ذا وول ستريت جورنال الأمريكية، الثلاثاء 18 ديسمبر/كانون الأول 2018، عن زيارة سرية قام بها “عسيري” إلى إسرائيل، نيابة عن ولي العهد بن سلمان، مؤكدة أنه كان أكبر مسؤول سعودي يسافر إلى إسرائيل، ليبحث كيفية استفادة المملكة من تكنولوجيا المراقبة الحديثة فيها.

ودلّلت الصحيفة على علاقات الطرفين بالإشارة إلى مشاركة شركات إسرائيلية بعروض ضمن مدينة نيوم، ولقاء رئيس الموساد يوسي كوهين مسؤولين سعوديين مرات عدة العام الماضي.

ومع وجود “عسيري” في الاستخبارات، زادت المهام السعودية – الإسرائيلية المشتركة، وبدأت تخرج تسريبات عن إتمام صفقات أسلحة بينهما، كما زارت مجموعة أمنية سعودية “إسرائيل”، وحصلت على دورات تدريبية في التجسس، والعمل الاستخباراتي، وفق ما كشفت عنه الصحافة الأمريكية.

وتتبادل السعودية و”إسرائيل” المعلومات في الملف الإيراني، إذ تعتمد المملكة على الاستفادة من المعلومات القادمة من الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية فيما يتعلق بنشاطات إيران في المنطقة العربية، وقد لمحت الكثير من وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى ذلك.

ويبدو أن “عسيري” هو حلقة الوصل الأقوى والأكثر تشجيعاً من قِبل الإسرائيليين، في التبادل الاستخباراتي بخصوص الملف الإيراني، وكانت وسائل إعلام أمريكية وأوروبية قد أشارت بشكل متواتر إلى تعاظم مظاهر التعاون الأمني والاستخباري بين إسرائيل والسعودية.

وسبق لوسائل الإعلام الإسرائيلية ونخب اليمين في تل أبيب بشكل خاص أن امتدحت “بن سلمان” بسبب المواقف التي عبر عنها في المقابلات التي أجريت معه خلال جولته الأخيرة في الولايات المتحدة، لا سيما دفاعه عن حق إسرائيل في أن تكون دولة “يهودية” إلى جانب اعتباره حركة “حماس” تهديداً للأمن القومي السعودي.

 

جريمة خاشقجي

“عسيري” وجهت له أصابع الاتهام في قضية اغتيال الكاتب الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018، وهي القضية التي تسببت في فضيحة السعودية وأطلق الإعلام عليها “مملكة الاغتيالات”.

بعد إنكار دام 18 يوما اعترفت الرياض رسميا في 20 أكتوبر/تشرين الأول 2018، بمقتل خاشقجي إثر ما زعمت أنه “شجار” ولم تكشف عن مكان الجثة، وأعلنت على إثره توقيف 18 سعوديا للتحقيق معهم، مما يجعل روايتها دوما مشكوك في صحتها.

القضية أثارت غضبا عالميا ومطالبات مستمرة بالكشف عن مكان الجثة، ومن أمر بقتله، ومازالت أصدائها مستمرة حتى الآن وتفاصيلها لم تتكشف بعد، وعلى أثرها تم إقالة “عسيري” من منصبه كنائب رئيس المخابرات السعودية ومستشار بن سلمان العسكري بأمر ملكي سعودي، فجر 20 أكتوبر/تشرين أول 2018، وخرجت مزاعم إعلامية بتوقيفه ومحاكمته.

وأعلنت النيابة العامة السعودية في 15 نوفمبر/تشرين ثاني 2018، أن من أمر بقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول هو “رئيس فريق التفاوض معه”.

وأعلن المتحدث باسم النيابة العامة، أن “عسيري” أصدر أمرا إلى قائد مهمة الاغتيال باستعادة خاشقجي للسعودية بالإقناع وإن لم يقتنع يعاد بالقوة.

وأوضح في بيان له أن قائد المهمة قام بتشكيل فريق من 15 شخصاً لاحتواء واستعادة خاشقجي يتشكل من 3 مجموعات (تفاوضي – استخباري – لوجستي) واقترح قائد المهمة على “عسيري” أن يتم تكليف زميل سابق له مكلف بالعمل مع مستشار سابق (لم يذكر اسمه) ليقوم بترؤس مجموعة التفاوض لوجود سابق معرفة له معه.

وأكد أن عسيري قام بالتواصل مع المستشار السابق لطلب من سيكلف بترؤس مجموعة التفاوض فوافق المستشار على ذلك وطلب الاجتماع مع قائد المهمة.

 

كبش الفداء

اختزال بيان المدعي العام السعودي دور عسيري في جمعه لفريق الاغتيال الذي شكله رئيس الفريق، بهدف “إقناع خاشقجي للعودة وإن رفض يعاد بالقوة” دون أمر بالقتل، بدا كأنه تبرئة له من التورط المباشر في الجريمة.

وسبق ما أعلنه المتحدث باسم النيابة العامة، أن تحدثت صحف أجنبية، عن أن “عسيري” ربما يكون كبش الفداء المحتمل في هذه القضية، إذ نشرت صحيفة واشنطن بوست مقالا قالت فيه ذلك نصا.

وكانت نيويورك تايمز أفادت بأن الرياض ستحمي ولي العهد بإلقاء مسؤولية مقتل خاشقجي على صديقه المسؤول بالمخابرات السعودية.

ديفيد أغناتيوس، الكاتب في الشؤون الأمنية بصحيفة “واشنطن بوست”، كان قد ذكر أن من بين الأسماء المرشحة لتكون كبش فداء لهذه العملية، اللواء أحمد عسيري، حيث تقول تلك المصادر المطلعة إنه قدم العديد من المقاربات إلى الجهاز الخاص لاتخاذ إجراءات ضد خاشقجي وآخرين.

وعلمت المخابرات الأمريكية الشهر الماضي، أن عسيري خطط لإنشاء “قوة النمر”، لتكون متخصصة بتنفيذ عمليات خاصة وسرية، دون أن يتمكن المسؤولون الأمريكيون من معرفة طبيعة هذه العمليات.

كما علمت المخابرات أيضاً أن بن سلمان أبلغ معاونيه هذا الصيف أنه يريد أن يعود خاشقجي وكل المنشقين الآخرين إلى أرض الوطن، وفق ما نشرت “واشنطن بوست”، 17 أكتوبر/تشرين أول 2018.

مكتب النائب العام في إسطنبول أصدر في 5 ديسمبر/كانون أول 2018 مذكرة اعتقال بحق “عسيري” والمستشار السابق بالديوان الملكي سعود القحطاني، بتهمة “القتل العمد مع التعذيب بوحشية بتخطيط مسبق لقتل خاشقجي”، مشيرا إلى التوصل لمعطيات حول مشاركتهما في خطط جرى وضعها بالسعودية لقتل الصحفي السعودي.

وفي الوقت الذي تم تمرير أنباء مفادها احتجاز عسيري ومحاكمته، نشر رجل الأعمال السعودي منذر آل الشيخ مبارك عبر حسابه بتويتر صورة لعسيري برفقة شخص آخر (أحد أقاربه الذي تخرج مؤخراً من كلية عسكرية) يظهر فيها حراً ومتفاعلا في المناسبات الاجتماعية، إذ علق “الشيخ” بقوله: “أكحل عدوك لين تعمي عيونه، هذا الشبل من ذاك الأسد”.

وتناقل الناشطون الصورة معربين عن غضبهم، مشككين في جدية السلطات السعودية بشأن محاكمة المتهمين في مقتل خاشقجي.