تطورت العلاقات بين إسرائيل والسعودية إلى أن باتت إستراتيجية وذات نفع متبادل، وعلى الرغم من الجهود التي يبذلها القادة للحفاظ عليها بعيدة عن الأضواء. فإن التفاعلات بين البلدين خلال العقدين الأخيرين لفتت انتباه الشرق الأوسط والعالم بأسره.

هذا ما خلُص إليه تقرير نشره موقع منظمة “أونيست ريبورتنج” غير الحكومية، التي تقوم بمراقبة التحيز ضد إسرائيل في وسائل الإعلام، ووُصفت بأنها مجموعة مراقبة إعلامية مؤيدة لإسرائيل.

وتمثل العلاقات المتزايدة بين إسرائيل والسعودية، وكذلك دول الخليج الأخرى تحولًا غير مسبوق، بحسب المنظمة، إذ يتحول تركيز الدول العربية من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إلى التعامل مع التهديد الإيراني.

وبرغم عدم وجود علاقات دبلوماسية رسمية بين إسرائيل والسعودية، إلا أن كلاهما يرى أن إيران هي أكبر عدو مشترك، وهذا الخوف يحرك البلدين سويا، ويفتح قنوات للتعاون الدبلوماسي والاستخباراتي والتجاري.

الانقلاب بحذر

استعرض التقرير تاريخ العلاقة بين البلدين، قائلا إنها كانت تتسم بالمواجهة في البداية، إذ عارضت السعودية إقامة دولة إسرائيل، وصوتت ضد خطة الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين في عام 1947. وعقب التصويت، شاركت القوات السعودية في القتال ضد إسرائيل في الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948، كما أودعت حوالي 1000 جندي للقتال تحت القيادة المصرية.

في ذلك الوقت، لعب السعوديون دورًا رئيسيًا في جامعة الدول العربية، إذ توحدوا مع دول الشرق الأوسط الأخرى في مواجهة إسرائيل. كما ساهموا في حرب “يوم الغفران” في عام 1973، ونقلوا حوالي 2000 جندي لمساعدة القوات العربية في سوريا.

وعندما وقّعت مصر معاهدة سلام مع الإسرائيليين، أعربت السعودية ودول عربية أخرى عن رفضها بقطع المساعدات والعلاقات الدبلوماسية مع مصر، لكن بعد ما يقرب من عقد من الزمن، أعادت السعودية بناء العلاقات.

وفي عام 2002، قاد الأمير عبد الله، الحاكم الفعلي للسعودية آنذاك، حتى وفاة شقيقه في عام 2005، مفاوضات بشأن الوضع الفلسطيني. واقترح مبادرة السلام العربية السعودية، وهي خطة لوضع حد للصراع الإسرائيلي الفلسطيني والعربي-الإسرائيلي.

ودعا إلى حل قضية اللاجئين الفلسطينيين، وإقرار القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطينية جديدة، وإلى تنازل إسرائيل عن الأراضي في مرتفعات الجولان والضفة الغربية وقطاع غزة.

بعد المناقشات، تبنى جميع أعضاء جامعة الدول العربية، البالغ عددهم 22، مبادرة السلام وطالبوا إسرائيل بقبولها دون تفاوض. ورحبت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في البداية بالاتفاق، على أمل المشاركة في التوسط في السلام في الشرق الأوسط.

ومع ذلك، اعترضت إسرائيل، وعارضت مطالبة الجامعة العربية بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، وهو تنازل قد يؤدي إلى تفوق عدد السكان الفلسطينيين على اليهود في إسرائيل.

أشار تقرير المنظمة إلى أنه منذ هذه الاجتماعات حول الوضع الفلسطيني، بدأت العلاقات بين إسرائيل والسعودية في التحسن، ولفت إلى أن السعوديين كانوا يخطون بحذر، متجنبين الخط الفاصل بين دعم إسرائيل والالتزام بمبادرة السلام السعودية.

كره إيران وحدهما

وأوضحت “أونيست ريبورتنج” أن الصداقة السعودية الإسرائيلية سببها تنافس الرياض القديم مع إيران منذ عقود. ونقلت عن جوناثان ماركوس من “بي بي سي”، قوله: “تاريخيا، تعتبر السعودية، التي هي مهد الإسلام، نفسها زعيمة العالم الإسلامي، لكن هذه المكانة تعرضت للتحدي في عام 1979 باندلاع الثورة الإسلامية في إيران التي خلقت نوعًا جديدًا من الدولة في المنطقة -نوعًا من الثيوقراطية- كان له هدف واضح وهو تصدير هذا النموذج إلى خارج حدودها”.

السعودية فيها غالبية من المسلمين السنة وإيران لديها أغلبية شيعية، مما يزيد من حدة الخلاف بينهما، واليوم، يخوض البلدان معركة للهيمنة الإقليمية، ففي عام 2003، أطاحت الولايات المتحدة بالزعيم السني في العراق صدام حسين، وأزالت عقبة رئيسية أمام صعود إيران، ومنذ ذلك الحين، وسع الإيرانيون نفوذهم.

لقد وصلوا إلى سوريا ولبنان وأجزاء أخرى من الشرق الأوسط بشكل أساسي من خلال دعم “حزب الله”؛ وللرد تورطت السعودية في نزاعات بالوكالة مع إيران في أنحاء المنطقة، ودعم البلدان الأطراف المتصارعة في سوريا واليمن.

كانت حرب 2006 بين إسرائيل و”حزب الله” لحظة حاسمة في الديناميات الإقليمية، وخلال النزاع، ظهرت العلامات الأولى للعلاقة بين السعودية وإسرائيل، إذ أدانت الحكومة السعودية تقدم “حزب الله” إلى إسرائيل، وهي حملة أسفرت عن أسر جنديين إسرائيليين؛ ما أبرز معارضة السعوديين لتأثير إيران في الشرق الأوسط، وهو شعور تشترك فيه الحكومة الإسرائيلية.

هدفهما المشترك المتمثل في احتواء إيران، جمع رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت ومستشار الأمن القومي السعودي بندر بن سلطان في اجتماع بالأردن في سبتمبر/ أيلول من عام 2006.

ومع ذلك، عندما سُربت أخبار هذا الاجتماع إلى العلن، كان المسؤولون السعوديون منزعجين؛ فوجود ارتياح سعودي إلى إسرائيل يمكن أن يعزل المملكة عن الدول العربية الأخرى، وهي النتيجة التي عملت الرياض بجدية على منعها.

وسعت إسرائيل والمملكة التعاون الدبلوماسي تدريجيا، من خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية واجتماعات وراء الكواليس وحتى الدعم العلني لبعضهما البعض. وبشكل غير متوقع، دمجت الكراهية المتبادلة لرئاسة باراك أوباما بين الجانبين، وعارض البلدان الصفقة النووية الإيرانية (خطة العمل الشاملة المشتركة)، معتبرين أنها غير كافية لمنع العدوان الإيراني.

تنكر دائما

أدركت السعودية أن براعة إسرائيل التكنولوجية يمكن أن تجعلها حليفًا مفيدًا، إذ قابل رئيس الموساد (وكالة الاستخبارات الإسرائيلية)، يوسي كوهين، المسؤولين السعوديين بانتظام لتبادل المعلومات ومناقشة إستراتيجية الأمن ضد إيران.

ونوه تقرير المنظمة بأن التعاون بين البلدين ظهر في المسارات الدبلوماسية الأخرى كذلك، مضيفا: “على سبيل المثال، عندما أعلنت السعودية عن خطتها في عام 2016 للاستيلاء على جزيرتي تيران وصنافير من مصر، وافقت إسرائيل على الصفقة”.

الأهم من ذلك أن السعودية وجدت نفسها في عاصفة من الجدل بعد اغتيال الصحفي السعودي في “واشنطن بوست”، جمال خاشقجي، على أيدي عملاء الحكومة السعودية في تركيا. وعلى الرغم من الانتقادات الدولية، دافع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، علنا عن السعودية؛ وكان أحد القادة العالميين القلائل الذين قاموا بذلك.

ونقل تقرير المنظمة عن الباحث في مركز “إل سي اي ميدل إيست” للأبحاث حول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إيان بلاك، حديثه عن أمثلة حديثة على تبادل المعلومات الاستخباراتية والدبلوماسية: “في عام 2012، عندما اخترق القراصنة نظام الكمبيوتر الخاص بشركة أرامكو السعودية، وهي شركة النفط الوطنية، تم استدعاء الشركات الإسرائيلية. وقيل إن إسرائيل باعت طائرات بدون طيار إلى السعودية عبر جنوب إفريقيا، لكنها أنكرت أنها باعت نظام “القبة الحديدية” للدفاع عن المملكة من الهجمات الصاروخية من قبل المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن. وفي عام 2018، سُمح لوسائل الإعلام الإسرائيلية من المراقبين العسكريين بالإبلاغ أن رؤساء الأركان الإسرائيليين والسعوديين قد التقوا في مؤتمر بواشنطن لقادة الجيوش الحليفة للولايات المتحدة} لكن السعوديين أنكروا القصة”.

لقد حاول السعوديون إبعاد المجتمع الدولي عن علاقتهم بإسرائيل، ونفوا مرارا أي اتصال بهم، ومع ذلك، فإن جهودهم لإبعاد العلاقة عن الأضواء لم تنجح دائمًا. في فبراير/ شباط 2019، التقى نتنياهو مع نائب الرئيس الأمريكي مايك بينس، ومسؤولين سعوديين، ووزراء من دول الخليج الأخرى في مؤتمر في وارسو لبحث موضوع إيران، وأغلق المؤتمر في وجه الصحافة، لكن مكتب رئيس الوزراء سرب وصلة لمقطع يوتيوب من حلقة النقاش إلى عدة صحفيين إسرائيليين.

غضب الفلسطينيين

ولفت التقرير إلى أنه بسبب العلاقات الإسرائيلية-السعودية بدأت العلاقات بين الفلسطينيين والسعودية في التقلب بعض الشيء. ففي حين أعلن العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز أن للفلسطينيين الحق في دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، أكد ولي عهده محمد بن سلمان حق إسرائيل في الوجود. وقد طلب علانية من الفلسطينيين التخلي عن مطالبهم والعمل من أجل السلام مع إسرائيل.

واعتبرت المنظمة أن الجيل الشاب من السعوديين يرى القضية بشكل مختلف عن كبار السن، إذ ينجذبون بشكل أقل نحو الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي والمعتقدات القومية العربية بالتوحد ضد إسرائيل. وبدلاً من ذلك، فهم يخشون نفوذ إيران في الأراضي الفلسطينية، وخاصة الدعم الإيراني لحماس في غزة. وبالنسبة إلى محمد بن سلمان والعديد من السعوديين، فإن وجود دولة فلسطينية مستقلة قد يعني المزيد من عدم الاستقرار الإقليمي وقوة أكبر لإيران.

يحتج المدنيون على العلاقات بين إسرائيل والسعودية في الأراضي الفلسطينية، لدرجة أنهم أحرقوا صور بن سلمان أثناء مظاهرة في غزة. وفي الوقت نفسه، نشأت قنوات للتعاون التجاري بين إسرائيل والسعودية، وساعدت شركات التكنولوجيا والأمن الإسرائيلية الشركات السعودية، وفي تعزيز الأمن السيبراني السعودي وغيرها من الدفاعات.

فتحت هذه الزيادة في التجارة الوصول إلى السعودية، ففي عام 2018، سمح السعوديون لرحلة تجارية من نيودلهي إلى تل أبيب بعبور المجال الجوي السعودي لأول مرة. وعلاوة على ذلك؛ تصدر الحكومة السعودية الآن تصاريح دخول خاصة لعمال الشركات الإسرائيلية، مما يسمح لهم بدخول البلاد دون إبراز جواز سفر.

وفي شهر مايو/ أيار، وافق حكام السعودية على خطة تسمح للعرب الإسرائيليين بالعمل في السعودية والحصول على الإقامة، إذ اعتبر السعوديون أن الخريجين العرب في الجامعات الإسرائيلية مهنيون ومؤهلون ويمكنهم إفادة اقتصاد البلاد.

مسألة وقت

مع كل هذا، لا يزال التعاون محدودا، بحسب المنظمة، فالحكومة السعودية على سبيل المثال، لا تسمح للمواطنين الإسرائيليين بحضور الأحداث الرياضية الدولية في المملكة، كما لا توجد صفقات تجارية ثنائية رسمية بين البلدين. ومن خلال العلاقات التجارية والقنوات الدبلوماسية، تتوسع العلاقات بين إسرائيل والسعودية، لكنها ليست بأي حال تحالفًا مثاليًا.

وعلى الرغم من السماح للعرب الإسرائيليين مؤخراً بالمرور إلى البلاد، إلا أن الحكومة لا تزال تمنع اليهود من الدخول، بحسب التقرير، طالما أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني موجود، فسوف يستمر في خلق خلاف في العلاقة.

وترى المنظمة، أن “للسعودية روابط قوية مع الدول الإسلامية الأخرى، وهي موطن مكة والمدينة المنورة، وهما موقعا الحرمين الشريفين، ما يجعلها ملزمة بباقي العالم العربي، ولا يزال دعم الحقوق الفلسطينية مدرجًا في الأجندة العربية، حتى لو كان يتناقص في الأهمية النسبية بجانب إيران”.

واختتم التقرير بقوله: “يبدو أن الاتجاه الحالي يشير إلى تعزيز تدريجي للعلاقات الإسرائيلية السعودية. ومع وجود خصم مشترك في إيران تربط السعودية وإسرائيل شراكة المنفعة المتبادلة بما يساعد على ترسيخ مكانة إسرائيل كلاعب مهم في الشرق الأوسط، مشددا على أنها “مسألة وقت فقط قبل تطبيع العلاقات وإقامة العلاقات الدبلوماسية الرسمية”.