في معجم المعاني الجامع، المُسْتَشَارُ هو “العليم الذي يؤْخذ رأْيه في أمر هامٍّ علميّ أو فنيّ أو سياسيّ أَو قضائيّ أو نحوه”، وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “الْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ”، أخرجه أحمد وأصحاب السنن عن ابن عباس وغيره وصححه الألباني.

كانت هذه هي الصفات والمعايير التي يتم على أساسها اختيار مستشاري الملوك والأمراء والحكام والسلاطين قديما. في عصرنا الحديث في محيطنا العربي ومنطقة الخليج العربي خاصة، ما الآلية التي يتم بها اختيار هؤلاء المستشارين؟ وطبيعة دورهم؟ ولماذا دوما ما يقع الاختيار على شخصيات سيئة السمعة ترتبط أسماؤهم بقضايا فساد وتدور حولهم الشبهات؟

 

جورج نادر

جورج نادر هو رجل أعمال الأمريكي من أصل لبناني، عمل مستشاراً سابقا لولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، وصديق مقرب من ولي عهد السعودية محمد بن سلمان، اعتقل على خلفية اتهامه بنقل أفلام إباحية للأطفال إلى الولايات المتحدة.

“نادر” البالغ من العمر 60 عاما، يقيم ويعمل في الإمارات، وهو شريك لرجل أعمال إسرائيلي يُدعى جوناثان كيسلر، وكثيرا ما عمل وسيطا لحكومات في الشرق الأوسط.

“نادر” لديه سوابق جنائية تتعلق بتهم الأفلام الجنسية للأطفال، إذ أدين قبل 28 عاما بنقله مواد إباحية للأطفال في أمريكا، وتم تخفيف عقوبته بعد تدخل شخصيات بارزة أمام المحكمة لصالحه بذريعة أنه لعب دوراً مهما في إطلاق سراح رهائن أمريكيين كانوا محتجزين بلبنان.

وربما يواجه نادر، الذي لُقِّب بـ”رجل الظل” و”مخزن الأسرار” و”الخبير بسياسات الشرق الأوسط”، الآن عقوبة السجن 15 عاماً بحد أدنى و40 عاماً بحد أقصى، بحسب القانون الأمريكي.

وكان “نادر” شاهدا رئيسيا في تحقيقات روبرت مولر بشأن التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية 2016 لصالح الرئيس دونالد ترامب.

تغلب صفة رجل الاستخبارات على شخصية “نادر” رغم نشاطه المعلن في مجال الإعلام والاستشارات والعلاقات العامة، حيث يعتقد بعلاقته مع “الموساد” الإسرائيلي ومع مجموعات الضغط الصهيونية في الولايات المتحدة.

المحققون كشفوا عن وجود “اتصالات مباشرة” بين “نادر” وبين “بن زايد” وبينه وبين ممثل عن ولي العهد “بن سلمان”، وأعضاء من العائلة الحاكمة بالسعودية.

وسجلت صورة ظهر بها “نادر” مع الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي ونشرتها صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، انتشاراً واسعاً على شبكات التواصل الاجتماعي في العالم العربي، وشكّل تسريبها تأكيداً لوجود علاقة بينهما، حيث تُظهر ودا كبيرا بين الرجلين.

وتحدث عن أن الصورة التي جمعت “بن سلمان” و”نادر” ربما تعد دليلاً جديداً أو قرينة على أن السعودية ضالعة في الأنشطة التي كان يقوم بها نادر، وليس الإمارات وحدها.

 

سعود القحطاني

سعود القحطاني، المستشار السابق بالديوان الملكي السعودي- برتبة وزير-، تردد اسمه في أكثر من حالة انتهاك حقوقي بالمملكة العربية السعودية، أبرزهم تعذيب المعتقلات والاعتداء جنسيا عليهن.

آخر قضية تردد فيها اسم القطحاني وهزت الرأي العام العالمي وأثارت ضجة كبيرة لم تزل آثارها مستمرة حتى اليوم هي اغتيال الكاتب السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول في 2 أكتوبر/ تشرين أول 2018.

ورغم إقالة القحطاني من منصبه عقب الفضيحة الكبيرة التي لحقت بالمملكة وتردد اسم القحطاني في قائمة الضالعين فيها، إلا أن الإعلام الغربي أكد أنه مازال في نفس المنصب والامتيازات ولم يمثل أمام القضاء السعودي أو ما يسمى بـ “مسرحية محاكمة قتلة خاشقجي”.

القحطاني (40 سنة) وصف بأنه رجل المهمات “القذرة” بالمملكة، واتهمته وسائل إعلام غربية أبرزها رويترز، بالإشراف على عملية التنكيل بناشطات سعوديات محتجزات، بما يتضمن التحرش الجنسي والصعق بالكهرباء والجلد.

“القحطاني” هو ذراع بن سلمان ويده اليمنى، وهو كما قال عن نفسه أنه لا يتصرف من رأسه بأي شئ وكل ما يقوم به هو بأمر ولي ‏العهد ووالده، ولذلك لا يمكن أن يحدث أي انتهاك يدخل به اسم القحطاني إلا بأمر مباشر من “بن سلمان”.

سطع نجم “القحطاني” مع وصول “بن سلمان” إلى منصب ولي العهد بالمملكة، وأصبح من أبرز المقربين منه ومن بين الأشخاص الذين يثق بهم، وكلفه بوضع إستراتيجية إعلامية واسعة وإدارة الحملات الإعلامية على مواقع التواصل الاجتماعي، على غرار تويتر بهدف “تلميع صورة الأمير بن سلمان في الداخل والخارج”.

تحدثت صحف غربية أيضا عن علاقة “القحطاني” مع شركات إسرائيلية للتجسس على قطر وتركيا، ومراقبة المعارضين السعوديين.

 

محمد دحلان

لا يمر ذكر قضية خاشقجي و”التجسس” دون أن يحل اسم محمد دحلان، القيادي الفلسطيني المفصول من حركة فتح المقيم في الإمارات ويعمل مستشارا لولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، يظهر اسمه في كل أزمة أو كارثة في المنطقة، واقترن بقضايا فساد وتجسس ومناهضة ثورات الربيع العربي ومحاربة الإسلام السياسي.

دحلان (58 عاما) وصل الإمارات “فارا من وجه العدالة”، وهاربا من تنفيذ أحكام غيابية صدرت من محاكم فلسطينية لإدانته باختلاس 16 مليونا و200 ألف دولار، إبان توليه منصب منسق الشؤون الأمنية للرئاسة الفلسطينية.

تحدثت السلطات التركية أن لديها أدلة على تورط “دحلان” في التجسس لصالح الإمارات، وتورطه بتقديم دعم مالي لتمرير محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا يوم 15 يوليو/تموز 2016″.

كشفت صحيفة يني شفق التركية أن “دحلان” له علاقة ودور فاعل في جريمة قتل “خاشقجي” وأفادت بأن فريقا مكونا من 4 أشخاص على صلة بدحلان وصل إلى تركيا قادما من لبنان قبل يوم واحد من جريمة القتل، ودخل الفريق القنصلية يوم مقتل خاشقجي، وقام بمحاولة طمس الأدلة المتعلقة بجريمة القتل.

وأضافت أنه يُعتَقد أن الفريق نفسه هو الذي كان وراء اغتيال القيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) محمود المبحوح في دبي عام 2010.

يعرف عن “دحلان” علاقاته المشبوهة مع إسرائيل، حيث يعتقد على نطاق واسع أنه صنيعتها منذ بداياته في مخيم خان يونس بقطاع غزة إلى أن أصبح مديرا لجهاز الأمن الوقائي في غزة ومسؤولا عن التنسيق الأمني وتبادل المعلومات مع الجانب الإسرائيلي. وساعدته صلاته هذه على تعزيز العلاقات بين الإمارات وإسرائيل، بل وامتدت حتى صربيا.

ارتبط اسم “دحلان” مؤخرا مع محاولة مناهضة الثورة السودانية، إذ كشفت مصادر عن لقائه بالمجلس العسكري، وتحدث سودانيون عن رفضهم لدعم إماراتي سعودي للمجلس العسكري السوداني لمنع تمكين المدنيين في السودان من إقامة نظام حكم مدني ديمقراطي وتمكين العسكر الموالين لأبوظبي والرياض والقاهرة من السلطة.

 

باسم عوض الله

باسم عوض الله البهلوان سياسي أردني سابق ومستشار اقتصادي حالي للملك سلمان وولي عهده، وهو أحد تلامذة “دحلان” وكان وزيرا في الأردن وتحوم حوله شبهات فساد مالي، حسب مراقبين، لكن لم يسبق أن وجهت له أي تهم رسمية يوما ما ولم يتم تحويله إلى مكافحة الفساد أو القضاء.

ظهور عوض الله أثناء صلاة عيد الفطر الماضي بالحرم المكي، على يمين ولي العهد السعودي ومتقدما على أمراء بالعائلة المالكة، أثار جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة أنه تم إنهاء خدماته ممثلا ومبعوثا خاصا لملك الأردن عبد الله الثاني لدى الرياض اعتبارا من تاريخ 12 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018.

“عوض الله” يعتبر من أكثر الشخصيات السياسية إثارة للجدل في الأردن، حيث يصفه خصومه بأنه صاحب مدرسة “الليبرالية الجديدة” التي تتهم بأنها أدخلت نهج الخصخصة للأردن، ما أدى لبيع معظم المؤسسات العامة في البلاد، واتهمه المحافظون واليساريون بأنه أوصل البلاد إلى أزمة خانقة، ووصف بـ”كوهين الأردن”.

“عوض الله” عمل لفترة بسيطة في القطاع الخاص، ومن بعدها دخل العمل العام مستشارا في رئاسة الوزراء، ثم مديرا للدائرة الاقتصادية في الديوان الملكي، ليتسلم بعدها حقيبة وزارة التخطيط طيلة 5 سنوات، ثم وزارة المالية، ثم رئيسا للديوان الملكي، ومديرا لمكتب الملك.

لمع نجم عوض الله عام 2001 حين اختير وزيرا للتخطيط والتعاون الدولي، متربعاً على عرش الوزارة حتى عام 2005، فارضاً نفسه رجلاً قوياً وصاحب نفوذ، متنقلاً من الظل إلى العلن الذي أوجد له جيشاً من الخصوم، خصوصاً بعد أن أنيط بوزارته أحد أكثر برامج الأردن جدلاً حتى اليوم “التحوّل الاقتصادي”.

وتعود جذور البرنامج إلى الرسالة التي وجّهها الملك للحكومة في 25 أكتوبر/تشرين الأول من عام 2001 يقول فيها إن الوقت قد حان لإعداد برنامج للتحوّل الاقتصادي والاجتماعي، يركّز على تنمية الموارد البشرية وتحسين الخدمات الحكومية، وتنفيذ إصلاحات مالية وإدارية وتعليمية وقضائية، ويكافح الفقر والبطالة، وهو البرنامج الذي أُقرّ في عام 2003، على أن يُنجز خلال 3 سنوات، بموازنة بلغت 500 مليون دولار، وعهد إلى وزير التخطيط آنذاك عوض الله بالإشراف عليه.

فشل البرنامج، ولم يحقق أياً من أهدافه، وتبخّرت الأموال التي رُصدت له، وأصبح نموذجاً للفساد، وتسبب بارتفاع هائل في مديونية الأردن وبيعت أهم مؤسسات الدولة كشركة الكهرباء ويمناء العقبة والفوسفات والاتصالات وغيرها، ولم يتم التحقيق في أسباب فشله أو محاسبة المسؤولين عن ذلك الفشل، ليُحمّل عوض الله وحيداً المسؤولية، ويصدر بحقه حكم بالإعدام في محاكمة شعبية عُقدت له خلال موجة الاحتجاجات التي عاشها الأردن منذ 2010 وحتى نهاية 2012.

كشف أحد المهندسين الذين أشرفوا على أعمال بناء قصر “عوض الله” في دابوق (أرقى مناطق مدينة عمان العاصمة الأردنية) الذي تم تشيده ما بين الأعوام 2006 و2008، أن ‏الكلفة الحقيقية للقصر بلغت 29 مليون دينار أردني (41 مليون دولار)، قائلاً إنها تدل على تغول شديد على المال العام وسرقة بلا حدود من أموال ‏الفقراء والمساكين‎ ‎رافضا الصمت عن الذين نهبوا أموال الشعب وعاثوا في الأرض فساداً، متسائلا: ” من أين جمع باسم البهلوان كل هذه الملايين؟؟‎”.

ورغم فشل البرنامج الاقتصادي لـ”عوض الله” وعدم اعترافه بأخطاء إدارته ملف الاقتصاد في الأردن حتى الآن، إلا أن “بن سلمان” يتخذه مستشاراً مقرباً له، كما أنه يمتاز بعلاقة وطيدة برجال الأعمال في السعودية.

 

توني بلير

في يوليو/تموز 2018 أبرمت الحكومة السعودية اتفاقاً مع “معهد التغيير العالمي” الذي يديره رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير، لتقديم خدمات استشارية لها.

وبحسب ما ذكرت صحيفة “صنداي تلغراف”، فقد حصل بلير على 9 ملايين جنيه إسترليني (11 مليون دولار) مقابل خدماته الاستشارية للحكومة السعودية.

“بلير” يحظى بسمعة سيئة في بلاده بريطانيا بسبب دوره في غزو العراق عام 2003، وتطالب جمعيات حقوقية ومثقفون وسياسيون بضرورة محاكمته كـ “مجرم حرب”، كما يوصف بأنه “الأكثر كرهاً” في بلاده.

وأكدت صحفية الصنداي تايمز البريطانية، في عددها الصادر 11 ديسمبر /كانون أول 2016 أن “مؤسسات بلير الخيرية تقدم معلومات عن الإسلاميين للأنظمة القمعية”.

وأوضحت الصحيفة أن “وثيقة سُربت للصنداي تايمز كشفت أن مؤسسات خيرية تابعة لرئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير، تعتزم جمع معلومات عن الإسلاميين في إفريقيا لصالح أنظمة قمعية متهمة بانتهاكات لحقوق الإنسان”.

وتقول الصحيفة: إن “الخطة ستنتفع بالصلات التي بناها بلير مع الزعماء الأفارقة، ويوثق تعاون مؤسساته مع الأنظمة الإفريقية للتصدي للأيديولوجيا الإسلامية”.

صحيفة “الديلي تلغراف” البريطانية اتهمت “بلير” بأنه حصل على ملايين الدولارات من دولة الإمارات أيضا أثناء عمله مبعوثاً للشرق الأوسط.

وقالت الصحيفة في تقرير كتبه “إدوارد مالنيك”: إن “بلير يواجه تساؤلات جادة بشأن احتمال حدوث تعارض مصالح في أثناء عمله مبعوثاً للشرق الأوسط، حيث كشفت رسائل بالبريد الإلكتروني، أُطلِعت عليها الصحيفة، أنه كان يتلقى مخصصات مالية من الإمارات إبان اضطلاعه بدوره في المنطقة”.

ويقول مالنيك إن الوثائق التي اطلعت عليها الصحيفة توضح أن الإمارات كانت تمول العمل الرسمي لبلير عندما كان مبعوث اللجنة الرباعية الدولية للشرق الأوسط، كما نقلت شبكة “بي بي سي”.

وأضافت الصحيفة أن بلير في الوقت ذاته كان يتلقى ملايين الدولارات كأجر لعمله الاستشاري للإمارات ولعاصمتها أبوظبي. وتقول الصحيفة إن مساهمات الإمارات المادية لعمل بلير في اللجنة الرباعية لم تكن مدوَّنة على موقع الإنترنت للجنة، رغم تخصيص صفحة توضح مصادر التمويل والدخل.