“يا عيالي”، هذه هي العبارة التي تخاطب بها “أم سعود” السعوديين من خلال منصة “تويتر”، على الرغم من أنها لم تكن شخصية معروفة على مواقع التواصل الاجتماعي حتى السبت (24 نوفمبر الجاري).

فـ”أم سعود” أنشأت حسابها على “تويتر” في شهر أغسطس الماضي، والغريب في أمرها أنها على الرغم من كونها مجهولة الشخصية، ولم تظهر من قبل للجمهور في أي وسيلة إعلامية أو غيرها، أصبح حسابها موثقاً، وباتت تتابعها شريحة واسعة من المواطنين!

وعلى الرغم من أن “تويتر” أعلن قبل عام، وبالتحديد في 9 نوفمبر 2017، وقف منح علامة التوثيق (الزرقاء) للحسابات كافة، وقال إنه سيقدّم تقريره قريباً، فإن “أم سعود” نالت علامة التوثيق هذه!
المعروف- وهو ما يؤكده مختصون في منصات التواصل الاجتماعي- أن منصة “تويتر” تقتصر في توثيق الحسابات بالوقت الحالي على طلبات من جهات رسمية وشخصيات مسؤولة، وهذا ما أثار دهشة النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي.

وهنا أثير شك لدى ناشطين على مواقع التواصل حول كون أم سعود شخصية لها ثقلها في وسط حكومي ما، أو تمثل جهة استخبارية.

– ماذا يدور في حساب أم سعود؟
تظهر في الفيديو، الذي نشر يوم السبت (24 نوفمبر)، امرأة مسنة ترتدي النقاب التقليدي وتحمل عصا، وهي تجلس خلف مقود سيارتها، ثم تقول: “تابعوا أم سعود على تويتر”.

وأرفق الحساب الفيديو بتغريدة تقول: “السلام عليكم ورحمة الله.. مساكم الله بالخير يا عيالي وبناتي #حساب_أم_سعود_الرسمي”.

وألحقت “أم سعود” التغريدة الأولى بسلسلة من التغريدات قالت في إحداها: “الله الله بالحزام والسواقة الزينة، انتبهوا لطريقكم، ترى قلبي عليكم ياعيالي”.

وفي تغريدة أخرى، ظهرت أم سعود وهي تدرب شابة تدعى بدور على قيادة السيارة، في فيديو ورد فيه معلومات تشير إلى أن أم سعود تبلغ من العمر 76 عاماً، وتعلمت القيادة بنفسها منذ 40 عاماً.

أم سعود قالت في تغريدة لاحقة: “الله يعافي رجال المرور ويخليهم ذخر”، أرفقتها بمقطع فيديو يظهرها وهي تقود السيارة وإلى جانبها تجلس الشابة بدور.

في هذا المقطع تقف أم سعود في نقطة تفتيش أمنية، تظهر حسن تعامل قوات الأمن مع المواطنين.

مقاطع الفيديو الثلاثة صوّرت- بحسب ما يبدو- باحترافية عالية، وباستخدام معدات تصوير متطورة، وعدد من الكاميرات؛ وهو ما لا يمكن فعله من قبل امرأة بسيطة كبيرة في السن.

– حساب مريب
يقول عبد الله بن جنيدب، وهو شخصية سعودية معروفة، إنه طُلب منه متابعة هذا الحساب ففعل، لكنه حذف متابعته للحساب؛ ووصفه بأنه “مريب”.

مهند باعارمه، وهو مصمم الرسم الكاريكاتيري لـ”أم سعود” بعد نشره رسمته سأله أحدهم إن كانت الجهة التي طلبت منه هذه الرسمة المرور أم غيرها، فأجاب بأنه لا يعلم؛ وهي إشارة تفيد بأن الجهة قد تكون أمنية؛ فالمرور دائرة تتعامل بصفة واضحة وصريحة.

– هل تحول “سعود” إلى “أم سعود”؟
لاحقاً، وبعد يوم من الاستغراب الذي أثاره حساب أم سعود، خرجت الصحافة المحلية لتبرر أن الحساب يعود لحملة توعوية تدار من قبل شرطة المرور، وهو ما ذكرته صحيفة “سبق” المحلية.

الحساب الذي تعدى عدد متابعيه مئة ألف متابع في غضون ثلاثة أيام، وشارك العديد من المشاهير بالمملكة في التعليق عليه، إعجاباً به؛ على الرغم من أنه لم ينشر سوى تغريدات معدودة، أثار تساؤلاً لدى نشطاء حول كونه مسيراً من قبل “وزير الذباب الإلكتروني” سعود القحطاني.

فالقحطاني الذي يعتبر ذراعاً قوياً اعتمد عليه ولي العهد محمد بن سلمان في قيادة دفة خلايا الإعلام الاستخباراتي، متهم بارز بالمشاركة في جريمة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، الذي اغتيل في قنصلية الرياض بمدينة إسطنبول التركية مطلع أكتوبر الماضي.

ومنذ أسابيع اختفى بشكل ملحوظ ما يُعرف بـ”الذباب الإلكتروني” السعودي، الذي تصدر موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” بتغريداته وهجومه مؤخراً في قضية اختفاء واغتيال خاشقجي، وقضايا أخرى على مدار سنوات.

ويوضح الناشط محمد الأحمد، في سلسلة تغريدات، تفاصيل الشخصية، وتفاصيل الحالة التي أدت لإنشاء مثل تلك الشخصية، والأوامر التي صدرت من جهات عليا ودفعت الأموال للترويج للحساب.

الأحمد، المعني بنشر أسرار وتحليلات الوضع الداخلي في السعودية، يرى- وفقاً لما ذكره في تغريداته- أن الحساب اتخذ اسم أم سعود لكي لا يجذب الانتباه إلى كونه موجهاً من قبل المخابرات، مشيراً إلى أنه في الأيام المقبلة سوف تتضح حقيقته بتغريدات سياسية.

ولفت النظر إلى أن جريمة اغتيال خاشقجي غيرت السياسة التي تتبعها السلطة في الإعلام الموجه عبر “تويتر”، الذي وصفه بـ”المعركة” التي تدافع عن بن سلمان.

الأحمد واصل يقول إن النشاط الاستخباري الذي كان يعتمد على التغريد عبر تويتر من خلال مجموعة من المغردين بتوجيه من قبل سعود القحطاني، الذي عُرف أيضاً بلقب “دليم”، تعرض لصدمة قوية بعد الضربة التي تلقاها القحطاني، قائد هذا النشاط بتورطه في قضية خاشقجي.

وعليه؛ يجد الأحمد أنه بات من الضروري اتخاذ أساليب جديدة تساهم في قيادة الإعلام الداعم لولي العهد عبر “تويتر”، و”أم سعود” يندرج تحت هذا الإطار.

أما لماذا أم سعود؟ فيجيب الأحمد بأن المدافعين عن ولي العهد محمد بن سلمان لم يعد لديهم أي حجج مقنعة للدفاع بها عن ولي العهد، حتى من خلال الكتاب والمثقفين، بعد أن كشفت الأدلة بوضوح تورطه بانتهاكات وجرائم عديدة، أبرزها اغتيال خاشقجي؛ وعليه كان الاختيار بالاعتماد على شخصية بسيطة وشعبية تواجه ببساطتها الحقيقة.

توثيق حساب “أم سعود” جاء بعد أن أغلق “تويتر” مئات الحسابات الوهمية التي يعتقد بأنها “بوتات إنترنت” (web bots) تعيد تغريد حسابات تؤيد موقف الرياض في حادثة مقتل خاشقجي، والتي أثارت غضباً عالمياً، وأثرت سلباً على صورة المملكة.

والبوتات، أو “روبوتات الويب”، هي برامج تقوم بمهام تلقائية على الإنترنت، وأصبحت أداة يستخدمها ما بات يعرف بالذباب الإلكتروني لإعادة التغريد آلياً لمساندة أو مهاجمة قضية ما على منصات التواصل الاجتماعي.

وقدمت وكالة “إن بي سي نيوز” قائمة تضم مئات الحسابات جمعها المتخصص في تكنولوجيا المعلومات جوش روسيل، التي كانت تعيد تغريد المواقف التي نشرتها حسابات موالية للحكومة السعودية.

– القحطاني.. يد بن سلمان الطليقة
سعود القحطاني، المستشار في الديوان الملكي، الذي أقيل من منصبه في وقت سابق من نوفمبر الجاري، على خلفية تحقيق بتورطه في جريمة اغتيال خاشقجي، يواصل عمله بشكل سري، وهو “حرّ طليق”، بحسب ما كشفت “رويتر”، منتصف الشهر الجاري.

ونقلت الوكالة عن 4 مصادر من منطقة الخليج، هذا الأسبوع، أن القحطاني لم يوقَف، رغم إعلان خضوعه لتحقيقات سعودية.

وبحسب شلعان الشلعان، وكيل النيابة العامة السعودية، في تصريحاته للصحفيين منتصف نوفمبر الجاري، فإن القحطاني “التقى قائد المهمة (الخاصة باغتيال خاشقجي) وفريق التفاوض ليطلعهم على بعض المعلومات المفيدة للمهمة؛ بحكم تخصّصه الإعلامي واعتقاده أن المجنيّ عليه تلقّفته منظمات ودول معادية للمملكة، وأن وجوده في الخارج يشكّل خطراً على أمن الوطن، وحثّ الفريق على إقناعه بالرجوع، وأن ذلك يمثّل نجاحاً كبيراً للمهمة”، بحسب الشلعان.

وقال الشلعان: إن “المستشار السابق (سعود القحطاني) يتمثّل دوره بالتنسيق مع نائب رئيس الاستخبارات العامة”.

وأقرّت السعودية رسمياً بمقتل خاشقجي داخل قنصليتها في مدينة إسطنبول، وذلك في الوقت الذي كانت تصرّ فيه، على مدى 18 يوماً، أنه لم يُقتل وأنه خرج من القنصلية حياً.

وبالرجوع للقحطاني، يُعدّ الرجل اليد اليمنى لولي العهد السعودي، ومستشاره الأقرب في الكثير من القضايا الكبرى، إذ يعتمد عليه بن سلمان في تصفية خصومه.

وأحد أدلّة قرب القحطاني من ولي العهد واعتماد الأخير عليه، ما كشفه الكاتب الصحفي البريطاني، ديفيد هيرست، في مقال له نُشر في 25 يوليو 2017 على موقع ميدل إيست إي البريطاني، موضحاً كيف أسقط القحطاني محمد بن نايف من ولاية العهد لمصلحة بن سلمان.

من جهة أخرى، قال صديقان مقرّبان من الكاتب السعودي جمال خاشقجي، وفق ما نقلت صحيفة “واشنطن بوست”، إنَّه تلقّى مكالمتين هاتفيتين على الأقل من القحطاني، ينقل فيهما رسائل ودّية نيابة عن ولي العهد، فيما يبدو أنه محاولة لتطمينه أو استدراجه أو تحييده.

في إحدى المكالمتين التي أُجريت في سبتمبر من العام الماضي 2017، قال القحطاني إنَّ بن سلمان “سعيد للغاية” لرؤية خاشقجي ينشر رسالةً تُشيد بالمملكة بعد إعلان الحكومة السماح للنساء بقيادة السيارات، وفقاً لما ذكره أحد الصديقين الذي كان مع خاشقجي في ذلك الوقت، وقال إن نبرة المكالمة كانت لطيفة، لكنَّ خاشقجي قال للقحطاني كذلك إنَّه سيشيد بالحكومة عندما تُحدث “تطوّرات إيجابية، وسأنتقدها حين تقع أشياء سيئة”.

وأمضى خاشقجي بقية المكالمة مدافعاً عن منتقدي النظام الذين سُجنوا مؤخراً، وهو ما بدا أنه أغلق طرق استمالته من قبل القحطاني، وفقاً لواشنطن بوست.

الخليج أونلاين