نشر موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، تقريرا حذّر فيه من أن الطموحات النووية السعودية تدق أجراس الخطر بسبب تداعياتها السلبية على استقرار الشرق الأوسط، مشككا في قدرة الولايات المتحدة الأمريكية تحت قيادة الرئيس دونالد ترامب على مراقبة هذه الطموحات.

وقال التقرير: إنه “في تناقض حاد مع إيران وهويتها الثورية واتجاهاتها التي تصبو إلى التغيير، كانت السعودية تقليديا مؤيدة للنظام السائد وميزان الوضع الراهن في الشرق الأوسط”.

 

آثارها كبيرة بالمنطقة

وعن آثار تزويد السعودية بالتكنولوجيا النووية، أوضح التقرير: “يبدو أن هذا يتغير في عهد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي يتلقى دعما استثنائيا من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. سواء كانت البرامج النووية الصاروخية السعودية تستهدف تغيير الوضع الراهن لصالح الرياض، أو منع الآخرين من تغييره في غير صالحها، فإن هذه البرامج لها آثار إقليمية كبيرة”.

ومضى التقرير يقول: “في وقت سابق من هذا الشهر، كشف تيم كين، السناتور الديمقراطي عن ولاية فرجينيا، أن إدارة ترامب قد وافقت على نقل المعرفة النووية إلى السعودية 7 مرات، بما في ذلك مرتين بعد مقتل الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي في أوائل أكتوبر/تشرين الأول 2018″.

ووفقا للسناتور الأمريكي، تم السماح بإحدى عمليات النقل في 18 أكتوبر/أكتوبر الماضي، أي بعد 16 يوما فقط من التخلص من الصحفي جمال خاشقجي بوحشية داخل القنصلية السعودية في إسطنبول”.

ونقل التقرير عن “نيكولاس إل ميللر “، الأستاذ المتخصص في الشئون الحكومية في كلية دارتموث، قوله لـ”ميدل إيست آي”: “تسعى إدارة ترامب للتفاوض على اتفاق تعاون نووي يسمح للسعودية باستخدام التكنولوجيا الأمريكية لأغراض الطاقة، وليس الأسلحة النووية”.

وتابع ميلر، وهو مؤلف كتاب “وقف القنبلة: مصادر وفعالية سياسة عدم الانتشار الأمريكية”: “هناك قلق في الإدارة من أنه إذا لم يختر السعوديون الولايات المتحدة كمورد لهم، فسوف يلجؤون إلى كوريا الجنوبية أو روسيا أو الصين، الذين يميلون إلى فرض قيود أضعف على حظر الانتشار النووي في اتفاقاتهم”.

 

موافقة ترامب السرية

وبحسب تقرير “ميدل إيست آي”، فإن نهج ترامب الذي يركز على الربح في صنع السياسة الخارجية والسرية التي تحدث بها عمليات نقل التكنولوجيا النووية الأمريكية إلى الرياض، أثارت الشكوك حول عزم الولايات المتحدة أو حتى القدرة على مراقبة الطموحات النووية السعودية المحتملة.

وأشار التقرير إلى أنه “في أواخر مارس/آذار الماضي، كشفت وكالة رويترز عن موافقة إدارة ترامب سرا لـ 6 شركات أمريكية ببيع تكنولوجيا الطاقة الذرية إلى الرياض. في الوقت نفسه، يسعى السعوديون إلى تطوير برنامج صاروخي باليستي خاص بهم، على ما يبدو بمساعدة صينية”.

وأضاف الموقع: “في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، أظهرت صور الأقمار الصناعية التي التقطتها شركة بلانيت لابز الأمريكية ما يبدو أنه اختبارات صاروخية لمحركات الصواريخ الباليستية القادرة على حمل أسلحة نووية في قاعدة عسكرية بالقرب من مدينة الدوادمي، على بعد 230 كم غرب الرياض”.

وبعد أشهر عدة، في تقرير حصري نُشر في 5 يونيو/حزيران، قال تقرير الموقع، إن شبكة “سي أن أن” استشهدت بمصادر من المخابرات الأمريكية تزعم أن الرياض قد تقدمت بشكل كبير في برنامج الصواريخ بمساعدة الصين.

ولفت تقرير “ميدل إيست آي” إلى أن “هذا الكشف أثار غضب المشرعين الديمقراطيين بسبب امتناع البيت الأبيض عن مشاركتهم معرفته بهذا التطور عالي المخاطر حتى اكتشفوه من خارج القنوات الحكومية الأمريكية العادية”.

 

غض الطرف عن السعودية

ونقل عن ميلر، قوله: “تطوير السعودية للصواريخ الباليستية يتعارض مع سياسة الولايات المتحدة طويلة المدى في معارضة انتشار الصواريخ في المنطقة. لكن إدارة ترامب هادئة حتى الآن بشأن ردها حيال ذلك. يبدو أن هناك نمطا في هذه الإدارة يتمثل في غض الطرف عن السلوك السعودي الاستفزازي بسبب التركيز الكبير على إيران”.

واستطرد تقرير “ميدل إيست آي”، قائلا: “إلى جانب تحذيرات بن سلمان من أن المملكة سوف تسعى إلى امتلاك أسلحة ذرية إذا فعلت عدوتها الرئيسية إيران، فإن هذه الأنشطة الصاروخية والنووية المتزامنة والتي معظمها سرية تدق ناقوس الخطر في عواصم معينة في المنطقة، ناهيك عن طهران”.

ونقل الموقع عن المحلل السياسي المقيم في تركيا علي بكير، قوله لـ”ميدل إيست آي”: إن “وجود سعودية نووية يعني انتشارا نوويا في أكثر المناطق غير المستقرة والمتقلبة في العالم”.

وتابع بكير: “بالنظر إلى القيادة المتهورة في الرياض، فإن هذا تطور مثير للقلق بالنسبة للدول الصغيرة في الخليج على وجه الخصوص، والتي قد تسعى إما لمظلة نووية من القوى العظمى أو تفكر في بناء قدرات ردع موازية خاصة بها إذا أمكن ذلك”.

وردا على تقارير المحاولات السعودية الواضحة لامتلاك التقنية النووية، حذر المرشد الاعلى لإيران علي خامنئي، في خطابه بمناسبة رأس السنة الفارسية في 21 مارس/آذار الماضي، من أنه إذا قام السعوديون ببناء قدرة نووية بمساعدة أمريكية، “فسوف تقع في أيدي المقاتلين الإسلاميين في فترة ليست بعيدة”.

 

تعزيز الدعم للحوثيين

وبحسب التقرير، فإن تصريحات خامنئي تشير إلى أن طهران قد تعزز دعمها للمتمردين الحوثيين في اليمن إذا تصاعدت التوترات والأعمال العدائية أو اعتمدت الرياض سياسة تغيير اللعبة لترجيح توازن القوى الإقليمي لصالحها.

وأضاف “ميدل إيست آي” في تقريره، أنه “بعد ذلك بوقت قصير، حذر علي شمخاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، من أن الجمهورية الإسلامية قد تضطر إلى تعديل موقفها الدفاعي وإستراتيجيتها للأمن القومي ردا على المشاريع النووية المشبوهة في المنطقة”.

وقال شمخاني آنذاك: “تهديدات جديدة كهذه ستجبرنا على مراجعة إستراتيجيتنا القائمة على طبيعة وجغرافيا مثل هذه التهديدات والتنبؤ بمتطلبات بلادنا والقوات المسلحة”.

 

الخضوع لرقابة دولية

“في الوقت الذي تقترب فيه السعودية، وهي إحدى الدول الموقعة على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، من استكمال أول مفاعل نووي لها في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية بالقرب من الرياض، فقد قاومت حتى الآن نداءات الوكالة الدولية للطاقة الذرية لتنفيذ ضمانات متناسبة ونظام تفتيش يحول دون حدوث انحراف محتمل نحو التسليح”، بحسب التقرير.

ونقل الموقع عن “كيلسي دافنبورت”، مدير سياسة منع الانتشار النووي في جمعية الحد من التسلح، قوله: “السعودية تخضع حاليا لمراقبة أقل تدخلا من المفتشين الدوليين، لأن الرياض أبرمت ما يعرف باسم بروتوكول الكميات الصغيرة مع الوكالة”.

وتابع دافنبورت، قائلا: “تم تصميم بروتوكول الكميات الصغيرة لتبسيط الإجراءات الوقائية للدول التي لديها مواد نووية ضئيلة أو معدومة، لكنه لم يعد ملائما لتوسع البرنامج النووي السعودي”.

ويتفق معه في هذا الرأي تيتي إراستو، الباحث في برنامج نزع السلاح النووي بمعهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام. وقال: “من الناحية النظرية، يلتزم السعوديون باتفاق الضمانات الشاملة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، لكن في الممارسة العملية، لا يتم تطبيقه”.

وأضاف إراستو، أن “هذا لأن ما يسمى ببروتوكول الكميات الصغيرة – الذي يستثني الرياض من عمليات التفتيش – تم تطبيقه في الحالة السعودية، على أساس افتراض أن أنشطتها النووية ضئيلة”، لافتا إلى أنه “مع ذلك، فإن هذا يتغير بسبب خطط السعودية لتوسيع برنامجها النووي”.

 

شكوك من نوايا السعودية

وأشار إلى أنه “مع التصريحات المتكررة التي تثير مخاوف بشأن الانتشار النووي – على سبيل المثال فيما يتعلق بنية السعودية لمجاراة أي قدرة نووية إيرانية – أصبح تطبيق بروتوكول الكميات الصغيرة محل شك متزايد، وهناك حاجة ملحة لوضع معايير التحقق من وضع اتفاق الضمانات الشاملة للوكالة الدولية للطاقة الذرية موضع التنفيذ”.

ونقل الموقع عن دافنبورت، قوله: “السعودية مترددة في التخلي عن إنتاج المواد الانشطارية، ولم توافق بعد على آليات مراقبة وتحقق دولية أكثر تدخلا، وهددت بمتابعة الأسلحة النووية في الماضي، وتقوم ببناء برنامجها للصواريخ الباليستية”.

وأردف: “بالنظر إلى هذه العوامل، هناك أسباب مشروعة للقلق من أن المملكة تسعى إلى تطوير القدرات التقنية التي تسمح للرياض بمتابعة الأسلحة النووية بسرعة إذا تم اتخاذ القرار السياسي بالقيام بذلك”.

وبحسب التقرير، فإن بن سلمان الساخط من رد الفعل الغربي بشأن مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، بدأ في وضع البيض الإستراتيجي للمملكة فيما هو أكثر من سلة الغرب فقط.

وأوضح الموقع، أن “المملكة تعمل على تنويع تحالفاتها تدريجيا من خلال تعزيز العلاقات الوثيقة مع روسيا والصين. وفي الواقع، يبدو أن ولي العهد يستغل التهديد بالتعاون مع القوى المتنافسة من أجل المزيد من المصالح السعودية طويلة الأجل”.

ولفت “ميدل إيست آي” في تقريره إلى أن “هذا لا يبشر بالخير لأنه يثير احتمالات الانتشار النووي في الشرق الأوسط”.

 

تعامل مشروط

ونقل التقرير عن دافنبورت، قوله: “من التدابير الحاسمة لمنع السعودية من التحوط النووي، قيام جميع الدول بجعل التعاون النووي والصارخي في المستقبل مع الرياض مشروطا بتنفيذ ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية الصارمة – مثل تلك التي يتطلبها البروتوكول الإضافي النموذجي لاتفاق الضمانات الشاملة والتحقق من الأنشطة الموجهة نحو التسليح”.

وشدد دافنبورت على ضرورة أن “توضح الدول للسعودية، أن المجتمع الدولي لن يتسامح مع أي انحراف عن برنامج نووي سلمي، بما في ذلك التهديدات الكلامية بمتابعة الأسلحة النووية، وأن مثل هذه الأعمال ستؤدي إلى عواقب، مثل العقوبات”.