تعلن الكاتبة السعودية ريم سليمان من هولندا في حوار خاص مع الجزيرة نت عن عزمها على تأسيس مشروع يناصر قضايا الناشطات المعتقلات والمعنفات، ويدعم حقوق المرأة السعودية، وقد يتحقق ذلك قريبا بعد أن تهدأ نفسيّا بشكل جيد، كونها عانت من الاضطهاد ذاته، إبان حبسها في السجن بالسعودية.
وكان مقال بعنوان “المثقف بين أزمة السعودية وقطر” تسبب في حبس وتعذيب ريم سليمان، التي اشتهرت بكتابة مقالات في الصحف السعودية المحلية: الوئام، ومكة المكرمة، وأنحاء، حيث ركزت فيها على حقوق المرأة والدفاع عن وطنها المتهم بدعم الإرهاب.
وتستغرب ريم من أن المسؤول عادة يرى في المقال ما يستدعي محاسبة الكاتب ومعاقبته ومنعه من الكتابة، لكن مقال “المثقف بين أزمة السعودية وقطر” كان خطاب العقل في فترة غاب فيها العقل، وللتذكير بالقيم العربية، ودعوة للالتزام بها.
لكن هذه الدعوات، أو خطابا رشيدا كهذا، لم يكن يوائم خطاب الأزمة الخليجية، حيث كان المطلوب من الصحفيين أن يكونوا مشعلي أزمات، وليسوا مثقفين دعاة تهدئة وتفكير.
الإعتقال والسجن
نشرت ريم على صفحتها الخاصة بتويتر عددا من التغريدات عن حيثيات ما حدث منذ تلقيها اتصالا من شخص ادعى أنه مساعد سعود القحطاني (المستشار السابق في الديوان الملكي السعودي)، وطلب منها التوقف عن الكتابة.
ثم تعرضها للاعتقال والتحقيق حول كتاباتها وتغريداتها وطبيعة العلاقة بينها وبين الناشطات اللائي سبق أن اعتقلن، وغيرها من الأسئلة؛ كل ذلك وسط التهديد والتعذيب الذي تسبب لها في عاهة دائمة في كفها الأيسر.
صِرت أقوى
وعن قناعاتها التي تغيرت بسبب السجن، تقول ريم للجزيرة نت “التغيير الذي أحدثه السجن فيّ لم يصب قناعاتي التي تغيرت كثيرا وحسب، بل غيّر شخصيتي أيضا، صِرت أقوى من ذي قبل، وأستطيع مناهضة الظلم أمام نظام شمولي لا يتردد في التنكيل بمعارضيه، وعلى هذه الحالة، بدأت قناعاتي تتشكل بناء على تصورات أحدثتها تجربة السجن”.
التفكير في الانتحار
أثناء فترة احتجاز ريم، كانت تصلها أخبار المعتقلات من المحققين الذين يهددون بتعذيبها بالطرق والأساليب الوحشية نفسها التي تتعرض لها الناشطات الأخريات، لدرجة أنها فكرت في الانتحار من هول المعاناة.
وتعتبر ريم نفسها ضحية نظام شمولي، ولحالة من اللاقانون سيطرت على المشهد، وقبل ذلك هي ضحية مستشار ملكي فعل بها وبغيرها الأعاجيب.
حقوق المرأة نحو الأسوأ
وتوضح ريم للجزيرة نت أن “معاقبة الناشطات السعوديات في الفترة نفسها التي تشهد فيها السعودية انفتاحا غير مسبوق؛ حيث سمح بالاختلاط وإقامة الحفلات والمهرجانات وأشياء من هذا القبيل؛ وهو انفتاح لما يريده ولي العهد الأمير محمد بن سلمان؛ بدليل أن القضايا التي تتعلق بحقوق المرأة وحقوق الإنسان تتجه نحو الأسوأ، وتعيش المملكة حاليا حقبة قمع لم تشهدها منذ تأسيسها”.
وترى أنه يمكن حل أزمة الناشطات من قبل ولي الأمر بإطلاق إصلاح سياسي داخلي، لكنه -كما يبدو- لا يريد، لذلك فإن على المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية مسؤولية وواجب الدفاع عن المعتقلات والمعتقلين السعوديين، والضغط على الحكومة السعودية من أجل إطلاق سراحهم.
مرحلة “الإعلام البلطجي”
وترى ريم أن الإعلام السعودي شأنه شأن أي إعلام في أي دولة غير ديمقراطية، يعد مجرد صدى لصوت الحكومة، ويقول ما يؤمر به، ويمتنع عمّا يُنهى عنه.
ويؤسِف ريم انتقال الإعلام السعودي منذ النصف الثاني من عام 2017 من مرحلة الإعلام الذي يكتفي بطرح موقف الحكومة وينحاز له، إلى مرحلة “الإعلام البلطجي” الذي يحرض المواطنين على بعضهم، ويغذي مشاعر العداء والعصبية في المجتمع.
بالإضافة إلى ممارسة القمع الاجتماعي للشخصيات الوطنية عبر تشويه سمعتها، وهو ما رأيناه جليا بعد اعتقال الناشطين والناشطات، الذين اتهمهم الإعلام بالخيانة والعمالة للخارج، وفق الكاتبة اللاجئة.
المثقفون حادوا عن الصواب
الكثير من المثقفين حادوا عن الطريق الصحيح -حسب ريم- وانخرطوا في مهاترات رخيصة، وكانوا أداة رئيسية من أدوات تغييب الوعي والتضليل، والقليل منهم كان مصيرهم السجن بسبب الثبات على المبادئ والانحياز للقيم والأخلاق.
وتتطلب المرحلة الحرجة التي تمر بها السعودية من المثقف السعودي تبصير الناس وتوعيتهم، وعدم تضليلهم، خاصة بعد سيطرة اللامنطق على المشهدين السياسي والإعلامي منذ اندلاع الأزمة الخليجية، وفق الكاتبة السعودية.
لجوء ريم وهروب رهف
يختلف هروب السعودية رهف القنون بسبب معاناتها من العنف الأسري والاجتماعي عن هروب ريم الناتج عن الكلمة والرأي والقضية السياسية البحتة.
حيث تعيش ريم حاليا لاجئة سياسية في هولندا، وعن ذلك تقول “لو لم أكن مضطرة لما خرجت من بلدي.. بلادنا لا مثيل لها في العالم، لكنني خرجت كي أتمكن من إكمال حياتي، ومساندة زميلاتي المعتقلات، ولو عاد بي الزمن وبنفس الظروف التي مررت بها لكررت الفعلة. ولكن لو كانت الظروف مختلفة، ولو كانت البلاد على غير الحالة التي هي عليها اليوم، لما خرج منا أحد”.
تشويه صورتها
تكتب على صفحة ريم الشخصية في تويتر اتهامات وادعاءات كثيرة، ومنها أنها “طرش بحر” (مصطلح عُنصري يُطلق على المهاجرين المستوطنين في غرب السعودية)، أو أنها سورية، وغيرها من الكلمات العنصرية المسيئة.
كل ذلك من أجل تشويه صورتها والإساءة لها، مثلما فعلوا سابقا مع جمال خاشقجي وهتون فاسي وعمر بن عبد العزيز وغيرهم.
ونشر قصتها على تويتر كان عن قناعة تامة وليس لتحقيق انتصار شخصي. وما كتبته كان بهدف فضح الانتهاكات المروعة التي تُرتكب بحق الناشطات والناشطين، ومن أجل لفت أنظار العالم، وحتى لا تشعر بأنها خانت زميلاتها وزملاءها القابعين خلف القضبان.
مشروع لمناصرة السعوديات
تخاف ريم من أن تستمر حالة الاضطهاد والقمع داخل السعودية، وأن يظل اللامنطق مسيطرا على المشهد، وأن تبقى لجين وزميلاتها في السجن، وأن يبقى الآخرون تحت التعذيب والتنكيل.
ولن تشعر بالهدوء النفسي إلا بعد خروج معتقلي الرأي من السجون، وبعد توقف حملة القمع المسعورة ضد أبناء الوطن المخلصين، وعندما يستطيع الناس التعبير عن آرائهم بحرية، ويكون بلدها مكانا يأمن فيه المواطن على نفسه وكرامته وحريته وعرضه، حسب قولها.
وتفكر ريم حاليا في تأسيس مشروع يناصر قضايا الناشطات المعتقلات والمعنفات، ويدعم حقوق المرأة السعودية، وقد يتحقق ذلك قريبا بعد أن تهدأ نفسيّا بشكل جيد.