بقلم: د.أبو الجوائز، د.هدى الإبراهيم
يقول رجل الأعمال حاييم سابان أن ولي عهد المملكة محمد بن سلمان متردد في المسارعة بالتطبيع مع (إسرائيل) بسبب خوفه من أن إيران أو قطر أو حتى «شعبه هو» قد يقتلونه.
كانت معركة عين خفر -قرب قناة السويس- واحدة من المعارك البارزة التي جرت خلال حرب أكتوبر 1973، المعروفة أيضًا بحرب اليوم الكبير أو حرب أيام القضاء. تعتبر هذه المعركة إحدى أبرز المحطات في تلك الحرب بين القوات المصرية والإسرائيلية.
تمثلت معركة عين خفر في مواجهة بين القوات السعودية والإسرائيلية. حيث قامت القوات السعودية، بما في ذلك جنود مصريين ولبنانيين، بالصمود والتصدي للجيش الإسرائيلي المكون من عدة آلاف من الجنود. وذكرت تقاريرٌ أن عدد الجنود السعوديين المشاركين بلغ حوالي 8300 جندي.
تمركزت المعركة حول منطقة عين خفر قرب قناة السويس. واستمرت المعركة لمدة أربعة أيام من الاشتباكات والصمود. وقد أظهر الجنود السعوديين شجاعة كبيرة وصمدوا أمام التحديات الإسرائيلية.
في نهاية المعركة، حققت القوات السعودية النصر، وأُسِر 476 جنديًا إسرائيليًا، في حين استشهد 1784 جنديًا سعوديًا. تُعدُّ هذه المعركة إحدى النجاحات العسكرية للقوات المصرية والتحالف العربي في تلك الحرب، وقد ساهمت في تغيير الموازين على الساحة العسكرية والسياسية في المنطقة.
تم إصدار “نظام مقاطعة إسرائيل في المملكة العربية السعودية” في عهد الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود في 22 نوفمبر 1962 ميلادي، الموافق لـ25 جمادى الآخرة 1382 هجري. ينص هذا النظام على منع التعامل مع الكيانات والأفراد في إسرائيل و كان هدف هذا النظام التعبير عن التضامن مع القضية الفلسطينية ورفض الاعتراف بإسرائيل.
وفقًا لهذا النظام، فيتعين على الأفراد والكيانات السعودية عدم التعامل التجاري أو المالي مع الأفراد أو الشركات أو المؤسسات في إسرائيل. ويشمل ذلك منع الاستيراد والتصدير والاستثمار والتعاقدات وأي نشاط آخر يشير إلى توطيد العلاقات مع إسرائيل.
بالنسبة للأمثلة، يمكن ذكر:
- 1. القطاع المالي: منع البنوك والمؤسسات المالية السعودية من التعامل مع البنوك الإسرائيلية أو تقديم خدمات مالية للكيانات الإسرائيلية.
- 2. الشركات: عدم التعاقد مع الشركات الإسرائيلية لتنفيذ مشاريع أو توريد سلع.
- 3. التجارة: منع استيراد السلع من إسرائيل وعدم التصدير إليها.
- 4. الاتصالات والسفر: تقييد الاتصالات والسفر بين السعودية وإسرائيل.
كان نظام مقاطعة إسرائيل في السعودية تحركا سياسيا واقتصادي يهدف إلى عزل إسرائيل على المستويين الدولي والإقليمي، ويعود ذلك إلى الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وقضايا أخرى ذات صلة. وقد اعتمدت عدة دول وكيانات هذا القرار للتعبير عن دعمها للقضية الفلسطينية.
كانت السعودية واحدة من الدول التي اتخذت موقفًا حازمًا تجاه قضية إسرائيل. تأسست إسرائيل في عام 1948، ولاقت اعترافا دوليا محدود، مما أدى إلى اندلاع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. منذ ذلك الحين، رفضت السعودية التطبيع الكامل مع إسرائيل وأخذت تدعم حقوق الفلسطينيين بشكل فعّال.
ومن الأمثلة على الإجراءات التي اتخذتها الحكومة السعودية لمقاطعة إسرائيل:
– عدم التطبيع الدبلوماسي: حظر إقامة علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل، وعدم استقبال مسؤولين إسرائيليين على الأراضي السعودية.
– مقاطعة البضائع الإسرائيلية: منع دخول السلع والبضائع الإسرائيلية إلى السوق السعودية.
– دعم الجهود الدولية: تقديم الدعم للجهود الدولية التي تسعى إلى إحلال السلام في المنطقة وتحقيق حقوق الفلسطينيين.
– نشر وسائل الإعلام: استخدام وسائل الإعلام لتوعية الرأي العام بقضايا القانون الدولي وحقوق الإنسان المتعلقة بالنزاع.
يشكّل تطبيع العلاقات مع إسرائيل قضيةً حساسةً ومعقدة في السعودية. وقد يكون له تأثير متعدد الجوانب على ولاء أفراد الجيش في البلاد. حيث قدم الجيش السعودي شهداء في حربه مع الكيان الغاصب. ويمكن تقديم تحليل مفصل لهذا التأثير من خلال النظر في الجوانب السياسية والثقافية والدينية المتعلقة بهذا الموضوع.
فمن الناحية السياسية، لمعاناة الشعب الفلسطيني تاريخ طويل من القهر والنزوح وعدم التوصل إلى حل عادل وشامل، يرى البعض أن تطبيع العلاقات مع إسرائيل يمكن تفسيره على أنه تجاهل لهذه المعاناة، وتخلٍ عن دعم حقوق الفلسطينيين. على سبيل المثال، فقد يتمسك العديد من أفراد الجيش بمبدأ “المقاطعة” كأداة للضغط السلمي لدعم حقوق الفلسطينيين، ويرى بعضهم أن التطبيع يعني تجاوز هذه الدعوة.
كما يمكن أن يكون للمعتقدات الدينية أيضًا تأثيرًا كبيرًا في هذا السياق. فالإسلام يحث على دعم المظلومين والمستضعفين، وتجدر الإشارة إلى أنه يمكن أن ترمز القضية الفلسطينية لمظلومية أمة مسلمة. كما يمكن لبعض أفراد الجيش الذين يتمسكون بمبادئ دينية صارمة أن يشعروا بالتضامن الديني مع الفلسطينيين ويروجون لفكرة أن تطبيع العلاقات مع إسرائيل يتعارض مع تلك المبادئ.
يظهر أن هذا التطبيع يثير مجموعة متنوعة من القضايا والتحديات السياسية في الجيش السعودي. تتأثر آراؤهم بشكل كبير بقيمهم ومعتقداتهم وتوجهاتهم الدينية والثقافية. ويجب على الحكومة أن تأخذ بعين الاعتبار هذه التفاوتات في وجهات النظر، وأن تتناول القضية بحذر وشفافية للمساهمة في تهدئة التوترات وتقوية الوحدة الداخلية في الجيش والمجتمع.
أما من الناحية الثقافية، فيعتبر الانتماء الوطني والثقافي عنصرا حيويا في هوية أفراد الجيش في السعودية. يتجسد هذا الانتماء من خلال القيم والتقاليد والعادات التي يشتركون فيها كأعضاء في مجتمع واحد. ويمكن لتطبيع العلاقات مع إسرائيل أن يؤثر بشكل مباشر على هذا الانتماء ويثير تساؤلات واضحة حول تأثيره على الهوية الوطنية والقيم المحلية.
فعلى سبيل المثال، كان السعوديون قديما يرون القضية الفلسطينية كجزء من تفاعلهم للمحافظة على القيم والمبادئ الإسلامية والعربية. وقد يتساءل بعض أفراد الجيش عما إذا كان التطبيع يشكل تحولًا في هذه المفاهيم، وهل سيؤثر على ولاءهم للقيم الوطنية والثقافية التي نشأوا وتربوا عليها. يمكن أن تثير هذه التساؤلات شكوكًا بشأن التناغم بين هذا قرار التطبيع والهوية الوطنية السعودية.
كما قد ينتج عن هذه التساؤلات تشكيل تيارات داخل الجيش تعبر عن القلق بشأن العواقب الثقافية لتطبيع العلاقات. كما أنه قد ينتج توتر بين أفرادٍ يرون أن هذا التطبيع يهدد بالتأثير على ثقافتهم وهويتهم، وآخرون يرون أن القرار مجرد تطور سياسي لا يؤثر على جوانب الهوية الثقافية.
أما من الناحية الدينية، فلا نغفل عن ذكر تصريح لشبكة CNN الأمريكية في يناير من العام 2020 الذي كشف فيه الصهيوني جاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وأحد مستشاريه السابقين عن سر اعتقال العلماء والمشايخ في السعودية. وقال كوشنر في تصريحه:”نحن براغماتيون وواقعيون, وأنا أصب تركيزي على الوفاء بوعود كثيرة هنا لأميركا، هذا الأمر مهم لأن هذا النزاع استُغل في تفشي الإرهاب في المنطقة لوقت طويل”. وأضاف كوشنر:” نحن نفذناً عملاً جيداً بتطهير الكثير من المساجد واستعادة الإيديولوجيا بالعمل مع شركائنا لضمان ذلك.” وتابع: “ما فعلناه اليوم يسمح لإسرائيل بتطبيع العلاقات مع العالم العربي”.
يمكن تفسير تأثير تطبيع العلاقات مع إسرائيل على ولاء أفراد الجيش في السعودية من خلال الاعتبارات الدينية المرتبطة بالقضية الفلسطينية. يُعتبر العديد من أفراد الجيش، أصحاب التوجهات الدينية القوية، أن قضية الفلسطينيين ومعاناتهم في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي جزءًا من واجبهم الديني. إذ يتعارض لديهم دعم الظالمين ومظهري القهر مع مبادئ التضامن والعدالة التي يحث عليها الإسلام.
على سبيل المثال، يرتبط مفهوم “الأمة الإسلامية” بتعدد أمة واحدة، حيث يُعتبر المسلمون في مختلف البلدان جزءًا من هذه الأمة. ولذلك، فقد يعتبر البعض أن التضامن مع المظلومين والدعوة إلى تحقيق العدالة والحقوق جزءًا من مسؤوليتهم الدينية تجاه الأمة. وفي هذا السياق، فهم يرون أن تطبيع العلاقات مع إسرائيل يمكن أن يفسر على أنه تخلٍ عن هذه المسؤولية والالتفاف عن دعم الفلسطينيين ومعاناتهم. وما سجن العلماء إلا وسيلة يتم بها إسكات الأصوات التي تدعو إلى الامتناع عن التطبيع مع اسرائيل.
وقد يؤدي هذا التصور الديني إلى تصاعد التوتر الداخلي بين أفراد الجيش. ويمكن لبعض العناصر الدينية داخل الجيش أن ترفض تطبيع العلاقات مع إسرائيل بشدة، معتبرين أن ذلك يتعارض مع قيمهم ومعتقداتهم الدينية. قد يؤثر هذا الانقسام في الرؤى على وحدة الجيش ويلقي بظلاله على قدرته في تنفيذ مهامه.
قد تحاول الحكومة -في جهودها للتخفيف من هذه الآثار- تركيز الجهود لشرح الموقف الرسمي بوضوح، وتسليط الضوء على الجوانب الإيجابية والفوائد المتوقعة من تطبيع العلاقات، مع التأكيد على أنها اتخذت القرارات بناءً على مصلحة البلاد بشكل عام. إن تشجيع الحوار المفتوح وتوفير مساحات للمناقشة والتعبير عن الآراء المتنوعة قد يسهم في تهدئة التوترات وتقليل تأثير التقارب مع إسرائيل على وحدة الجيش والمجتمع بشكلٍ عام.
أما عن تأثير هذه القضية على ولاء أفراد الجيش، فقد يتراوح بين الاضطراب والاختلاف في الرأي وصولا إلى الانشقاقات. وقد يؤدي ذلك إلى زيادة التوتر داخل القوات المسلحة وتقويض الوحدة الداخلية.