لماذا تتجه السعودية لتحمل كلفة بمليارات الدولارات كي تصبح مركزا عالميا لأهم الأحداث الرياضية الكبرى بمختلف أنواعها؟
سؤال قدم الباحث بمعهد الشرق الأوسط التابع لجامعة سنغافورة الوطنية “جيمس دورسي” مقاربة للإجابة عليه بعدما أضحت المملكة وجهة لبطولات كبرى مثل رالي داكار، وفورمولا 1، وأكبر نزالات الملاكمة وبطولات كرة القدم، وأخيرًا إعلانها المهم عن استضافة دورة الألعاب الآسيوية الشتوية في تروجينا بمنطقة نيوم.
وذكر “دورسي” أن اهتمام الرياض برعاية أو استضافة بطولات وأنشطة رياضية مرده الرغبة في مواكبة انفتاح المنطقة على العالم أكثر منها رغبة في صرف الانتباه عن حقوق الإنسان والانتهاكات التي تحدث في هذا المجال داخل المملكة، حسبما أوردت صحيفة “تايمز” البريطانية.
وفي سبيل تحقيق ذلك لا تمانع السعودية، في ظل حاكمها الفعلي، ولي العهد الأمير “محمد بن سلمان”، باستغلال صندق الاستثمارات السعودي الذي يضم في داخله ثروات مادية مذهلة تقدر بأكثر من 500 مليار دولار أمريكي، بحسب “دورسي”.
وأوضح مؤلف كتاب “عالم كرة القدم المضطرب في الشرق الأوسط” أن اهتمام السعودية المفاجئ لا يدور حول الغسيل الرياضي بقدر ما يدور حول مفهوم “القوة الناعمة”، مشيرا إلى أن نقطة التحول كانت عندما تسلم “بن سلمان” منصب ولاية العهد في يونيو/حزيران من العام 2017.
وأشار “دورسي” إلى أن “بن سلمان” ينظر إلى ما حققته دولة قطر المجاورة في استضافة بطولة العالم لألعاب القوى في عام 2019، وقرب استضافتها نهائيات مونديال كرة القدم للرجال في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الجاري.
ولفت إلى أن الإشارة الأولى لاهتمام الرياض بعالم الرياضة الدولي كانت في أوائل عام 2018، عندما حاول رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، “جياني إنفانتينو”، المضي قدمًا في المقترحات الخاصة بكأس العالم للأندية المكونة من 24 فريقًا، وذلك بتمويل يبلغ 25 مليار دولار لمدة 12 عامًا من قبل شركة “سوفت بانك” اليابانية، التي يشكل صندوق الاستثمارات العامة السعودي الداعم الرئيسي لها.
وأتت هذه المقترحات في أعقاب اجتماعات بين “إنفانتينو” و”بن سلمان”، لكن الخطة توقفت بعد أن عرقلها الاتحاد الأوروبي لكرة القدم “يويفا”.
ومع ذلك، ظلت السعودية في بؤرة اهتمامات “إنفانتينو”؛ حيث دعمت اقتراحه بشأن تنظيم بطولة كأس العالم كل عامين عوضا عن إقامتها مرة كل 4 سنوات، ولكن تلك الفكرة أيضا باءت بالفشل كما حدث مع سابقتها المتعلقة بمونديال الأندية.
وهنا يشير “دورسي” إلى أن “السعوديين يريدون أن يُنظر إليهم بأي ثمن، على أنهم المحور المركزي للشرق الأوسط ومنطقة الخليج على وجه الخصوص، وأنهم يريدون أن يكونوا مركزًا دوليا للرياضة، وبالتالي يعتبر الغسيل الرياضي جانبًا ثانويًا مقارنة بالحديث عن محاولة تحسين سمعة المملكة في مجال حقوق الإنسان”.
ومع ذلك يؤكد “دورسي” أن “عمليات الإعدام الجماعية الأخيرة وانتهاكات حقوق الإنسان والقتل المروع للصحفي جمال خاشقجي في اسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول 2018 تعني أن السعوديين يواجهون مشكلة صعبة في السمعة”.
فيما يصر مستشارو وزارة الرياضة السعودية على أن استراتيجية بلادهم لا تتعلق بالقوة الناعمة أو الغسيل الرياضي، بل بـ”رؤية الرياضة كوسيلة لانفتاح هذا المجتمع المحافظ، واحتضان العالم الخارجي، وتطوير السياحة وتشجيع الأنشطة الاجتماعية بين السكان المحليين”.
ويقول المستشارون إن المحور الآخر للاستراتيجية هو استخدام صندوق الاستثمارات العامة للاستثمار في الفرص التي يمكن أن تعود بأرباح طويلة الأجل، مثل الاستحواذ على نادي نيوكاسل وإقامة بطولة “إل آي في” الدولية للجولف.
وكلف السعودية رعاية جولة “إل آي في” الدولية في بطولة الجولف أكثر من 2 مليار دولار دون أن يكون هناك خطة واضحة لكيفية تعويض هذا الاستثمار الكبير.
ومنذ العام 2018، كان الاستثمار الرياضي في السعودية لا مثيل له من قبل أي دولة أخرى؛ حيث جرى تنظيم مباريات الملاكمة، وسباق الفورمولا 1 في العام الماضي وبطولات الجولف، ومباريات كرة القدم العالمية، بما في ذلك بطولتي كأس السوبر الإيطالي والإسباني.
وعزز صندوق الاستثمارات العامة السعودي مسيرته، العام الماضي، من خلال الاستحواذ على نادي نيوكاسل يونايتد الإجليزي، ومن ثم تفجير ثورة في عالم الجولف من خلال رعاية البطولة الجديدة “إل آي في”.