في خطوة مفاجئة وغير متوقعة، أعلن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي تشكيل مجلس قيادة رئاسي ونقل صلاحياته إليه لاستكمال تنفيذ مهام المرحلة الانتقالية في اليمن.
كما أعفى نائبه علي محسن الأحمر من منصبه، في خطوة يُعتقد أنها جرت بضغوط من السعودية، التي تستضيف مشاورات يمنية في العاصمة الرياض.
وبث التلفزيون اليمني كلمة مقتضبة للرئيس هادي، قال فيها: “أفوض مجلس القيادة الرئاسي بموجب هذا الإعلان تفويضا لا رجعة فيه بكامل صلاحياتي وفق الدستور والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية”.
وبموجب القرار، الذي تلاه وزير الإعلام والثقافة والسياحة معمر الإرياني على التلفزيون الرسمي في 7 أبريل/نيسان 2022، يختص مجلس القيادة الرئاسي، الذي سيرأسه رشاد العليمي والمكون من سبعة أعضاء، بكل صلاحيات نائب الرئيس.
ويضم المجلس إلى جانب رئيسه كلا من، سلطان العرادة، وطارق صالح، وعبد الرحمن أبو زرعة، وعبد الله العليمي، وعثمان مجلي، وعيدروس الزبيدي، وفرج البحسني.
وسيضطلع بمهام إدارة الدولة سياسيا وعسكريا وأمنيا طوال المرحلة الانتقالية ويضم المجلس الرئاسي شخصيات من المجلس الانتقالي الجنوبي المؤيد للانفصال عن شمال البلاد.
وكلف هادي أيضا مجلس القيادة الرئاسي بـ”التفاوض مع الحوثيين لوقف إطلاق نار دائم في أنحاء الجمهورية كافة والجلوس على طاولة المفاوضات للتوصل إلى حل سياسي نهائي وشامل يتضمن مرحلة انتقالية تنقل اليمن من حالة الحرب إلى السلام”.
ورحبت السعودية بالقرار وأتبعت الخطوة بالإعلان عن تقديم دعم للاقتصاد اليمني بقيمة ثلاثة مليارات دولار، بالشراكة مع الإمارات.
تحولات دراماتيكية
وكان الرئيس اليمني، الذي أنهى أواخر فبراير/شباط 2022، عشرة أعوام في حكم اليمن، يرفض المساس بمنصبه في النقاشات الخاصة كافة بعملية السلام.
ودائما ما كان يربط أي حلول مقترحة بالمرجعيات الثلاث التي تمنحه الشرعية الدستورية باعتباره رئيسا منتخبا لليمن، على الرغم من توليه رئاسة اليمن في انتخابات صورية، كان فيها المرشح التوافقي الوحيد.
وتأتي هذه الخطوة فيما يزال هادي يقيم في العاصمة السعودية الرياض للعام الثامن على التوالي، بعد فراره إليها بسبب سيطرة مليشيا الحوثي على العاصمة صنعاء وإسقاط مؤسسات الدولة بقوة السلاح في 21 سبتمبر/أيلول 2014.
وجاء الإعلان عن نقل السلطة عشية الموعد المفترض لختام مشاورات الرياض، التي كان من المقرر أن يجرى في وقت لاحق من 7 أبريل.
ووصف أحد أعضاء مشاورات الرياض رفض الكشف عن اسمه، القرار بالمفاجئ وأنه تحول غير متوقع في مسار العملية السياسية والأحداث في اليمن.
وقال في حديث لـ”الاستقلال” إن “المتشاورين دخلوا في جدل حاد حول طريقة تقليص صلاحيات الرئيس هادي”.
وأضاف أن “النقاشات دارت حول تعيين نائبين لهادي وعزل نائبه الفريق علي محسن الأحمر أو تعيين نائب توافقي ولم يعلم أحد تفاصيل هذه الخطوة المفاجئة”.
وكان مجلس التعاون أعلن في 17 مارس/ آذار 2022، عن إطلاق مبادرة لاستضافة مشاورات يمنية-يمنية تحتضنها العاصمة السعودية الرياض في 29 من الشهر نفسه، من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار.
وكان المحور السياسي قد تصدر مشهد المشاورات اليمنية بالرياض، حيث طرحت الأحزاب السياسية والقوى الفاعلة مقترحات مختلفة لإصلاح منظومة الشرعية.
وشهدت جلسات المحور السياسي في المشاورات، احتدام النقاش بشأن تعديل هيئة الرئاسة اليمنية.
وبحسب مصادر مطلعة، قدم المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا، مقترحا لتعيين نائبين للرئيس أحدهما من الجنوب والآخر من الشمال.
فيما قدم التنظيم الوحدوي الناصري مقترحا آخر باختيار نائب توافقي، فيما رفض حزب الإصلاح تغيير النائب الحالي الفريق علي محسن، واعتبر ذلك مخالفة للدستور.
وتتضمن الحلول المطروحة في المسار العسكري والأمني الأكثر ارتباطا بالمحور السياسي، تعيين هيئة من الضباط العسكريين الأكفاء لمعالجة الاختلالات في وزارة الدفاع وإنهاء الانقسام في القوات العسكرية على الأرض وتوحيد الجيش وتأهيله على أعلى المستويات.
وكانت مصادر مطلعة كشفت، عن ضغوط كبيرة تمارس على عبدربه منصور هادي، للقبول بتشكيل مجلس رئاسي ونقل جزء من صلاحيات الرئيس للمجلس.
مخالفة دستورية
ويرى متابعون للشأن اليمني، أن قرار تشكيل المجلس الرئاسي في اليمن خطوة تخالف القوانين ودستور الجمهورية اليمنية.
ووصف عادل الشجاع القيادي بحزب المؤتمر الشعبي العام، الذي ينتمي له رئيس المجلس الرئاسي الجديد، القرار بالمخالفة الدستورية، وأنه مخطط لتصفية الشرعية.
وأضاف في منشور على حسابه في “فيسبوك” أن قرار هادي بنقل سلطته إلى مجلس قيادي مخالف للدستور.
ولذلك ختم هادي قراره بالقول: يلغي هذا الإعلان ما يتعارض مع أحكامه من مواد الدستور والقوانين أي أنه تم إلغاء الدستور لكي يمرروا هذا المجلس، وفق الشجاع.
وأردف الشجاع: “طالما لم يعد هناك دستور ولا قوانين، فما هي المرجعية التي ستحكم الفرقاء المختلفين أصلا على الوحدة والسيادة الوطنية والجمهورية؟”
من جانبه، يرى الصحفي والكاتب اليمني مصطفى راجح، أن “مجلس القيادة اللادستوري هو المسمار الأخير في نعش الشرعية وأن كل القوى أصبحت الآن انقلابية وقوى أمر واقع، على اختلاف منطلقاتها وأهدافها”.
وأضاف في سلسلة منشورات على حسابه في “فيسبوك” أنه “كان الأجدى تعيين نائب واحد بدل علي محسن المقال أما تعيين مجلس قيادة يؤدي مهام نائب الرئيس يمثل انقلابا كاملا على دستور الجمهورية اليمنية واتفاقية نقل السلطة (المبادرة الخليجية)”.
وأضاف راجح، “هادي أسقط الدولة والسيادة والشرعية والدستور، وفوقها كلها سيجلس رئيسا فوق مجلس القيادة الذي لا علاقة بدستور الجمهورية اليمنية النافذ!” نقل الصلاحيات لا يعني انتفاء وجوده كرئيس”.
وبحسب مراقبين فإن تشكيل مجلس رئاسي من شخصيات متناقضة وغالبيتها تدين بالولاء المطلق للإقليم يفتح الباب أمام الصراعات ما لم يكن هناك رؤية واضحة.
وعلق وزير النقل السابق صالح الجبواني على القرار قائلا، “أوصل تحالف السعودية-الإمارات الشرعية إلى مرحلة الإهلاك الكامل ثم الانقلاب عليها ومركزه قادة مليشياتهما في مجلس رئاسي غير دستوري يقود الدولة”.
وأضاف في تغريدة على حسابه بموقع “تويتر” هذا المجلس سيشرعن للكانتونات القائمة ويقود عملية تفكيك البلد وصولا لمرحلة التقسيم اللاحقة إن لم ينفجر قبل إتمام هذه العملية لعدم تجانسه”.
تحركات غامضة
وبحسب مصادر مطلعة، سبق قرار الرئيس اليمني بتشكيل مجلس رئاسي سلسلة من الاجتماعات واللقاءات كان أهمها اجتماعه بمجلس الدفاع الوطني ولقائه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بالعاصمة السعودية الرياض.
وقبل صدور القرار، تزايدت الشكوك حول وجود مخطط غامض بعد الاستدعاء المفاجئ لمحافظ مأرب الشيخ سلطان العرادة إلى الرياض، ونقله على متن طائرة سعودية بعد اعتذاره عن عدم الحضور قبيل انطلاق مشاورات الرياض.
وكان العرادة قد رفض المشاركة في افتتاح المشاورات تحت مبرر التهديدات الحوثية الدائمة على تخوم محافظة مأرب الغنية بالنفط.
ليتفاجأ الجميع بتعيينه ضمن مجلس الرئاسة بمرتبة نائب رئيس إلى جانب اللواء فرج البحسني محافظ حضرموت قائد للمنطقة العسكرية الثانية.
وأيضا عثمان مجلي عضو البرلمان عن حزب المؤتمر ووزير الدولة والزراعة السابق المقرب من السعودية، بالإضافة إلى عبد الله العليمي مدير مكتب الرئيس هادي.
وضُم إلى المجلس رئس المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عيدروس الزبيدي وقائد المقاومة الوطنية طارق محمد عبدالله صالح نجل ابن شقيق الرئيس الراحل علي صالح وقائد ألوية العمالقة ذات التوجه السلفي والموالية للإمارات عبدالرحمن أبو زرعة المحرمي.
ويٌعد رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي، أحد أبرز مستشاري الرئيس هادي منذ العام 2014.
وقبل ذلك، كان أحد أبرز وجوه النظام السابق، عندما تقلد مناصب أمنية واستخباراتية رفيعة منذ 2000 وحتى العام 2011 عندما نجا من انفجار جامع دار الرئاسة بصنعاء، استهدف الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح وكبار قيادات الدولة.
ومن المقرر أن يؤدي رئيس المجلس الرئاسي اليمين الدستورية أمام مجلس النواب اليمني، في العاصمة المؤقتة عدن خلال الأيام القادمة.
وفتحت مشاورات الرياض، نافذة أمل في جدار الحرب التي دخلت عامها الثامن، لتمنح فرقاء اليمن وقواها فرصة إذابة جليد خلافاتهم وتصويب مسار المعركة المقبلة للسلم أو للحرب في حال استمر الحوثيون برفض مساعي السلام، بحسب رأي الكثير من اليمنيين.