نشأت “أسماء أكتر” في أسرة فقيرة، شمال وسط بنجلاديش النائية، وأنفقت مبلغا ضخما بالنسبة لوضعها، 80 ألف تاكا بنغلاديشي (950 دولارا) للسفر إلى السعودية والعمل خادمة، سعيا لتحقيق حلمها في الهروب من الفقر.
هاجرت “أكتر” (25 عاما) أملا في كسب ما يكفي من المال، لضمان مستقبل جيد لابنتها البالغة من العمر 4 أعوام، بعد أن قيل لها إن أجرها الشهري سيكون 25 ألف تاكا (300 دولار)، وشجعها زوجها “أشرفول”، على الخطوة.
لكن في أبريل/نيسان 2018، أي بعد أيام قليلة من السفر إلى الرياض، قالت “أكتر” إن حلم السفر تحول إلى كابوس، حيث وجدت نفسها تقوم بأعمال مضنية لمدة 15-16 ساعة يوميا، وتتعرض لاعتداءات جسدية.
وأضافت، والدموع تنهمر من عينيها أنها بعد بضعة أيام، تعرضت للتحرش على يد الابن الأكبر لمالك المنزل، ثم صهره، واستمر الثلاثي في اغتصابها كلما سنحت لهم الفرصة.
وتابعت: “لقد بحت بهذا الأمر لنساء من أفراد الأسرة، لكنهن لم يصدقنني.. وبدلا من ذلك، عذبنني بشدة.. واستمر هذا حتى أصبحت حُبلى”.
ولم تنته محنة “أكتر” عند هذا الحد، فبعد تمكنها من الفرار ووصولها إلى سفارة بلدها في الرياض بمساعدة أحد المارة، رفض زوجها الرضيعة الناتجة عن الاغتصاب.
وأردفت “أكتر”: “بقيت في ملجأ السفارة الآمن لمدة ثلاثة أشهر، قبل أن أعود إلى منزلي في يناير/كانون الثاني 2019، وعندما عدت لم يقبل زوجي الرضيعة وتركنا”.
وفي الوقت الراهن تكافح “أكتر” وحدها مع ابنتيها للبقاء على قيد الحياة في مجتمع، حيث تخلى عنها جيرانها، وكذلك أقاربها، وأولهم زوجها الذي كان شجعها في السابق على السفر إلى السعودية.
حالات متكررة
وذكرت منظمة “براك”، وهي غير حكومية تعمل مع العمال المهاجرين البنجال، أنه خلال السنوات الأربع الماضية، عادت 9 آلاف عاملة بنجالية من السعودية، معظمهن يحكي عن التعذيب الجسدي والاعتداء الجنسي مثل “أكتر”.
وقال “شاريفول إسلام حسن”، رئيس برنامج الهجرة في المنظمة، لـ”الأناضول”، إنه خلال هذه الفترة “أعيدت 152 جثة من السعودية، بينهن 66 أقدمن على الانتحار، دون أي معاقبة للمتسبب في ذلك الوضع”.
وأضاف: “جميع العاملات تقريبا عدن بأيد فارغة، والعديد منهن ليس معهن سوى الثوب الذي ترتدينه”.
وتابع: “لقد وجدنا أن العديد من النساء في مطار دكا ما زالت تحمل أجسادهن آثار ندوب التعذيب الجسدي”، لافتا إلى أنه لا توجد وكالات توظيف أو وزارات معنية تستقبل النساء المصابات بصدمات نفسية.
وخلال الفترة من يناير/كانون الثاني إلى أكتوبر/تشرين الأول الماضيين، عادت 950 عاملة على الأقل من السعودية، والكثيرات منهن يحكين عن تعرضهن للاعتداء الجنسي، في حين بلغ العدد الإجمالي عام 2018، ألفا و365، وفقًا لمنظمة “براك”.
ولم يختلف الحال كثيرًا، بالنسبة لـ”شهناج بيجوم” (40 عاما)، التي عادت من السعودية في يناير/كانون الثاني 2018، بعد أن عملت في أحد المنازل بالرياض لمدة 8 أشهر.
وقالت “بيجوم” لـ”الأناضول”: “لم يدفع صاحب العمل السعودي لي بنسا واحدا، حيث ادعوا أنهم اشتروني من وكيل توظيف مقابل 450 ألف تاكا بنغلاديشي (5300 دولار) على أنني عبدة دائمة”.
وأضافت: “كنت مضطرة للعمل منذ الصباح الباكر وحتى منتصف الليل، لكنهم يعذبوني بالعصي في حالة ارتكاب أخطاء بسيطة”.
وتابعت: “في أحد الأيام سنحت لي فرصة وهربت، عندما كنت أركض في الشارع، أخذني بعض البنجال إلى سفارة بنجلاديش.. ومكثت هناك لمدة 45 يوما”.
ومتحسرة على مصيرها المؤسف، قالت “بيجوم” وهي أم لأربعة: “لقد أصبحت مثقلة الآن بالقروض الثقيلة”.
أرقام رسمية
من جهتها، أفادت وزارة رعاية المغتربين والتوظيف بالخارج في بنجلاديش، بأن أكثر من 300 ألف عاملة منزلية من بنجلاديش سافرن إلى السعودية منذ 1991.
وفي هذا الصدد قالت “سيدة شهانا باري”، السكرتير الإضافي لوزارة رعاية المغتربين والتوظيف بالخارج: “نحن بحاجة إلى مبادرات مشتركة لحل المشكلة”.
وأضافت لـ”الأناضول”: “يجب على وكالات التوظيف تصدير القوى العاملة النسائية على أساس المتطلبات.. كما ينبغي تعليم النساء الحد الأدنى فيما يتعلق بمهارات اللغة العربية، والثقافة، وأسلوب الطهي السعودي قبل السفر”.
تدابير عقابية
بدوره، أخطر “عمران أحمد”، وزير رعاية المغتربين والتوظيف في الخارج في بنجلاديش، البرلمان، الثلاثاء من الأسبوع الماضي، أن الوزارة “ألغت تراخيص ثلاث وكالات توظيف، بينما أوقفت العمل بتراخيص 160 وكالة بسبب مخالفات”.
وأضاف في إفادة برلمانية،: “لقد فرضنا أيضا غرامة على بعض الوكالات لارتكاب مخالفات”، لافتا إلى أن الحكومة لن تتسامح مع أي مخالفات بشأن سفر النساء إلى السعودية.
استمرار سوق العمل
وقال “مشرف حسين باتواري”، صاحب وكالة “المأمون” للتوظيف بالخارج، إن وكالات التزييف “لا تدعم أبدا الاعتداء الجنسي أو غيره من أشكال الإساءة إلى أي امرأة”.
غير أنه شدد، في حديثه لـ”الأناضول”، على “ضرورة الحفاظ على سلاسة سوق العمل في السعودية من أجل مصالح البلاد العليا”.
واعتبر أنه ينبغي على الوزارة ذات الصلة، ووكالات التوظيف وسفارة بنجلاديش، العمل معًا لطرح القضية أمام السلطات السعودية.
لكن بعض الجماعات الاجتماعية والثقافية والسياسية والناشطين، يطالبون بوقف تدفق العاملات إلى المملكة.
وفي مؤتمر صحفي الأسبوع الماضي بدكا، قال وزير الخارجية “عبدالقادر عبدالمؤمن”، إن بلاده “فتحت خطوطا ساخنة وتدير ملاجئ آمنة للعاملات في الخارج”.
وشدد الوزير على ضرورة إجراء عمليات التسجيل بشكل صحيح قبل إرسال العاملات إلى السعودية.
وأردف: “لا يوجد حتى الآن وكالة توظيف تحتفظ بنظم تسجيل للعاملات. لقد أمرناهم بالاحتفاظ بنظم تسجيل مفصلة حتى نتمكن من مراقبتهم بسهولة وتقديم الخدمات عند الحاجة”.
من جهتها، تؤكد الحكومة السعودية أنها تولي اهتماما خاصا بوضع العمالة المنزلية المستقدمة للمملكة لاسيما العاملات.
وفي هذا الشأن، وقعت الرياض اتفاقيات ركزت في المقام الأول على الحقوق المادية للعاملين المنزليين وآليات الاستقدام.
وفي 2015، اتفقت الرياض ودكا على ضبط تكاليف الاستقدام ومراقبتها عن طريق برنامج “مساند”، بحسب صحيفة “الرياض” السعودية.
وتهتم بنجلاديش – التي تعد من أفقر بلدان العالم – بعمالتها في الخارج، حيث تعد الحوالات المالية التي يرسلها المغتربون ثاني أكبر مصدر دخل لاقتصاد البلاد بعد صناعة الملابس.
واستحوذت الجنسية البنجالية على أكثر طلبات استقدام العمالة المنزلية الأجنبية في السعودية، بنسبة تتجاوز 21%، تلتها الجنسية الفلبينية بـ20%، بحسب أحدث تقرير شهري صدر في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عن برنامج “مساند” (منصة إلكترونية سعودية تسهل إجراءات استقدام العمالة تحت إشراف وزارة العمل).