تقرير خاص
مثل الصعود المفاجئ والمدوي لولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” في أروقة الحكم داخل العائلة المالكة السعودية، تدشينًا لحقبة سياسية واقتصادية جديدة في تاريخ المملكة منذ تأسيسها، فمنذ قدوم “ابن سلمان” كولي للعهد في يونيه 2017 وبدء مسلسل التنازلات التي أضعفت من دور المملكة إقليميًا ودوليًا، سياسيًا واقتصاديًا.
ولهذا المسلسل أدوار وحلقات، بعضها كان بشكل مباشر، والآخر تم بداخل أروقة الحكم دون أن يعلم عنه أحد؛ وإن كان تم تسريب أخباره، ليتأكد للمراقب للشأن العام السعودي أن “ابن سلمان” جدير بأن يحوز لقب “رجل التنازلات”!
التنازل الأول:
يعد التنازل الأول والأخطر الذي أقدم عليه “ابن سلمان” بعد شهور قليلة من توليه ولاية العهد، هو تغيير الرؤية الاستراتيجية للمملكة من القضية الفلسطينية، وطريقة التعامل مع الكيان الصهيوني.
فبعد أن كانت السياسية العامة السعودية – المعلن منها -، قائمة على تبني القضية الفلسطينية وعدم وجود أي علاقات مع الكيان الصهيوني، سعى “ابن سلمان” عقب توليه ولاية العهد إلى بث رسائل تحمل نبرة جديدة للغرب وخصوصًا الولايات المتحدة، التي رأى فيها “ابن سلمان” داعما كبيرا لتوليه الحكم داخليًا وخارجيًا، فسعى إلى نيل رضاها بكل السبل، ولو على حساب مصلحة المملكة.
فخرج علينا “ابن سلمان”، بتصريحاته الخطيرة في أبريل 2018، لمجلة “ذي أتلانتيك” الأمريكية، والتي أكد فيها بأن للإسرائيليين كما للفلسطينيين “الحق” في أن تكون لهم أرضهم، وأضاف بأنه ليس هناك أي “اعتراض ديني” على وجود دولة إسرائيل!
كانت تلك التصريحات بمثابة صدمة للشعب السعودي والشعوب العربية والإسلامية عمومًا، وكانت بمثابة جواز سفر لمرور “ابن سلمان” لأروقة الحكم في الغرب، الذين تلقفوا تلك التصريحات بحفاوة بالغة، وفتحوا قنوات اتصال مباشرة مع ذلك الشاب السعودي الذي يحمل نفس أجندتهم.
وعلى الفور توطدت العلاقات بين صهر الرئيس الأمريكي “ترامب”، جاريد كوشنر، وابن سلمان، حتى أن “كوشنر” كان يتابع بنفسه مع “ابن سلمان” تداعيات قضية مقتل “خاشقجي”، وينصحه بما يفعله لكسب ثقة العالم مرة أخرى!
التنازل لصالح الدور الإماراتي:
جاء “ابن سلمان” وهو فارغ من أي مضمون، فتلقفه “ابن زايد” ولي عهد أبو ظبي، وراح يشكل الكثير من المفاهيم لديه، ويعيد ترتيب الرؤية السياسية العامة لولي العهد السعودي بشكل عام.
وقد نتج عن ذلك تغول إماراتي كبير يحدث للمرة الأولى في تاريخ المملكة في القرار السعودي سواء الداخلي منه أو الخارجي، فقد كانت دومًا السعودية تقود دول الخليج بشكل عام بحكم مكانتها الدينية بوجود الحرمين فيها، ومكانتها الاقتصادية باعتبارها أكبر مصدر للنفط عالميًا، ولكن في ظل حكم “ابن سلمان” اصبحت مجرد تابع لولي عهد أبو ظبي، الذي راح يرسم الخطط والسياسيات لولي العهد السعودي وكأنه تلميذ في مدرسة “ابن زايد”!
ونتجت عن تبعية “ابن سلمان” لـ”ابن زايد” الكثير من الكوارث، من أهمها التورط السعودي في المستنقع اليمني، وفي العديد من القضايا الإقليمية الداخلية مثل ليبيا.
كما رسم “ابن زايد” رؤية المملكة حتى على المستوى الداخلي، فبدأ بتغيير التركيبة المجتمعية للمملكة، ودشن خطة انفتاح نحو الغرب غير متوقعة في المملكة، كان نتاجها السماح بإقامة الحفلات الغنائية المختلطة، والاستعراضات المبهرة، لكي تلحق الرياض بدبي.
وكان لكل ذلك أثر كبير على المواطن السعودي، فبدلاً من الاهتمام بتقديم الخدمات له، راحت حرب اليمن وتلك الفعاليات الترفيهية، تأكل من جيب المواطن السعودي وميزانية المملكة، فزادت الضرائب المحصلة من المواطنين، ورفعت أسعار الخدمات والسلع الأساسية.
التنازل الاقتصادي:
تسببت أفعال “ابن سلمان” الهوجاء، وتحديدًا حرب اليمن، ومقتل الصحفي المعارض “جمال خاشقجي”، في تقديم “ابن سلمان” المزيد من التنازلات على الجانب الاقتصادي.
كان آخرها ما نشرته وكالة “رويترز” نقلاً عن أربعة مصادر مطلعة، أن الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” هدد “ابن سلمان” في مكالمة هاتفية، في الثاني من أبريل الماضي، بحسب القوات العسكرية الأمريكية الموجودة لحماية السعودية من التهديدات الإيرانية، في حالة إذا لم يوقف “ابن سلمان” حربه النفطية مع روسيا، والتي تسببت في خسائر باهظة لأمريكا.
وبحسب “رويترز”؛ فإن “ترامب” قال لولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” في المكالمة تلك، إنه إذا لم تبدأ منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) خفض إنتاج النفط فلن يكون بوسعه منع أعضاء مجلس الشيوخ من سن تشريع لسحب القوات الأمريكية من المملكة.
وأوضحت المصادر أن ولي العهد السعودي بوغت بالتهديد! حتى أنه أمر مساعديه بالخروج من الغرفة لكي يتمكن من مواصلة الحوار سرًا!
وبعد كل ذلك لا زال “رجل التنازلات” مستمرا في إعطاء المزيد من التنازلات فقط ليحوز رضا الآخرين بالخارج، بينما يقف بالمرصاد لكل من يتفوه داخل المملكة، فلا يتنازل سوى للخارج، فكان مثالا واقعًا لقول الشاعر “عمران بن حطان”: “أسدٌ عليّ وفي الحروبِ نعامةٌ”!