عندما يلتقي وفد تجاري بولي العهد السعودي محمد بن سلمان -الحاكم الفعلي للسعودية- يفاجئهم سماع عرض ذكي صريح حول نيوم، ذلك المشروع الضخم الذي تبلغ تكلفتها 500 مليار دولار لتحويل شواطئ المملكة البكر إلى منطقة جذب سياحي.
فقد قال لأعضاء الوفد إن أحدا “لن يستثمر (في المشروع) لعدة سنوات” وفق ما جاء بمقال مشترك بين سيمون كير في الرياض وأنجيلي رافال في لندن، نشرته فايننشال تايمز.
وعلق أحد الحاضرين للصحيفة بأن ما قاله ولي العهد كان بمثابة اعتراف بأن الأزمة الناجمة عن مقتل الصحفي جمال خاشقجي تهدد بتقويض خططه الجريئة لتحديث المملكة المحافظة بدعم من العواصم الخارجية.
وذهب إلى أن “نيوم” أكبر مشاريع بن سلمان وأكثرها طموحا كان دائما عالي المخاطر، فهو مدينة ناشئة تتأسس على أحدث التقنيات من الروبوتات إلى الذكاء الاصطناعي، غير أن قدرة المملكة على اجتذاب التمويل ومهارات التكنولوجيا العالية اللازمة لهذا لحق بها ضرر بالغ بسبب الأزمة الناجمة عن مقتل الصحفي.
موضع شك
وقال أحد الاستشاريين بالقطاع الخاص “نيوم أصبح موضع شك، فزبائننا (الحكومة) لا يواجهون الخارج بالوقت الحالي” ومنذ مقتل خاشقجي نأى مستشارو نيوم بأنفسهم عن المشروع، بمن فيهم المهندس المعماري نورمان فوستر، مما يؤكد شعورا بالخطر -من الارتباط بولي العهد- على المستقبل السياسي والسمعة.
وأشار المقال إلى أن ولي العهد وعد رجال الأعمال الذين التقاهم بأن المملكة -التي تعتمد على النفط- سوف تستثمر بشكل أكبر في الاقتصاد التقليدي للتعويض، معلقا بأن هذا الوعد متواضع بالنسبة لحاكم كان يحاول إصلاحا كبيرا.
وقال الخبير الخليجي بكلية لندن للاقتصاد ستيفن هيرتوغ “السعودية تعود لتجرب المجرب” ونبهت الصحيفة إلى أن نيوم والحكومة لم يردا على طلبات للتعليق.
وأشار المقال إلى أن الاقتصاد السعودي كان يعاني بالفعل قبل مقتل خاشقجي بالثاني من الشهر قبل الماضي، عندما اندلعت أكبر أزمة دبلوماسية تشهدها المملكة منذ أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، خاصة أن ولي العهد بعدها أصبح مجبرا على التحول إلى رجال الأعمال المحليين تعويضا عن الخارجيين.
وفي الأسابيع الأخيرة -كما يفيد المقال- دعي قادة الشركات للقاء ولي العهد لرفع التحدي من أجل النمو الاقتصادي ورفع المعنويات.
ونقل المقال -عن أحد المصرفيين المشاركين بالاجتماعات- أنه بلغه أن “أسرة آل سعود تشعر بالضرر، وأنهم أخبروا ولي العهد بكيفية ذلك” وعلق بأن مثل هذه الملاحظات تظهر مصير ثروة بن سلمان عندما يصبح نيوم مجرد قصرين على الساحل الغربي للمملكة.
وأشار إلى مؤتمر لجذب المستثمرين أطلق عليه “دافوس الصحراء” كشف النقاب فيه عن مدينة جنينية العام الماضي، وعلق بأن الحدث هذا العام عندما عقد بعد أسابيع من مقتل خاشقجي قاطعه العديد من المستثمرين العالميين.
وخص المقال بالذكر غياب المستثمر الياباني ماسايوشي الابن مؤسس سوفتبنك الذي اعتمد على 45 مليار دولار من التمويل السعودي، وقد قال بن سلمان إن مقتل خاشقجي وضعه في موقف صعب، كما علق بعض من حضروا الاجتماع، وعلى إثر ذلك تم تقليص مشروع للطاقة بمبلغ 200 مليار مع سوفتبنك.
وأشار أيضا إلى إيقاف المقاول البريطاني سير ريتشارد برانسون المحادثات مع الرياض حول استثمارات بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات كانت مقترحة، مما دفع المملكة إلى إنهاء المزيد من الخطط.
أسهم أرامكو
واعتبر أحد كتاب المقال أن أكبر نكسة لأجندة بن سلمان الإصلاحية قبل مقتل الصحفي كانت تأجيل طرح أسهم شركة الطاقة العملاقة أرامكو السعودية إلى أجل غير مسمى بسبب المخاوف القانونية وعدم القدرة بالمملكة على تحقيق ما أرادت منها.
وبدون عائدات طرح الأسهم، يبقى صندوق الاستثمارات العامة بالسعودية، أداة بن سلمان للتطوير بما في ذلك نيوم، يعاني نقصا في السيولة.
وتسعى أرامكو إلى بديل بشراء حصة بشركتي سابك والبتروكيماويات بنحو سبعين مليار دولار، ولكنها تواجه صعوبات بسبب شروط السوق الصعبة لإصدار السندات والديون.
ويعلق المقال بأن القطاع الخاص هو الآخر تلقى ضربة قوية بسبب سنوات من التقشف، وأنه بلغ الحضيض في نوفمبر/تشرين الثاني العام الماضي عندما أغلق ولي العهد حصون ومراكز التجارة بحملته لمكافحة الفساد والتي تسببت في تخويف المستثمرين الأجانب.
وضرب مثالا باعتقال وزير الاقتصاد عادل فقيه الذي كان بداية انحراف رؤية 2030 -كما قال مستشارون- وبدء تباطؤ برنامج الإصلاح.