بقلم/ ناصر العربي
شرف محاولة مواجه الطغيان والاستبداد السياسي هو عمل إنساني وبطولي عظيم. التاريخ يزخر كتابه بمواقف الأبطال والشجعان الذين قالوا كلمتهم في وجوه الطغاة. على مر العصور والأزمنة عندما يظهر فرعون جديد على الساحة ينبري له أصحاب الحق والكلمة المزعجة التي تقول للطاغية أنت لا شيء، أنت مُجرّدٌ من الكرامة والأخلاق ولديك نزعات الطغيان التي تشير إلى فساد فطرتك.
لهذا يقف الأحرار في وجه هؤلاء الطغاة لكي يخبروهم بمكانتهم الحقيقية أي حقيقة أنهم لا شيء، وأن بطشهم وقمعهم لشعوبهم هي إرهاصات وردّ فعل على الأزمة النفسية والعقلية التي يعانون منها. من يجرؤ على أن ينكل بشعبه؟ من يستطيع أن يسجن النساء والأطفال ويشنّ الحروب ويمضي في حياته وكأن شيئا لم يكن، هل هذا إنسان طبيعي؟ كلا، الطاغية إنسان معتوه النفس والعقل، وأكثر ما يخشاه هو أن يقاومه شعبه، لهذا هو يُسَلّحُ نفسه بكل وسائل القوة والبطش واحتكار الساحة وقمع كل من يخالفه أو من لم يكن له داعماً. في هذا المقال سنشرح كيف يمكن لنا مواجهه الطغيان السياسي بالأدوات السلمية ولا شيء غير السلمية، كان المرحوم عبدالله الحامد مدركاً لقوة الكلمة، ولهذا كان عنوان كتابه ” الكلمة أقوى من الرصاصة” إذ اعتبر أن بإمكان الكلمة هزم الدبابة المصفحة، والمدفع الذي يدك المدن.
المواطنون المترابطون: أكثر ما يخشاه الطاغية هي وحدة المواطنين ضده، فهو يفقد بوصلته عندما ينحاز المواطنون إلى القواعد الشعبية من الفقراء والمقموعين والمظلومين. يخاف الطاغية من أن يتحدث مواطن عن أخيه المواطن المقموع، حتى لو كانت تعزية، فهذا الدكتور عبد العزيز الدخيل تم اعتقاله عاماً كاملاً بسبب أنه كتب سطراً واحداً بعد اغتيال عبد الله الحامد العام الماضي. لهذا الطاغية لا يحب أن يُظهر المواطنون تضامنهم مع بعضهم البعض، فضلاً عن نصرة المواطنين بعضهم لبعض. لهذا القاعدة الأساسية في دليل الاستبداد؛ فرّق تسد. والقاعدة الأساسية في مقاومة الطغيان تضامن واُنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً.
المبادرات الخلاقة: كيف يمكن لنا أن ننتصر على الطغيان؟ كيف يمكن للمواطنين العزل أن يهزموا طاغية مسلحًا بكل ما يخطر وما لا يخطر على البال؟ حقيقة أننا نحن المواطنين نملك شيئا هو كل شيء، وهو الحق في الحياة الكريمة والعادلة، هذا الحق بمجرد إعلانه يقزم الطاغية وأنصاره، الذين هم في الأساس مقموعون. السؤال الجوهري: كيف يمكن لنا خلق مبادرات تكبح جماح الطاغية؟ نحن في أمسّ الحاجة إلى تعميم التفكير النقدي بطرح سؤال جوهري في المجتمع: ما الحل مع هذا الطاغية؟ الحل والحلول الخلاقة سوف تظهر، وأولى الخطوات هي إشاعة القضية الاستبدادية على الملأ وجعل الناس تفكر بصوت مسموع. ليس هناك حل واحد، كما أن هناك العديد من الاستجابات الخلاقة لمواجهة الطغيان وكلها مهمة. فالمبادرات لا تقف على نوع واحد، بل هي أبواب مفتوحة ومسارات طويله كلها تهدف إلى تقليص الطغيان. وأهم ما في هذه المبادرات هو التحرر من الاستبداد النفسي.
استقطاب الكفاءات: المهندس عصام الزامل، ورجل الأعمال جميل فارسي والدكتور عبدالعزيز الدخيل من الكفاءات الوطنية التي لديها اهتمام بالحديث عن الاقتصاد، هذا النوع من الكفاءات مزعج للطاغية. نحن نريد حث كل الكفاءات، كل في مجاله، للعمل لصالح المجتمع وأفراده لا العمل لصالح الطاغية. وكل كفاءة يفهم لوحده ماهي المسارات المتاحة في مجاله. هناك هزيمة أخلاقية ولعنة تصيب من يعملون في كنف الطغاة ولسوف تلاحقهم مدى الدهر، لهذا الانحياز للشعب مع قلة الموارد خير من العمل لصالح الطاغية مع وفرة الموارد.
فهم الواقع ودراسته: التغير السياسي ومكافحة الطغيان هما مقومان في حاجة إلى خارطة طريق ودراسة للواقع بشكل مستمر، وهذا يتأتى عبر فهم علوم المجتمع والسياسة والنفس والاقتصاد والعلوم المرتبطة بها. إضافة إلى التعلم من تاريخنا السابق أي من المبادرات الإصلاحية التي واجهت الطغيان السياسي منذ البدء. يمكن لنا أن نعمل بطريقة أفضل إن فهمنا قواعد العملية السياسية، التي تسلب الطاغية قوته. إضافة إلى تطور هذه الدراسات والاتجاهات إلى وحدات مدنية مهمتها دراسة المجتمع والدولة وفهم سبل التغيير للصالح العام.
الترفع عن النرجسية ونموذج الفرد البطل: لا يوجد بطل واحد، ولا يوجد مخلص، لقد انتهى زمن الأنبياء، نحن الأن باعتبارنا مواطنين نمثل قوة، ولن نستطيع العمل بشكل خلّاق، بدون التعاون المتكافئ الذي يقوم على مبدأ المواطنة، من الصعب أن ننتصر. من يعتقد أنه مخلص فهذا طاغية صغير طور التكوين، لذلك فالوحدة والتعاون قوة ترعب الطاغية. وأي مبادرة يجب أن نرحب بها وندعمها وسوف تنضج مع الوقت وتكون أقوى فاعلية وأكثر في المستقبل.