كشفت صحيفة “ميدل إيست آي” البريطانية، تسليم وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ما سمتها “خطة طريق لوقاية نفسه من تداعيات الفضيحة”، حسبما أخبر مصدر سعودي رفيع المستوى “ميدل إيست آي”.
وقال تقرير الصحيفة الذي كتبه كل من “ديفيد هيرست و دانيال هيلتون”، وترجمته “عربي21″، إن ملك السعودية وولي عهده يلجآن لوقاية نفسيهما من فضيحة جريمة قتل جمال خاشقجي باستخدام خارطة طريق.
وتاليا نص التقرير المترجم:
يلجأ ملك السعودية وولي عهده إلى وقاية نفسيهما من فضيحة جريمة قتل جمال خاشقجي باستخدام خارطة طريق رسمها لهما وزير الخارجية الأمريكي، بحسب ما صرح به مصدر سعودي رفيع المستوى لصحيفة ميدل إيست آي.
وبين المصدر، المطلع على تفاصيل محادثات بومبيو مع القادة السعوديين، أن مايك بومبيو سلم الخطة بنفسه أثناء لقائه بملك السعودية وابنه ولي العهد محمد بن سلمان الشهر الماضي في الرياض.
وتتضمن الخطة خيار إلصاق تهمة جريمة قتل الصحفي السعودي بعضو بريء من عائلة آل سعود لحماية رأس هرم السلطة كما قال المصدر في تصريحه لميدل إيست آي.
ويقول المصدر إن ذلك الشخص لم يقع عليه الاختيار بعد، موضحاً أن القادة السعوديين يحتفظون بخيار استخدام تلك الخطة فيما لو تفاقم الضغط الذي يمارس على محمد بن سلمان ولم يعد محتملاً.
وقال المصدر: “لن نتفاجأ فيما لو حصل ذلك.”
إلا أن وزارة الخارجية الأمريكية نفت مزاعم المصدر السعودي ووصفتها بأنها “تحريف تام للمهمة الدبلوماسية التي قام بها وزير الخارجية إلى المملكة العربية السعودية.”
وفي تصريح لميدل إيست آي، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية هيذر ناورت: “لقد تحدثنا علانية عن أهدافنا، وتتمثل في حث القيادة السعودية على إدراك الجدية التي تعلقها حكومة الولايات المتحدة على إجراء تحقيق كامل وعاجل في وقائع جريمة قتل جمال خاشقجي.”
أما المصدر السعودي فقد أكد أن بومبيو قدم شرحاً بخطته في السادس عشر من أكتوبر / تشرين الأول عندما سافر إلى الرياض في رحلة خاطفة حيث التقى بالملك سلمان وبابنه محمد بن سلمان، في الوقت الذي كانت قد تكثفت فيه المطالب الدولية بالكشف عما جرى لخاشقجي.
وكان بومبيو قد قام برحلته إلى المملكة الخليجية بعد أسبوعين من وقوع جريمة قتل جمال خاشقجي، الصحفي اللامع والمنتقد البارز لولي العهد، داخل القنصلية السعودية في إسطنبول في الثاني من أكتوبر / تشرين الأول.
وكانت صحيفة ميدل إيست أي قد نشرت تقريراً قبل أيام قليلة من وصول بومبيو إلى الرياض جاء فيه أن المسؤولين الأتراك اكتشفوا أن خاشقجي تعرض للقتل والتقطيع بعد دقائق من دخوله إلى مبنى القنصلية سعياً للحصول على أوراق رسمية يحتاج إليها حتى يتزوج من جديد.
ابتعث بومبيو إلى الرياض ليقدم النصح والتوجيه للقادة السعوديين
حينما قام بومبيو برحلته إلى الرياض، كان كبار المسؤولين في الولايات المتحدة – بما في ذلك الرئيس دونالد ترامب – لا يتكلمون كثيراً عما جرى لخاشقجي، الذي كان قبيل اختفائه مباشرة يعيش في الولايات المتحدة التي اتخذ منها منفى اختيارياً لنفسه.
أثار لقاء بومبيو بولي العهد محمد بن سلمان في الرياض الكثير من علامات التعجب والاستفهام، فقد جاء اللقاء في وقت كانت منظمات حقوق الإنسان حول العالم تحث واشنطن على المطالبة بأجوبة من حلفائها في المملكة العربية السعودية حول حقيقة ما جرى لخاشقجي.
يذكر أنه بعد يوم واحد من لقاءاته في الرياض، أخبر بومبيو الصحفيين بأن السعوديين لم يرغبوا في التحدث عن الحقائق في قضية جمال خاشقجي وأنه هو الآخر لم يرغب في التحدث في ذلك.
فقد قال بومبيو وهو في الطريق من السعودية إلى تركيا: “لا أريد أن أتحدث عن أي من الحقائق، وهم أيضاً لم يريدوا التحدث في ذلك.”
في تصريحه لميدل إيست آي، قال المصدر السعودي إن بومبيو توجه إلى الرياض حتى ينصح السعوديين كيف ينبغي أن يتعاملوا مع تداعيات قضية خاشقجي.
ولكن بومبيو صرح بعد لقاءاته بالمسؤولين السعوديين أنه نصحهم بإجراء تحقيق شفاف.
وقال: “لقد أجريت محادثات مباشرة وصريحة، وأكدت على أهمية إجراء تحقيق شامل وشفاف وآني، وقد تعهدت القيادة السعودية بالقيام بذلك بالضبط.
وما خلصت به من تلك اللقاءات هو وجود التزام جدي بتقصي جميع الحقائق وضمان المساءلة، بما في ذلك مساءلة كبار القادة أو كبار المسؤولين في المملكة العربية السعودية.”
يتوقع أن يصدر عن إدارة ترامب بيان رسمي يوم الثلاثاء حول ما توصل إليه الأمريكيون حتى الآن بخصوص جريمة قتل خاشقجي.
وكانت وكالة المخابرات الأمريكية (السي آي إيه) قد قالت في وقت متأخر من الأسبوع الماضي إنها خلصت إلى أن محمد بن سلمان هو الذي أمر بقتل الصحفي، وذلك بحسب ما ورد في تقارير نشرها عدد من وسائل الإعلام الأميركية.
إلا أن ترامب ما لبث منذ ذلك الوقت يشكك فيما وصلت إليه المخابرات الأمريكية من استنتاجات.
حماية محمد بن سلمان من المساءلة
تضمنت خطة بومبيو التي قدمها للقيادة السعودية عدداً من الخطوات، بحسب ما صرح به المصدر السعودي.
وقال المصدر إنه حينما أعلن بومبيو في الثامن عشر من أكتوبر / تشرين الأول أن المملكة العربية السعودية ينبغي أن تمنح “مزيداً من الوقت” لاستكمال التحقيق في القضية، كان في واقع الأمر يمنحهم وقتاً لتنفيذ الخطة التي جاءهم بها.
وقال المصدر: “لقد نفذوا (أي القيادة السعودية) كل ما طلبه منهم.”
منذ زيارة بومبيو إلى الرياض، سمح السعوديون للمحققين الأتراك بالدخول إلى القنصلية السعودية في إسطنبول، وعرضوا التنسيق معهم في إجراء تحقيق مشترك، وأرسلوا فريقاً إلى إسطنبول لهذا الغرض، وقاموا كذلك بتوقيف واحد وعشرين مشتبهاً فيهم.
يمكن أن يتم اللجوء إلى الخطوة المتبقية، وهي إلصاق تهمة جريمة القتل بأحد أعضاء العائلة الملكية الحاكمة، فيما لو لم ينجح اعتقال أولئك السعوديين المشتبه فيهم في تخفيف الضغط عن الرياض، بحسب ما يقوله المصدر.
في هذه الأثناء قام ولي العهد محمد بن سلمان ووالده الملك سلمان بجولة في أرجاء المملكة العربية السعودية وظهرا في مؤتمر كبير للمستثمرين في الرياض والتقيا بأبناء الصحفي جمال خاشقجي.
حتى هذه اللحظة، خلص التحقيق الرسمي الذي أجرته الرياض في جريمة قتل خاشقجي إلى توجيه التهمة إلى اثنين من أقرب حلفاء محمد بن سلمان، وهما نائب رئيس الاستخبارات أحمد العسيري وأحد كبار المساعدين سعود القحطاني.
رغم أن الرجلين أعفيا من منصبيهما إلا أن المصدر السعودي يقول إن من المتوقع أن يكلفا في نهاية المطاف بمناصب عليا أخرى داخل المملكة العربية السعودية.
وبحسب المعلومات التي حصلت عليها صحيفة ميدل إيست آي، فلا العسيري ولا القحطاني من بين المتهمين الخمسة الذين سيطلب المدعي العام السعودي إنزال عقوبة الإعدام بحقهم إذا ما أدينوا بتهمة “الأمر بارتكاب الجريمة وتنفيذها”.