هرب ضابط الاستخبارات السعودية السابق “سعد الجبري” من المملكة في عام 2017 بسبب مخاوف من ولي العهد الأمير “محمد بن سلمان”، حيث ذهب “الجبري” أولاً إلى تركيا، ثم الولايات المتحدة واستقر به المقام في كندا في النهاية.
وخدم “الجبري” حتى عام 2015 ولي العهد السابق “محمد بن نايف”، الذي ترأس وزارة الداخلية السعودية. وفي أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر /أيلول، أقام “الجبري” علاقات وثيقة مع مختلف المؤسسات والأفراد في الحكومة الأمريكية وأصبح خبيرًا مقدرا في مجال الأمن السعودي.
في عام 2010، لعب “الجبري” دورًا محوريًا في منع تنظيم “القاعدة” في شبه الجزيرة العربية من تنفيذ هجوم في شيكاجو يزعم ضابط استخبارات غربي سابق أنه كان من الممكن أن يؤدي إلى مئات القتلى.
في 6 أغسطس/آب، رفع “الجبري” دعوى قضائية ضد “بن سلمان” ومسؤولين سعوديين آخرين في المحكمة الجزئية الأمريكية لمنطقة كولومبيا.
ووفقا لـ”الجبري”، فقد أرسل “بن سلمان”، “فرقة النمر” إلى كندا لقتله بعد أسبوعين من قيام أعضاء آخرين من نفس الفرقة باغتيال “جمال خاشقجي” في القنصلية السعودية في إسطنبول.
ويتهم “الجبري” ولي العهد برغبته في قتله لأن ضابط المخابرات السابق “في وضع فريد يمكنه من التهديد الوجودي” لعلاقة ولي العهد مع الولايات المتحدة.
ويقول “الجبري” إن الحكومة السعودية تحتجز شقيقه واثنين من أبنائه البالغين في المملكة من أجل استدراجه للعودة إلى المملكة لمواجهة تهم فساد بسبب الفترة التي قضاها في خدمة “بن نايف”.
بعد يوم واحد من رفع “الجبري” هذه الدعوى، استدعت المحكمة الفيدرالية “بن سلمان” والمتهمين الآخرين، وأبلغت رسميًا ولي العهد وآخرين بالدعوى. وبموجب القانون الأمريكي، أمام المتهمين 3 أسابيع للرد.
ما يمكن أن نتوقعه هو أن تضغط السعودية بشدة على “ترامب” ووزير خارجيته “مايك بومبيو” لإرسال رسالة إلى القضاء مع طلب لتفعيل الحصانة. وهذا يستلزم مطالبة وزارة الخارجية للمحكمة برفض القضية من أجل خدمة مصالح السياسة الخارجية للولايات المتحدة. وإذا اتخذ “بومبيو” هذه الخطوة، فقد تختار المحكمة الاستجابة للطلب أم لا. ومع ذلك، حتى إذا رفضت المحكمة قضية “الجبري” بعد اقتراح الحصانة، يمكن لرئيس أمريكي قادم إعادة القضية.
لم ترد الحكومة السعودية رسميًا على هذه الدعوى المرفوعة مؤخرًا حتى وقت كتابة هذا التقرير وكذلك الحال مع إدارة “ترامب”.
يناقش العديد من الخبراء كيفية تأثير هذه الحالة على شراكة الولايات المتحدة طويلة الأمد مع السعودية. ستؤدي هذه القضية إلى ازدياد استياء المؤسسة الدبلوماسية في واشنطن والمشرعين من “ترامب” بسبب عدم وضع خطوط حمراء بشكل فعال لولي العهد السعودي. وإذا أرسل “بومبيو” رسالة تتضمن اقتراحًا بالحصانة لتجنيب “بن سلمان” العواقب القانونية -على الأقل مؤقتًا- فإن هذا الغضب سيزداد.
تضاف هذه القضية إلى مجموعة من الحلقات، بما في ذلك مقتل “خاشقجي”، وحرب اليمن ، والحصار المفروض على قطر، ونزاع الرياض الدبلوماسي مع كندا، و”اختطاف” رئيس الوزراء اللبناني، وملف “عبد الرحمن سمير نورا”، وسجن الناشطة الحقوقية “لجين الهذلول” والتعذيب الذي أضر بصورة “بن سلمان” في واشنطن.
وكانت كل هذه القضايا دفعت الدبلوماسيين والمشرعين والمرشح الديمقراطي للرئاسة الأمريكية “جو بايدن” إلى التحدث بشكل متزايد عن مشاكلهم مع سلوك “بن سلمان”، داخل المملكة وخارجها. باختصار، وبغض النظر عن موقف البيت الأبيض، يتضاءل صبر الولايات المتحدة على ولي العهد السعودي.
ومع استمرار غضب العديد من الشخصيات البارزة في واشنطن بسبب قضية “خاشقجي”، فإن محاولة اغتيال “الجبري” بأوامر من “بن سلمان” ستثير غضب وسائل الإعلام ومجتمع حقوق الإنسان في الولايات المتحدة.
وبالرغم من وجود اختلافات واضحة بين ملفي “خاشقجي” و”الجبري”، إلا أن “بن سلمان” أمر في كلتا الحالتين بقتل سعوديين مقيمين في أمريكا الشمالية لأغراض سياسية. قد لا يهتم “ترامب” كثيرًا بإرسال ولي العهد “فرقة النمر” لاغتيال سعوديين يعيشون خارج المملكة، لكن الكثيرين في واشنطن وعواصم الدول الغربية الأخرى يجدون أن هذا السلوك ينتهك القواعد الأساسية للقانون الدولي والأخلاق الإنسانية.
من المرجح أن تؤدي دعوى “الجبري” القضائية إلى مزيد من الضغط داخل أمريكا على “ترامب” لاتخاذ موقف مختلف تجاه “بن سلمان”. ومثل قصة “خاشقجي”، ستعتبر إدارة “ترامب” قضية “الجبري” مصدر قلق كبير. ومع ذلك، طالما ظل “ترامب” في المنصب، فمن المشكوك فيه أن إدارته ستفعل الكثير لتغيير أساسيات علاقتها الوثيقة مع “بن سلمان”، والتي كانت شخصيات مختلفة مثل مستشار “ترامب” وصهره “جاريد كوشنر” ووزير الخارجية “بومبيو” قد ساعدت في تعميقها.
في نهاية المطاف، يشترك الرئيس الأمريكي وولي العهد السعودي في الموقف تجاه العديد من القضايا في الشرق الأوسط، وعلى رأسها التهديد الإيراني المتصور، ويشتركان في المصالح الخاصة باستمرار مبيعات الأسلحة التي أصبحت ركيزة أساسية للعلاقات الثنائية. لذلك، من المحتمل ألا تفعل قضية “الجبري” الكثير للتأثير على “ترامب” لممارسة أي ضغط حقيقي على “بن سلمان” لتغيير سلوكه. ومع ذلك، لا يعني هذا أن السعوديين ليس لديهم مشكلة كبيرة وذلك لأن “ترامب” لن يبقى رئيسًا إلى الأبد.
عند النظر إلى مستقبل ما بعد “ترامب”، فهناك أسئلة رئيسية يجب طرحها حول كيفية تغيير العلاقات بين الرياض وواشنطن. على حد تعبير “رامي خوري”، من معهد “عصام فارس” بالجامعة الأمريكية في بيروت، فإن العلاقة “ضيقة جدًا من حيث روابطها بالبيت الأبيض” و”في لحظة تغيير تاريخي”.
ببساطة، لا بد أن “بن سلمان” ومن هم في دائرته الداخلية قلقون للغاية من أن يصبح “بايدن” الرئيس 46 للولايات المتحدة في يناير/كانون الثاني لأسباب متعددة.
هناك متغيران رئيسيان في المعادلة غير معروفين حاليًا وسيكونان مهمين بشكل كبير. أولاً، ما الذي سيفعله البيت الأبيض بقيادة “بايدن” لمحاولة تغيير سلوك ولي العهد السعودي؟ ثانيًا، مع اتباع “بايدن” سياسة خارجية أقل صداقة مع “بن سلمان”، كيف سيتعامل السعوديون مع هذه القيادة الجديدة في الولايات المتحدة؟
واعتمادًا على إجابات هذين السؤالين، فإن الشراكة التي أسسها “آل سعود” والولايات المتحدة في الأربعينيات من القرن الماضي قد تواجه بعض الأوقات الصعبة للغاية في المستقبل.