بقلم/ حازم عياد – كاتب صحفي وباحث سياسي
وزير الطاقة الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، عبر عن معارضة “إسرائيل” لإمكانية موافقة الولايات المتحدة على مطلب سعودي لإقامة منشأة تخصيب يورانيوم في أراضيها، في إطار صفقة تطبيع علاقات بين الجانبين الكيان الصهيوني والسعودية.
كاتس قال لموقع “واينت” الإلكتروني الإثنين الموافق 5 يونيو/ حزيران الحالي إن “إسرائيل لا تشجع أمورا من هذا النوع. ولا أعتقد أنه يتعين على إسرائيل أن توافق على هذا الأمر، لكن توجد اتصالات”، وأضاف أن “التطبيع مع السعودية هو أمر هام وآمل أن يتم التوصل لاتفاق سلام أيضا”.
من جهة أخرى علق تسحاي هنغبي مستشار الأمن القومي في حكومة نتنياهو الفاشية على هذه الأخبار لإذاعة جيش الاحتلال أول أمس الثلاثاء بالقول: في إطار الضبابية الموجودة أمامنا لا نعلم حقا ما يحدث حاليا في الأروقة السعودية الأمريكية؛ مضيفا القول: “إن أي أسلحة جديدة توردها الولايات المتحدة للسعودية يجب أن تفي بالتزام واشنطن بالحفاظ على “التفوق العسكري النوعي” لإسرائيل في المنطقة”؛ في إشارة منه لمطالبة السعودية تزويدها بطائرات أف 35 الأمريكية.
نائبة بلينكن لشؤون الشرق الأوسط، بربارة ليف، من ناحيتها علقت على الجدل الدائر في أروقة الحكم داخل الكيان الصهيوني بالقول: إن جزءا من الأنباء التي تنشرها وسائل الإعلام الإسرائيلية حول الاتصالات مع السعودية ليست دقيقة ومبالغ فيها!
علما أن صحيفة نيويرك تايمز نشرت تقريرا في آذار (مارس) الماضي أشارت فيه إلى شروط الرياض المعقدة للموافقه على برنامج نووي سعودي يجعل منها دولة تقف على (العتبة النووية) إلى جانب تزويدها بطائرات أف 35 وإقامة دولة فلسطينية وانسحاب إسرائيلي من المسجد الأقصى وبواباته وتسليم الأمن الفلسطيني الإشراف الأمني عليه مقابل التطبيع مع الاحتلال.
ما يقلق الكيان الصهيوني حول البرنامج النووي السعودي وهو قلق قديم يرجع إلى العام 2020 بعد أن حذرت تقارير نشرتها صحيفة (وول ستريت جورنال) و(نيويوك تايمز) من تعاون سعودي صيني في المجال النووي شمال السعودية يهدف لإنتاج كعكة اليورانيوم الصفراء؛ ما دفع مسؤولين في الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في إسرائيل، للتوجه إلى نظرائهم في الإدارة الأمريكية، معربين عن قلقهم البالغ بشأن التعاون بين بكين والرياض بحسب ما نقل المراسل السياسي لموقع “واللا” الإسرائيلي، باراك رافيد في حينها.
القلق الإسرائيلي من البرنامج النووي السعودي تكرر في العام 2021 بعد أن حذر مجددا مسؤولون في الكيان الإسرائيلي من خطورة التعاون بين الباكستان والسعودية لتطوير برنامج نووي؛ مخاوف تعاظمت بعد تصريحات وزير الخارجية فيصل الفرحان أكد فيها سعي بلاده لامتلاك فدرات نووية في حال امتلاك إيران لها.
التحريض الإسرائيلي على العربية السعودية وجهود إعاقة البرنامج النووي السعودي سواء كان لأهداف سلمية أو عسكرية؛ عائق مهم أمام تطبيع العلاقة مع السعودية التي تمسكت بخيارها لتطوير برنامج نووي سواء كان بالتعاون مع الصين أو روسيا أو باكستان؛ وفي ضوئه فإن التطبيع مع السعودية لم يعد أولوية للكيان الصهيوني؛ فالأولوية تكمن في إعاقة جهود السعودية لإطلاق برنامج نووي خصوصا أنها لا زالت متمسكة بهذا الخيار رغم المصالحة التي عقدتها مع طهران في آذار/ مارس الماضي التي أفضت لتطبيع العلاقات بين البلدين.
التوترات الجديدة والتصريحات الاستفزازية للمسؤولين في الكيان الإسرائيلي حول البرنامج النووي السعودي المحتمل دفعت مواقع إيرانية مقربة من المجلس القومي الإيراني (شوراي عالي أمنیت ملي) الذي يرأسه القائد السابق في الحرس الثوري (الجنرال علي أكبر أحمديان) للتلميح إلى إمكانية تقديم إيران المساعدة للسعودية في تطوير برنامجها النووي السلمي؛ إذ نقل عن موقع (نور نيوز الإيراني في تغريدة على تويتر) القول: على الرغم من معارضة الصهاينة للتوجهات النووية السعودية، وفي ضوء الفصل الجديد من العلاقات بين طهران والرياض، فإن التعاون في مجال التقنيات النووية السلمية ونقل تجارب إيران وإنجازاتها إلى هذا البلد (السعودية) وفقًا للقوانين الدولية يمكن أن يكون أحد المحاور الرئيسية في العلاقات الثنائية تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
الموقف التفاوضي للسعودية بعد اندلاع الحرب الأوكرانية في فبراير/ شباط 2022 والمصالحة مع إيران في مارس/ آذار 2023 تحسن إلى درجة أمكن من خلاله تجاوز الحاجة لتطبيع العلاقة مع الكيان الإسرائيلي؛ وهو ما ألمح إليه مستشار الأمن القومي في الكيان المحتل تسحاي حنغبي الذي زار واشنطن الأربعاء الفائت بالقول: لا نعلم ما يحدث في الأروقة الأمريكية الإسرائيلية.
التوتر والغضب الإسرائيلي من الإدارة الأمريكية بات واضحا بتعيين نتنياهو يوم أول أمس الثلاثاء الصحفي غلعاد تسفيك، مستشاراً إعلامياً لرئيس الوزراء، إجراء وصف بـ (القاصم) للجهود المبذولة للتقارب بين إدارة بايدن ونتنياهو ذلك أن (تسفيك) معروف بانتقاده للرئيس بايدن وتشكيكه بقدراته لتولي منصب الرئاسة في أمريكا؛ ليتبعه هجوم وزير خارجية الاحتلال إيلي كوهين على نائبة الرئيس الأمريكي كاميلا هاريس التي أكدت على ضرورة وقف الإصلاحات القضائية بالقول: إن (ديمقراطية إسرائيل) تتطلب وجود “قضاء مستقل”.
التوتر والفوضى تسود العلاقات الأمريكية الإسرائيلية وحاجة الإدارة الأمريكية للعربية السعودية لإدارة ملف الأمن الإقليمي في الخليج والبحر الأحمر؛ وإدارة ملف العلاقة مع إيران والحد من تمدد النفوذ الصيني والروسي أولوية تفوق محاذير وقيود الساسة في الكيان الإسرائيلي الذين لا تربطهم بالإدارة الأمريكية علاقة جيدة في المرحلة الحالية.
ختاما..
البرنامج النووي السعودي يتوقع أن يرى النور بعيدا عن المعوقات الإسرائيلية؛ في ظل التشققات والصراعات القائمة في النظام الدولي؛ وفي ظل المصالحات والمقاربات السياسية والاقتصادية في الإقليم والساحة الدولية التي تتطور بشكل مستقل بعيدا عن متطلبات الأمن الإسرائيلي وقيود العلاقة الأمريكية الإسرائيلية التي تعيق فاعلية الولايات المتحدة في تطوير سياسات جديدة تجاه المنطقة للحفاظ على مكانتها في موازة منافسة حادة وتمدد واضح للنفوذ الصيني والروسي الذي لا يعاني من هذه القيود وتلك المعوقات سواء في العلاقة مع إيران أو تركيا أو باكستان أو السعودية الطامحة بدورها للانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة بريكس الصاعدة.