قالت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان إن السعودية شهدت تصاعدا كبيرا في أعداد أرقام أحكام الإعدام المنفذة في العام 2021، مقارنة بالعام 2020 الذي تغنت فيه المؤسسات الرسمية السعودية بانخفاض أرقام عمليات الإعدام.
ورصدت المنظمة في تقرير لها تنفيذ 67 حكم إعدام منذ بداية العام 2021، في ارتفاع نسبته 148%، مقارنة بالعام 2020 الذي نفذت فيه السعودية 27 حكم بحسب هيئة حقوق الإنسان الرسمية.
واعتبرت المنظمة أن عودة أرقام الإعدام إلى الارتفاع خلال 2021، تشير إلى استهتار السعودية بالدماء، خاصة أن المحاكمات الصورية التي تجريها تفتقر لأبسط المعايير الدولية للمحاكمات العادلة.
كما تكشف الأرقام، أن انخفاض 2020، لم يكن نتيجة سياسات استراتيجية لتقليص عمليات الإعدام، وإنما كان بإرادة شخصية من ولي العهد محمد بن سلمان، الذي كان منهمكا في ترميم صورته الملطخة بانتهاكاته الجسيمة لحقوق الإنسان.
خلال الثلاث السنوات الأخيرة، اضطربت أرقام عمليات الإعدام في السعودية بشكل لافت، بعد التصاعد الواضح الذي بدأ مع وصول الملك سلمان للحكم في يناير 2015.
في 2019 سجلت السعودية الرقم الأعلى بتنفيذ 186 عملية إعدام، وفي العام الذي تلاه، انخفضت لأدنى مستوى بتنفيذ 27 حالة إعدام.
نشرت هيئة حقوق الإنسان بيانا حول أعداد الإعدامات المنفذة في 2020، مع احتفاء بانخفاض الارقام. لكن في 2021 عادت الأرقام للارتفاع مرة أخرى، مما يشير إلى تخبط السعودية في التعامل مع تطبيق هذه العقوبة، التي أدت إلى توجيه انتقادات حقوقية شديدة للحكومة.
وعود مخادعة
في أبريل 2018، وعد ولي العهد محمد بن سلمان خلال مقابلة مع صحيفة التايمز، بتخفيض استخدام عقوبة الإعدام بشكل كبير. ولكن منذ ذلك الحين حتى نشر هذا التقرير، نفذت السعودية 387 عملية إعدام، نصفهم تقريبا لم توجه لهم تهما من الأشد خطورة.
في يونيو 2020، رفع عضو في مجلس الشورى السعودية توصية بإلغاء عقوبة الإعدام في جميع العقوبات التعزيرية، التي تعد عقوبة تستند إلى لتقدير القاضي، والاكتفاء بعقوبات أخرى مناسبة لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية.
بعد الحديث عن هذه النقاشات لم يرصد تنفيذ أي حكم قتل تعزيري خلال العام 2020. لكن عادت السعودية لتنفيذ أحكام القتل التعزيرية خلال العام 2021 وأعدمت حتى نهاية العام 9 أشخاص.
بحسب رصد المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، لا يزال ما لا يقل عن 42 شخصا على الأقل مهددا بالقتل التعزيري.
تخشى الكثير من العائلات الحكومة السعودية في حال أفصحت عن المطالبة بإعدام ذويهم، مما يجعل المنظمة تعتقد أن الأرقام الحقيقية تفوق الحالات المرصودة لديها.
عمليات الإعدام
نفذت السعودية بحسب البيانات الرسمية التي تصدرها وزارة الداخلية، 67 عملية إعدام، 66 منهم ذكور، وامرأة واحدة.
تتوزع جنسيات ضحايا الإعدامات كالتالي: 51 من المواطنين السعوديين، 7 من الجنسية اليمنية، 4 من الجنسية المصرية، 2 من الجنسية الباكستانية، حالة واحدة من الجنسية التشادية، حالة واحدة من الجنسية السودانية، وحالة واحدة من الجنسية النيجيرية.
إعدام الأطفال
يحظر القانون الدولي عقوبة الإعدام بحق القصّر. بعد ضغوط دولية جراء قتل السعودية للأطفال، أصدرت في 1 أغسطس 2018 نظاما خاصا بالأحداث يقضي بعدم إعدامهم تعزيرا، مع البقاء على تطبيق العقوبة في حالات القصاص والحدود.
منذ ذلك التاريخ حتى الآن سجلت المنظمة 12 عملية إعدام تعزيري بحق أشخاص وجهت لهم تهما في الوقت الذي كانوا فيه قصّر.
في 24 مارس 2020 أيضاً صدر أمر ملكي بإلغاء إعدام القصّر يتضمن مادة فضفاضة تستثني المتهمين بقضايا إرهاب، لكن هيئة حقوق الإنسان الرسمية قالت إن جميع القصّر مشمولين بالأمر الملكي. لم يتم نشر تفاصيل الأمر الملكي بشكل رسمي.
على الرغم من أن السعودية أسقطت عدة أحكام إعدام بحق قاصرين، من بينهم علي النمر، عبدالله الزاهر، داوود المرهون، ورفعت طلب الإعدام عن محمد الفرج وآخرين، إلا أنها لا تزال تتحايل على أنظمتها من أجل إعدام آخرين اعتقلوا بعد إكمالهم السن القانوني (18 عاما)، ولكن النيابة العامة وجهت لهم تهما في الفترة التي كانوا فيها قصّر.
في 16 يونيو 2021 أعلنت السعودية تنفيذ الإعدام التعزيري بحق مصطفى آل درويش بخليط من التهم، بعضها كانت في فترة الطفولة.
تهم سياسية
منذ وصول الملك سلمان للحكم في يناير 2015 تصاعدت أرقام القتل التعزيري في السعودية بحق أصحاب الرأي والمعارضين وبلغت حتى نشر هذا التقرير 93 عملية إعدام.
في العام 2021 نفذت السعودية 8 عمليات إعدام على خلفية تهم سياسية، ولا يزال ما لا يقل عن 42 شخصا آخرين يواجهون العقوبة ذاتها على مختلف درجات التقاضي.
علاوة على حالات الإعدام المنفذة، شهد العام 2021 تصاعدا في مطالب الإعدام والمصادقة على أحكام أخرى.
بحسب رصد المنظمة، لا يزال ما لا يقل عن 42 شخصا على قوائم الإعدام، من بينهم قاصرون، مثل حسن الفرج وجلال اللباد ويوسف المناسف وسجاد آل ياسين، الذين تطالب النيابة العامة بإعدامهم على الرغم من الانتهاكات التي انطوت عليها قضاياهم.
يواجه عدد من المعتقلين أحكام نهائية بالقتل، وقد تنفذ في أية لحظة. من بينهم مصطفى الخياط، محمد الشاخوري، وأسعد شبر، الذين يواجهون تهما بالتظاهر. بالإضافة إلى ياسين ال ابراهيم الذي يواجه تهما مفبركة بالتجسس.
كما لا تزال النيابة العامة تطالب بقتل الطفل عبدالله الحويطي على الرغم من إسقاط حكم إعدامه. أوضح رصد المنظمة أن هناك غموضا في توقيت تنفيذ الأحكام، قد يعود إلى سرية في وقت التنفيذ مما يحرم العائلات من متابعتها ومعرفة اقتراب وقت التنفيذ الذي تمتنع السعودية عن ابلاغ الاهالي عنه، وحرمانهم من توديع ذويهم .
إضافة إلى ذلك، لا يزال الباحث حسن فرحان المالكي، الشيخ سلمان العودة، وعلي العمري، يحاكمون في المحكمة الجزائية المتخصصة، في ظل تأجيل مستمر مع إصرار النيابة العامة على طلب القتل.
إجراءات جائرة
بحسب القانون الدولي، يجب أتباع أدق الإجراءات القانونية وتوفير أكبر الضمانات الممكنة للمتهمين في الجرائم المعاقب عليها بالإعدام.
تدعي السعودية في المحافل الدولية أنها تلتزم بالقيود والقوانين الدولية فيما يخص عقوبة الإعدام، ولا تصدر أحكام القتل إلا بعد إجراءات صارمة، وأنها لا تنفذها إلا بعد توافر أدلة واضحة لا تحمل أي تفسير بديل للوقائع. كما قالت إن القوانين تخضع للمراجعة المستمرة.
إلا أن مراقبة المنظمة الأوروبية السعودية للإجراءات المتبعة والمحاكمات المتعلقة بعقوبة الإعدام والقضايا السياسية، يظهر أن المباحث العامة -التي تتبع رئاسة أمن الدولة القمعية المرتبطة بالملك وابنه- تسحق بشكل منهجي جميع حقوق المتهم التي تكفلها الأنظمة المحلية.
في معظم الحالات التي رصدتها المنظمة، يُحرم المتهم بعد اعتقاله مباشرة من التواصل مع عائلته ويُعزل في الحبس الانفرادي لمدة طويلة في فترة التحقيق، كما يمنع من الاستعانة بمحام قبل بدء المحاكمة الصورية، في خلاف صارخ لنظام الإجراءات الجزائية المحلي.
ينتزع محققو رئاسة أمن الدولة الاعترافات من الضحايا تحت وطأة التعذيب أو يقومون بأنفسهم بكتابة الاعترافات ويرغمونهم على التوقيع عليها، ومن ثم يجبرونهم على مصادقة تلك الاعترافات لدى قاضي التصديق، ما يجعلها نافذة في المحكمة فيما بعد كدليل إدانة بحق الضحايا، ما من شأنه جعل دفاع المحام بلا جدوى.
وعلى الرغم من إيضاح صكوك الأحكام التي حللتها المنظمة، أن المتهمين يؤكدون أمام القضاة تعرضهم للتعذيب، يعمد القضاة إلى تجاهل ذلك وإصدار أحكام الإعدام على الرغم من دعاوى التعذيب وأدلة انتهاكات الإجراءات القانونية قبل المحاكمات الصورية.
ابتكرت السعودية منصب قاضي التصديق من أجل جعل الإقرارات المنتزعة تحت وطأة التعذيب في فترة التحقيق شرعية قبل المحاكمة، بخلاف المادة 108 من نظام المرافعات الشرعية التي تنص على:” إقرار الخصم – عند الاستجواب أو دون استجوابه – حجة قاصرة عليه، ويجب أن يكون الإقرار حاصلاً أمام القضاء أثناء السير في الدعوى المتعلقة بالواقعة المقر بها”.
يُحجِم هذا الإجراء دور محامي المتهم أثناء سير المحاكمة ويجعل دفاعه غير فاعل، نظراً لاستناد القضاء في الإدانة لتلك الإقرارات.
تعاود المباحث العامة التحقيق مع المتهم الممزوج بالتعذيب في حال امتنع عن المصادقة على إقراراته لدى قاضي التصديق، ما يجعل الكثيرين يقومون بالمصادقة للتخلص من التعذيب.
محاكمات صورية
طعن محامو العديد من ضحايا عمليات الإعدام، التي رصدتها المنظمة الأوروبية السعودية، ومن لم يصدر بحقهم بعد أحكام نهائية، أمام المحكمة، في الإجراءات المتخذة بحقهم لمخالفتها الأنظمة المحلية.
ولكن على الرغم من ذلك لم يتخذ القضاة أية إجراءات لإبطال المحاكمات. علاوة على ذلك أصدروا أحكاما بالقتل أو استمروا في المحاكمات ولم يكترثوا لسحق المباحث العامة للأنظمة المحلية.
تؤكد هذه الوقائع أن المحاكمات في السعودية صورية وغير مستقلة، وأن الملك وولي العهد يستخدمان هذه المحاكمات من أجل تصفية أصحاب الرأي والمعارضين بطريقة “قانونية”.
تعتقد المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان أن تصاعد تنفيذ عمليات الإعدام واستمرار النيابة بالمطالبة بتطبيق هذه العقوبة في 2021، يشير إلى إصرار السعودية على تجاهل التوصيات الدولية التي تدعو إلى حصّر استخدامها بحق مرتكبي الجرائم شديدة الخطورة.
بالإضافة إلى ذلك، ترى المنظمة أن عودة تصاعد عمليات الإعدام في السعودية كشفت أن القيادة السياسية في البلاد غير جادة في ترجمة وعودها بإجراء إصلاحات في ملف الإعدامات والكف عن نزعتها الدموية تجاه المعارضين وأصحاب الرأي.
كما تخشى المنظمة أن مماطلة السعودية في تطبيق وعودها يهدف إلى رغبتها بتصفية العشرات ممن تطالب النيابة بإعدامهم ومن صدرت بحقهم أحكام نهائية، قبل إقرارها أنظمة تكبلها أمام المجتمع الدولي.