ليس هناك تحالف سعودي – أمريكي، ولم تكن السعودية يوما بلدا حليفا للولايات المتحدة، وما يسمى تحالفا سعوديا – أميركيا لا يعدو أن يكون أسطورة سياسية روجتها الحكومة السعودية عقودا، فالتحالف المزعوم، وفقا لصحيفة واشنطن بوست، هو من نسج خيال شركة أرامكو وشركات النفط الأميركية، مثل ستاندرد أويل التي عملت في التنقيب عن النفط وإنتاجه في السعودية.
قد لا تكون هناك حاجة إلى خيال سياسي كبير لندرك مدى هشاشة هذه الأسطورة. نتذكر أنّ البلدين لم يوقعا أبدا اتفاقية دفاع مشترك، ولا تتجاوز العلاقات بينهما حدود الشراكة الضيقة في أجندات هامشية، مثل التعاون في مجال الاستخبارات ومكافحة الإرهاب.
فالتحالفات بين الدول تتأسّس على معاهدات دفاع مشترك، على غرار حلف شمال الأطلسي (الناتو)، أو معاهدات الدفاع المشترك بين الولايات المتحدة وحلفائها الآسيويين، مثل كوريا الجنوبية واليابان والفيليبين، أو حلف بغداد خلال الحرب الباردة.
ومع ذلك، لا يملّ السعوديون من أسطرة علاقتهم بالولايات المتحدة واستحضار اللقاء القصير الذي جمع بين الملك عبد العزيز بن سعود والرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت على متن البارجة الأميركية كوينسي، في فبراير/ شباط 1945، وترويجه لحظة مؤسسة لتحالف أميركي – سعودي.
فصورة الملك والرئيس تزين جدار سفارة المملكة في واشنطن، ويحتفى بها حاليا في مراسم احتفالات السعودية بمرور 75 عاما على اللقاء هذا العام، وتشمل احتفالا رسميا في الرياض، تخلله لقاء بين حفيدي عبد العزيز وروزفلت.
غير أنّ اللقاء، بتعبير هاري هوبكنز، وزير التجارة في إدارة روزفلت ومستشاره للشؤون الخارجية، لم يكن سوى لقاء روتيني وعفوي لم يؤسّس لبداية تحالف بين البلدين، ولم يترك تأثيرا يذكر على السياسة الأميركية الخارجية.
ووفقا لشهادة العقيد ويليام إي إيدي، ضابط المخابرات والدبلوماسي الذي كان مترجما في لقاء الملك والرئيس، تكمن أهمية اللقاء الوحيدة في رغبة روزفلت في معرفة موقف الملك من الهجرة اليهودية إلى فلسطين في ظل الانتداب البريطاني.
فلم يترك اللقاء أثرا في ذاكرة روزفلت سوى ما تعلمه من ابن سعود بشأن فلسطين، حيث صرح في جلسة مشتركة في الكونغرس: “تعلمت المزيد عن المشكلة برمّتها، مشكلة الصراع بين المسلمين واليهود، من خلال الحديث مع ابن سعود خمس دقائق أكثر مما كنت سأتعلمه في تبادل رسالتين أو 13 رسالة”.
لم يتغير الكثير منذ ذلك اللقاء. وإذا كانت الولايات المتحدة لم توقع معاهدة دفاع مشترك مع السعودية في أوج الحرب الباردة، رغم عداء المملكة التقليدي للاتحاد السوفييتي!
فلنا أن نتخيل مستقبل هذا “التحالف” في ظلّ إجماع بين الحزبين في الكونغرس على معارضة الحرب السعودية في اليمن ووقف الدعم العسكري الأميركي، وإعادة النظر في العلاقة بين البلدين، بل ومحاسبة السعودية على انتهاكات حقوق الإنسان.
زيادة على ذلك، أقرّ مجلس الشيوخ الأميركي أخيرا تشريعا يحدّ من قدرة الرئيس دونالد ترمب على شن حرب على إيران من دون موافقة الكونغرس، في رسالة واضحة مفادها بأنّ الولايات المتحدة لا تخوض حروبا بالوكالة عن السعودية.
ولعلّ العلاقة بين البلدين باتت تقتصر على مبيعات السلاح، فالسعودية أكبر مستورد للسلاح الأميركي، حيث أنفقت في عام واحد ما يفوق 67 مليار دولار على المبيعات العسكرية والدفاعية.
كما تعهدت المملكة بشراء أسلحة أميركية بقيمة 110 مليارات دولار، تماشيا مع مقولة ترامب “إنّ السعودية لا تملك شيئا آخر غير المال”. ليس هكذا تُبنى التحالفات. وليس التحالف، بل هشاشة التحالف وحدها تفسر سر تهافت السعودية على شراء السلاح الأميركي بصورة هستيرية.
قارن ذلك بالتحالف الأميركي – الإسرائيلي، حيث يتكفل دافع الضرائب الأميركي بسداد فاتورة الدعم العسكري لإسرائيل بما يتجاوز 40 مليار دولار خلال العقد المقبل.
في الواقع، لا يوجد هناك تحالف أميركي – إسرائيلي، حيث لم يوقع البلدان معاهدة دفاع مشترك، غير أنّ الولايات المتحدة تتعهد تقليديا بحماية أمن إسرائيل وضمان تفوقها العسكري.
(هذا ما عبّر عنه مسؤول رفيع في الخارجية الأميركية عام 1971، في خضم الحرب الباردة، حين صرّح لصحيفة نيويورك تايمز: “لو تعرّضت إسرائيل لتهديد حقيقي لبقائها فسنجد أنفسنا في حرب عالمية ثالثة خلال دقيقتين؛ أما مع برلين، فقد يستغرق ذلك عدة أيام”).
واقتصاديا، الولايات المتحدة اليوم أكبر منتج للنفط في العالم، حيث بلغت نسبة النفط المستورد من السعودية أدنى مستوياتها. ويكشف تقرير صدر حديثا عن وكالة “بلومبيرغ” أنّ حصة السعودية من إنتاج النفط العالمي تراجعت بنسبة كبيرة لصالح الولايات المتحدة.
لطالما ساهمت أسطورة “التحالف” السعودي الأميركي في التستر على هشاشة العلاقة بين البلدين، غير أنّ صناع القرار في واشنطن باتوا يدركون أنّ إزالة السحر عن هذه الأسطورة ستساهم في إعادة رسم السياسة الخارجية الأميركية بصورة أكثر واقعية.
من يدري، فربما تكفي هزيمة ترامب في الانتخابات المقبلة ووصول مرشح ديمقراطي إلى سدّة الحكم لتقويض هذه الأسطورة نهائيا.
– د. سراج عاصي أكاديمي زائر بجامعة جورجتاون الأمريكية.