تصدر ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” عناوين الصحف مرة أخرى في الأيام القليلة الماضية. وبعد إجراء مقابلة مع شبكة “سي بي إس”، اعترف فيها بتحمله المسؤولية في جريمة قتل “خاشقجي” العام الماضي، بدأ الجنون الإعلامي مع مجموعة واسعة من التقارير المرتبطة بالذكرى السنوية الأولى لمقتل “خاشقجي” الوحشي، وتفيد مصادر غير معروفة بأن “بن سلمان” يتعرض للهجوم من جميع الجهات، بما في ذلك داخل المملكة.
ومنذ صعود “بن سلمان” السريع كلاعب رئيسي في المملكة، تعرض ولي العهد لانتقادات شديدة من خصومه الدينيين المحافظين داخل البلاد. وفي الآونة الأخيرة، انتقدت أصوات أكثر ليبرالية، مثل وزير الطاقة السابق “خالد الفالح”، بعض سياسات ولي العهد.
واستجاب “بن سلمان” لهذه المعارضة بشكل حاسم، أولا بحملة “ريتز كارلتون” القمعية، ثم بالإطاحة بـ “خالد الفالح” والعديد من اللاعبين الرئيسيين الآخرين. وتم تصميم الاستراتيجية التي يتم تنفيذها حاليا بشكل رئيسي لدعم الاكتتاب العام الذي طال انتظاره في شركة “أرامكو”، وهو الحدث الذي يرى “بن سلمان” أنه سوف يعزز سلطته في مملكة النفط.
ويبدو أن مخطط “بن سلمان” لتركيز السلطة في يده كان يمضي كما يجب حتى الهجمات الأخيرة بالطائرات بدون طيار على “بقيق”. ويبدو أن تأثير هذه الهجمات ليست مفهوما بشكب جيد من قبل وسائل الإعلام والمحللين؛ لأن معظمهم ما زالوا يأخذون تصريحات “أرامكو” ووزير الطاقة السعودي حول تأثير الهجمات بوصفها حقائق ثابتة. لكن في الحقيقة، لا يمكن معالجة آثار هجوم بهذا الحجم في غضون أيام.
وحتى إذا تمت معالجة الأضرار التي لحقت بـ “بقيق” من الناحية الفنية، وتدفق النفط السعودي بنفس المعدلات كما كان من قبل، فقد تغير العالم بعد هذه الهجمات. ونحن نعلم الآن أنه مع وجود كمية صغيرة من أنظمة الأسلحة البدائية نسبيا، أصبح من الممكن بشكل كبير تعطيل قلب قطاع النفط العالمي. وتضاءلت المكانة المحورية للمملكة العربية السعودية كضامن استقرار رئيسي لأسواق النفط أو تم تدميرها تماما، ولن تتمكن أي خطة من استعادة الثقة في المملكة كمنتج بديل دائم يعتمد عليه في ضمان إمدادات الطاقة. ومع أقل من 30 طائرة دون طيار وبعض صواريخ كروز، خرجت الطاقة الإنتاجية السعودية الاحتياطية من السوق. وخلافا لما يعتقد الكثير من المحللين، فإن الإنتاج لم يعد حتى الآن إلى وضع التشغيل الكامل.
معارضو بن سلمان
ودخل الصراع السعودي الإيراني مرحلة جديدة، مع وجود تهديد حقيقي بحدوث صراع واسع النطاق. وعلى الرغم من هذه التطورات، رفضت الولايات المتحدة، حليف السعودية الأهم، الانجرار بالكامل إلى الصراع. ويبدو أن الصلة بين “ترامب” و”بن سلمان” تضعف مع ازدياد الضغط الجيوسياسي. ومن الواضح أن واشنطن سوف تكتفي بالتهديد، لكنها لن تتحرك بالفعل، فيما يتعلق بتصرفات إيران ضد السعودية. ولا يبدو أن المحللين وصناع السياسة في الولايات المتحدة يفهمون أن هذا الموقف لا يضعف النفوذ الأمريكي في المنطقة فحسب، بل يفتح الأبواب مباشرة لمعارضي “بن سلمان” داخل المملكة.
ونشرت مصادر إعلامية غربية وعربية عدة قصص مؤخرا حول المعارضة المتزايدة لـ”بن سلمان” داخل أسرة “آل سعود”. وهذه التقارير صحيحة بلا شك، وتعني أن “بن سلمان” سوف يواجه وقتا عصيبا. وسوف يتم تحديد مستقبل ولي العهد الشهرين المقبلين، لذا يبقى وقت قليل جدا للاعبين المعارضين للتحرك.
وبعد مستنقع حرب اليمن، والأضرار التي لحقت بقطاع النفط في “بقيق”، سوف يحاول بعض أفراد العائلة المالكة بلا شك إضعاف موقف “بن سلمان”. لكن المشكلة الرئيسية حاليا هي أنه لا يوجد منافس حقيقي، حيث لا يزال معظم السعوديين يدعمون “بن سلمان”. ولا يفضل الشباب الحرس القديم، مثل شقيق الملك “سلمان”، الأمير “أحمد بن عبدالعزيز”. ومع ذلك، يتعين على “بن سلمان” تسريع مشاريعه الطموحة، لأن النجاح فيها يعني كل شيء فيما يتعلق بالفوز بالسلطة في الرياض.
ولم يكن من المستغرب أن تأتي التقارير الإعلامية الإيجابية حول الاكتتاب العام في أرامكو قبيل انعقاد مؤتمر “دافوس في الصحراء”، أو مستقبل الاستثمار، لعام 2019. ومن شأن إطلاق الاكتتاب العام أثناء المؤتمر، وهو الإعلان الذي سيأتي متبوعا مباشرة بإدراج نسبة 1% من الشركة في بورصة “تداول” المحلية السعودية، من شأنه يضع “بن سلمان” نفسه بقوة في دائرة الضوء ويضعف أي معارضة. ومع حالة الجمود الحالية في المنطقة، سيكون هناك أكثر من 4 آلاف صندوق استثماري وصندوق ثروة سيادية وشركة كبرى في قاعات المؤتمرات في فندق “ريتز كارلتون” على استعداد لتقديم أموال الاستثمارات التي تشتد الحاجة إليها لتعزيز مكانة “بن سلمان”.
وستشهد الأسابيع المقبلة أيضا سوقا مفتوحا للدعم السياسي لـ”بن سلمان”، حيث من المتوقع أن يتوجه الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” إلى الرياض قريبا. وفي تناقض صارخ مع تراجع الصداقة بين “ترامب” و”بن سلمان”، يعد “بوتين” من كبار المؤيدين لاستراتيجية ولي العهد وأحلامه. وتتدفق أموال صندوق الثروة السيادي الروسي والشركات الاستثمارية الروسية الأخرى إلى الرياض كدليل إضافي على الدعم الروسي.
ويبدو أن موسكو مستعدة للاستفادة من رد فعل واشنطن الضعيف على الهجمات الأخيرة على المملكة، وسوف يكون “بن سلمان” حريصا على الاستفادة من ذلك. وقد تساعد العلاقة السعودية الروسية الأوثق في كبح جماح إيران، حيث تعتمد الجمهورية الإسلامية اعتمادا كبيرا على دعم موسكو.