أعادت أرملة الصحفي السعودي الراحل جمال خاشقجي، قضيته الإنسانية في الأروقة والمحاكم الأمريكية، عقب دعوى قضائية رفعت مؤخرا في محكمة أمريكية بالعاصمة واشنطن.
وتتهم المواطنة التركية “خديجة جنكيز”، ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بإصدار أمر قتل خاشقجي وتحاول إدانته على ذلك في الأروقة والمحاكم الأمريكية.
وتدعى منظمة “الديمقراطية الآن في العالم العربي” التي أسسها خاشقجي قبل اغتياله، على المتهمين، التسبب بتعطيل نشاطاتها، وتوجه اتهامات لولي العهد بإصداره أوامر القتل بهدف وقف ترويج خاشقجي عبر منظمته للديمقراطية والإصلاح السياسي في العالم العربي.
ويعتقد المندوب السابق للولايات المتحدة في مجلس حقوق الإنسان الأممي، أحد الشركاء في شركة “جينر آند بلوك” للمحاماة السفير كيث إم هاربر، أن فرص نجاح الدعوى القضائية في الأروقة الأمريكية “كبيرة جدا”.
ورغم محاولة الرياض إغلاق ملف جريمة مقتل خاشقجي، إلا أن طبيعة المحاكمة والقرارات النهائية التي أصدرتها المحكمة السعودية المختصة، أعادت الملف إلى واجهة الاهتمام، حيث تعتقد أوساط ومنظمات دولية، بغياب العدالة في تلك الأحكام.
وقتل خاشقجي في 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2018، داخل القنصلية السعودية بمدينة إسطنبول، مع اتهامات تنفيها الرياض بأن ولي العهد، هو من أصدر أمر اغتياله.
وبعد نحو 3 أشهر من حادثة الاغتيال، بدأت السعودية محاكمة 18 شخصا بتهم مختلفة، مع إصدار أحكام بالإعدام على 5 منهم والسجن والبراءة للمتهمين الآخرين.
لكن المحكمة السعودية عادت في 7 سبتمبر/أيلول الماضي، للتراجع عن أحكام الإعدام الصادرة، مكتفية بسجن 8 من المتهمين بأحكام متفاوتة بين 7 و20 سنة.
كما أغلقت المحكمة ملف القضية بشكل نهائي بعد 4 أشهر من بيان لعائلة خاشقجي بالعفو عن القتلة، نتج عنه تراجع المحكمة عن قراراتها التي أصدرتها نهاية العام الماضي.
وتعقيبا على تراجع القضاء السعودي عن أحكام الإعدام، أشار المتحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان روبرت كولفيل، إلى أنها قضية لم تتمتع بشفافية مناسبة في إجراءات العدالة.
ومنذ مقتل جمال خاشقجي على أراضيها، قادت تركيا قادت تحركات في الأروقة الدولية على مختلف الأصعدة للحيلولة دون إغلاق القضية قبل تحقيق العدالة ومحاكمة المسؤولين عن الحادثة.
ومطلع يوليو/تموز الماضي، بدأت إحدى المحاكم في إسطنبول محاكمة غيابية لعشرين سعوديًا من المتهمين باغتيال خاشقجي بينهم مقربان من ولي العهد، هما النائب السابق لرئيس الاستخبارات أحمد عسيري، والمستشار السابق في الديوان الملكي، سعود القحطاني، بصفتهما مدبّرا العملية.
وقررت المحكمة التركية عقد الجلسة الثانية لمحاكمة قتلة خاشقجي في 24 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، بعد الموافقة على لائحة اتهام قدمت شكواها خديجة جنكيز، تطال 20 سعوديا، بتهم التعذيب الوحشي والقتل والتحريض.
واعتبرت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء أغنيس كالامار، أن المحاكمة التي تقيمها تركيا للمتهمين العشرين الهاربين في القضية “أكثر عدالة”.
وأوضحت كالامار، أنه يمكن لوسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني الدولية والجميع متابعتها بكل شفافية، مؤكدة على أن محمد بن سلمان هو “المشتبه به الرئيسي” في الجريمة.
وترتبط قضية مقتل خاشقجي بالولايات المتحدة بشكل أو بآخر، حيث كان خاشقجي مقيم على أراضيها ويكتب في صحيفة “واشنطن بوست”.
وأقامت شركة “جينر آند بلوك” للمحاماة، بالنيابة عن خديجة جنكيز، ومنظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي (DAWN)، وهي منظمة غير ربحية مقرها الولايات المتحدة، دعوى قضائية ضد ولي العهد السعودي و28 شخصا أمام محكمة أمريكية بواشنطن.
وتتهم “جنكيز”، ولي العهد بإصدار أمر قتل خاشقجي، وهي التهمة التي تنفيها السعودية رسميا، وتقول في الدعوى إنها تعرضت لخسائر مالية وألم شخصي بسبب حادثة الاغتيال.
ووفقا لصحيفة “واشنطن بوست”، فإن فريق محاماة “جنكيز” تحدثوا لها بأن الدعوى القضائية تهدف إلى “تحميل ولي العهد عبر المحكمة الأمريكية المسؤولية المباشرة عن مقتل خاشقجي”.
وتهدف للحصول على وثائق تكشف حقيقة ما جرى، انطلاقا من الثقة التي تضعها “جنكيز” في نظام العدالة الأمريكي لتحقيق قدر من العدالة والمساءلة.
وفي وقت سابق من عام 2019، أصدرت الولايات المتحدة أوامر بمنع نحو 20 مسؤولا سعوديا من دخول البلاد وجمّدت أرصدة نحو 17 شخصا آخرين.
ويرى السفير كيث إم هاربر، أن فرص نجاح الدعوى القضائية “كبيرة جدا”.
ولفت هاربر إلى احتمالات كشف أدلة جديدة في جريمة قتل “خاشقجي” خلال الفترة المقبلة تثبت تورط “ابن سلمان” في الجريمة، وتؤكد أن القتل كان بناء على أوامره.
وتوقع خلال المقابلة أن يكون النطق بالحكم في الدعوى القضائية بالولايات المتحدة بعد عام ونصف.
ووجه انتقادات لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لأنها “لم تحاسب المتورطين في قتل خاشقجي، بل تفاخر ترامب بمساعدة محمد بن سلمان بعد مقتل خاشقجي”.
وشدد على ضرورة أن “تصل العقوبات إلى أعلى هرم السلطة في السعودية، وعلى رأسه محمد بن سلمان، وجميع الأفراد رفيعي المستوى الآخرين المتورطين في هذه الجريمة”.
ويؤكد المحامون المكلفون بالدعوى القضائية في واشنطن، أن الدعوى صالحة للنظر في محكمة أمريكية بموجب قوانين ودستور البلاد، وقانون حماية ضحايا التعذيب وقانون التعويضات عن الإضرار بالغرباء، الذي يسمح لغير المواطنين برفع دعاوى بخصوص أعمال مرتكبة خارج الولايات المتحدة.
ومنذ حادثة الاغتيال، حرص ترامب على إبقاء العلاقات مع السعودية قائمة وعدم الإضرار بها أو بعلاقته مع ولي العهد الحاكم الفعلي للسعودية.
وترفض السعودية الاعتراف بأي محكمة أخرى باستثناء محاكمها المختصة، كما ترفض الدعوات لتدويل قضية الاغتيال ومحاكمة المسؤولين عنها أمام المحاكم الدولية، ما دفع دولا ومنظمات لرفع دعاوى في إسطنبول وواشنطن لمحاكمة المسؤولين عن حادثة الاغتيال.