“أشهر من نار على علم”، هو وصف دقيق لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان؛ فقد نال شهرة واسعة خلال فترة قياسية، من جراء قراراته وإجراءاته وحملات اعتقالاته في السعودية، وأخيراً قضية قتل الصحفي جمال خاشقجي.

بن سلمان، الذي تولّى ولاية العهد، في يونيو 2017، أصبح ينافس في ذياع الصيت أشهر الشخصيات السياسية بالعالم، وقد تزاحم شهرته نجم رئيس أعظم دولة على وجه الأرض، الأمريكي دونالد ترامب.

لكن شهرة ولي العهد السعودي لم تأتِ من عمله المناصر للسلام، ولا من دفاعه عن قضايا العرب، ولا من حرصه على حماية الأقليات المسلمة المضطهدة في بلدانها، ولا استماتته في تحشيد القوى العالمية لردع الاحتلال الإسرائيلي، لكنها شهرة بُنيت على استخدام النفوذ في القتل وتمكين سطوته.

هذا ما يترجمه الرفض الشعبي لزيارات بن سلمان إلى بلدانها، وتلقّيه إدانات من قبل منظّمات ومؤسسات رسمية وشعبية من مختلف دول العالم، خاصة مع استمرار السعودية في قيادة تحالف الحرب باليمن، ثم ما زاد الطين بلّة جريمة اغتيال خاشقجي.

الجريمة الأخيرة التي وقعت في قنصلية الرياض بمدينة إسطنبول التركية، مطلع أكتوبر الماضي، ما زالت الحطب الذي يغذّي إيقاد نار الكره العالمي لولي العهد السعودي.

“الأمير أبو منشار”!
ما جرى في شمال أفريقيا مؤخراً كان صفعة قوية تلقّاها بن سلمان؛ فعلى الرغم من الترحيب الحكومي فإن شعوب هذه البلدان خرجت برفض شديد لزياراته.

وفي مظاهرات مختلفة ورفض شعبي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كان بن سلمان يوصف بعبارات عدّة؛ فقد أطلقوا عليه لقب السفّاح والمجرم، واللقب الأكثر شيوعاً الذي صار يرافق صوره التي يحملها متظاهرون هو “أبو منشار”.

هذا اللقب أُخذ من “المنشار” الذي كُشف عنه في تحقيقات حول جريمة اغتيال خاشقجي، الذي جرى تقطيع جثّته على يد فريق اغتيال مقرّب من بن سلمان، وما زالت مختفية حتى اللحظة.

في تونس كانت الاحتجاجات واسعة قبل وأثناء زيارة ولي العهد السعودي إلى البلاد، في 27 نوفمبر الماضي، ضمن جولة عربية زار خلالها أيضاً البحرين والإمارات ومصر.

التونسيون ردّدوا في مظاهراتهم هتافات: “بن سلمان يا غدّار ارفع يدك عالأحرار”، و”بن سلمان القاتل لا أهلاً ولا سهلاً”، و”شعب مواطنين.. تونس ليست للبيع”، و”الشعب يريد طرد بن سلمان”.

بدورهم تقدّم محامون تونسيون بدعوى لمنع الزيارة، في حين أصدرت أحزاب سياسية، ومنظّمات طلابية، وجمعيات حقوقية، ونقابات مهنية في البلاد، بيانات رافضة للزيارة.

#زيارة_المنشار_عار
في مصر لم يكن الحال أفضل من تونس؛ فالرفض الشعبي كان في استقبال ولي العهد، وفي الجهة المقابلة كان عبد الفتاح السيسي، الذي يرأس دولة تنتشر فيها السجون وحالات القمع والاعتقالات ضد السياسيين والنشطاء والصحفيين.

وسبق معارضون وصحفيون مصريون زيارة بن سلمان لبلدهم بالإعلان عن رفضهم للخطوة، في حين شارك نشطاء في إبداء الرأي الرافض عبر التعليق من خلال وسم اشتهر كثيراً وحمل عنوان “#زيارة_المنشار_عار “.

من جانبها أعربت “الحركة المدنية الديمقراطية” (معارِضة تضم 9 أحزاب وشخصيات سياسية بارزة)، في بيان لها، عن “شديد امتعاضها” من زيارة ولي العهد السعودي للقاهرة.

وقالت الحركة تحت عنوان “لا أهلاً ولا سهلاً”، وإنها لم تنسَ “أنه (بن سلمان) أحد مهندسي جريمة انتزاع جزيرتي تيران وصنافير المصريتين”.

وتُقرّ اتفاقية “تيران وصنافير” بـ”أحقية” السعودية في جزيرتين تحملان ذات الاسم تقعان بالبحر الأحمر، وكانت محل رفض وانتقادات من مصريين قبل عامين.

الحركة اعتبرت زيارة بن سلمان “محاولة لتجميل صورته المشوّهة نتيجة جريمة قتل خاشقجي، والتي تشير كافة الأدلة إلى أنه أمرَ شخصياً بتنفيذها”.

وفي السياق ذاته وقّع عشرات الصحفيين بمصر على بيان يرفض الزيارة؛ لأسباب بينها مقتل خاشقجي، قائلين: إنها “تمثّل جريمة واضحة ومكتملة الأركان”.

الجزائر تدين الجريمة
الجزائر، التي من المقرّر أن يزورها ولي العهد السعودي، خلال الأيام القليلة المقبلة، أبدت رفضاً شعبياً وسياسياً للزيارة.

فقد أكّد عبد الرزاق مقري، رئيس حركة مجتمع السلم، أكبر حزب إسلامي في الجزائر، أن الزيارة المرتقبة لولي العهد السعودي إلى بلاده لا تخدم صورتها عربياً أو دولياً، وتهدف فقط لستر نفسه.

وقال مقري، خلال ندوة سياسية بمقر الحزب في العاصمة الجزائر، الأسبوع الماضي: “إن استقبال بن سلمان في هذه المرحلة لا يخدم صورة الجزائر على المستوى العالمي أو العربي”.

واتهم مقري بن سلمان بمحاولته جعل الجزائر دولة تعيش على المساعدات من خلال هذه الزيارة، لكن الجزائريين لن يقبلوا بأن تتحوّل بلادهم إلى بلد طمّاع.

وتابع: “لقد وصل الحد اليوم في السعودية إلى القتل الجماعي في اليمن (..) هناك أعداد هائلة من المهدّدين والسجناء والقتلى، وآخرها قضية خاشقجي”.

وبعد نحو شهرين من الجريمة، خرجت السلطات الجزائرية بموقف أدان اغتيال خاشقجي، في وقت سبق الإعلان عن زيارة مرتقبة لبن سلمان إلى البلاد.

وخلّف الإعلان عن هذه الزيارة، التي ستبدأ يوم 6 ديسمبر الجاري، جدلاً في الجزائر، خاصة في شبكات التواصل الاجتماعي، حيث أطلق ناشطون حملات لمعارضة قدومه.

موريتانيون: لا مكان لبن سلمان على أرضنا
في موريتانيا لا يختلف الحال عن الجزائر؛ فهذا البلد موضوع على أجندة زيارة بن سلمان، لكنه أيضاً بدا -شعبياً- غير مرحَّب بهذه الزيارة.

فقد نظّمت “المبادرة الطلابية لمناهضة الاختراق الصهيوني والدفاع عن القضايا العادلة” في موريتانيا، وقفة احتجاجية في جامعة نواكشوط؛ رفضاً للزيارة.

وردّد المشاركون شعارات تصف بن سلمان بـ”السفاح والقاتل”، وتحمّله مسؤولية اغتيال خاشقجي وقتل أطفال اليمن وتشريدهم.

وقال المحتجون: إنه “لا مكان لولي العهد السعودي على أرض موريتانيا؛ لمسؤوليّته عن سجن العلماء والمفكّرين والدعاة”.

وشنّ بن سلمان حملة اعتقالات واسعة منذ توليه عهد والده في 2017، وكان من بين المستهدفين علماء ودعاة لهم شأن كبير على مستوى العالم الإسلامي.

وناشدت المبادرة، في بيان لها، السلطات الموريتانية بالاعتذار عن عدم قبول الزيارة؛ “استجابة لرغبة الشعب الموريتاني”.

حال اليمن فضح السعودية
ما يجري في اليمن من تدهور في كافة مناحي الحياة سببه نار الحرب التي تستمرّ بالاشتعال منذ 2015، حيث تقود السعودية تحالفاً عسكرياً عربياً لمقاتلة الحوثيين.

نتائج الحرب زادت من رفض اليمنيين لوجود السعودية وتدخّلها في بلادهم، وهو ما جعلهم يخرجون بوقفات واحتجاجات تندّد بالسعودية وبولي العهد.

الرفض اليمني لبن سلمان لم يكن فقط في داخل اليمن، بل خرجت مظاهرات في مدن أوروبية كانت تُظهر من خلال صور ورسومات أنه “مجرم وقاتل”.

صور بن سلمان تلتهمها نيران مسيرات العودة
غزة التي بدأ يخرج سكانها في مسيرات انطلقت، منذ مارس الماضي، على حدود القطاع، وما زالت مستمرة حتى الآن، كان بن سلمان حاضراً فيها.

لكن حضوره كان من خلال صوره التي أحرقها المتظاهرون، إضافة إلى حرقهم صور والده ضمن فعاليات المسيرات الشعبية السلمية.

حرق هذه الصور كان تعبيراً من قبل المتظاهرين عن رفضهم للدور “المشبوه” الذي تؤدّيه السعودية وولي عهدها لتصفية القضية ضمن مخطّط “صفقة القرن”.

وغضبُ الفلسطينيين على بن سلمان جاء بعد تصريحات “صادمة” حول اعترافه بوطن لـ”إسرائيل”، ما أثار موجة غضب ألقت بظلالها على المسيرات في غزة.

وفي تصريحات لمجلة “ذا أتلانتيك” الأمريكية، في وقت سابق، قال بن سلمان: إن “الشعب اليهودي له الحق في العيش بدولة قومية”.

“خاشقجي” شوه سمعة بن سلمان
في دول أوروبية لا يختلف الحال كثيراً عما يجري من رفض في مدن عربية، وهذا ما تكشف عنه مسيرات ووقفات احتجاجية أظهرت رفضها من خلال صور ورسومات.

وتضاعفت أعداد هذه المسيرات الرافضة بعد جريمة اغتيال جمال خاشقجي، وظهور أدلة تشير إلى وقوف بن سلمان خلف الجريمة التي هزّت الرأي العام العالمي.