روض ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان” المؤسسة الدينية في المملكة (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) شديدة المحافظة، وجعل من المشاعر القومية، عوضا عن الزعامة السنية الدينية، دعامة للهوية السعودية الجديدة في القرن الحادي والعشرين.

لكن هوية المستفيدين الأوائل من أمر ملكي حديث صدر مؤخرا بمنح الجنسية للمتميزين في القانون والطب والعلوم والتكنولوجيا والثقافة والرياضة تشير إلى أن “بن سلمان”، على عكس المنافسين الرئيسيين للمملكة الذين يسعون لجذب المواهب الأجنبية بما في ذلك الإمارات وقطر وسنغافورة، يرى أن الدين مجال تنافس لا يقل أهمية.

فحقيقة أن ما يقرب من ربع المواطنين الجدد البالغ عددهم 27 شخصا هم شخصيات دينية سنية وشيعية، وبعضهم ليس مقيما في السعودية، تلخص الأهمية التي يعزوها “بن سلمان” إلى التنافس على القوة الناعمة الدينية في دول الشرق الأوسط والبلدان الأسيوية ذات الأغلبية المسلمة.

 

تجنيس رجال دين سنة وشيعة

ومن بين المواطنين الذين تم منحهم الجنسية السعودية مؤخرا: المفتي السابق للبوسنة والهرسك “مصطفى سيرتش”، ورئيس “المجلس الاسكندنافي للعلاقات” عضو المجلس الأعلى في “رابطة العالم الإسلامي”، “حسين الداودي”، وأمين عام “المجلس الإسلامي العربي” في لبنان رجل الدين الشيعي “محمد الحسيني” المعروف بعدائه لإيران ودفاعه عن إقامة علاقات مع إسرائيل، والأمين العام لـ”اللجنة الإسلامية المسيحية للحوار” في لبنان “محمد نمر السماك”، والباحث في دراسات الفكر الإسلامي عضو المجلس الأعلى في “رابطة العالم الإسلامي” اللبناني “رضوان نايف السيد”.

غالبية المواطنين الجدد هم أطباء وباحثون وعلماء ومهندسون ومؤرخون بارزون. وكان علماء الدين منهم، باستثناء “الحسيني”، إما موقعين على إعلان مكة لعام 2020 الذي دعا إلى التسامح والتفاهم الثقافي والديني أو أعضاء في المجلس الأعلى لـ”رابطة العالم الإسلامي”.

فقد حول “بن سلمان” الرابطة، التي كانت حتى عام 2015 وسيلة رئيسية لنشر الوهابية عالميا، النسخة السعودية من الإسلام السني شديد المحافظة، إلى أداة رئيسية له لنشر رسالة التسامح الديني والحوار بين الأديان.

وهذه الرسالة تمت ترجمتها في البنية التحتية والتنمية الاقتصادية للمناطق الشيعية المحرومة بالمنطقة الشرقية الغنية في النفط في المملكة وتعيين الشيعة كرؤساء تنفيذيين لشركات رئيسية، بما في ذلك “أرامكو”، شركة النفط المملوكة للدولة.

لكنها لم تُترجم إلى السماح للشيعة أو لأي شخص آخر في المملكة في التعبير عن أنفسهم بحرية أو انتقاد ولي العهد أو سياسة الحكومة. كما أنه لم يدفع الحكومة إلى السماح لغير المسلمين بممارسة شعائرهم في العلن أو بناء دور عبادة لغير المسلمين.

وجاء تجنيس شخصيات دينية لبنانية وبوسنية في وقت يمر فيه كلا البلدين بأزمة.

إذ تقود السعودية حملة مقاطعة للبنان المفلس والذي يمزقه الفساد في محاولة لكسر سيطرة “حزب الله”، المليشيا المدعومة من إيران، على البلاد. ودفعت المقاطعة الدولة ذات الدخل المتوسط ​​ إلى الهاوية؛ حيث يعيش أكثر من نصف سكانها تحت خط الفقر.

وبالمثل، تقف البوسنة على حافة منحدر؛ حيث يهدد صرب البوسنة بتفجير الاتحاد القائم قي هذا البلد بين المسلمين والكروات والصرب.

 

برامج تجنيس

وتعد السعودية أحدث دولة تعلن عن برامج للجنسية أو الإقامة الدائمة المصممة لجذب المواهب العالمية. فقد أصبحت قطر عام 2018 أول دولة خليجية تُقدم على الخطوة، وتلتها سنغافورة في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، ثم الإمارات في يناير/كانون الثاني 2021.

كما سبق أن طرحت دول مثل الإمارات وقطر برامج جنسية عبر شراء العقارات، في حين تمتلك قطر أيضا سجلا في منح الرياضيين الأجانب الجنسية لتعزيز أدائها في البطولات الدولية.

وفي عام 2017، وكأسلوب دعائي أثار جدلا وسخرية، منحت السعودية جنسيتها إلى “صوفيا”، وهي روبوت على شكل امرأة.

وقالت “صوفيا”، التي تقلد البشر، في مؤتمر لمستثمرين رفيعي المستوى، إنها تشرفت بأن تكون أول روبوت يحصل على الجنسية السعودية.

وتعززت الرمزية في الخطوة من خلال حقيقة أن الروبوت رغم تقليده لامرأة لم يكن يرتدي غطاء رأس أو زيا يغطي شكل جسمه. ولم تكن عادات اللباس بالنسبة للنساء في المملكة متحررة بشكل كبير في ذلك الوقت.

 

التحرر الاجتماعي

لقد أخذت الإمارات زمام المبادرة في التحرر الاجتماعي في سعيها للبقاء جذابة للمغتربين، وتمكينها من مواجهة الجهود السعودية لإجبار الشركات التي ترغب في القيام بأعمال تجارية مع الحكومة السعودية على نقل مقارها إلى المملكة بدلا من دبي، وإبراز الدولة على أنها منارة الاعتدال.

ومفتتحة السباق مع المملكة، كشفت الإمارات في العام الماضي عن خطط  لمنح المقيمين مهلة للبحث عن وظيفة جديدة إذا أصبحوا عاطلين عن العمل بدلا من إجبارهم على مغادرة البلاد على الفور، والسماح للآباء بكفالة تأشيرات الإقامة لأطفالهم حتى بلوغهم سن الـ25، وتخفيف قيود التأشيرة على العاملين لحسابهم الخاص والأرامل والمطلقات.

كما أنهت الإمارات العقوبات المخففة بالنسبة لجرائم “الشرف”، وسمحت لغير المتزوجين بالإقامة معا، وألغت تجريم الكحول. كما أصلحت قوانين الأحوال الشخصية لتمكين الأجانب الذين يعيشون بها من اتباع قوانين بلادهم بشأن الطلاق والميراث، بدلا من إجبارهم على الالتزام بالتشريعات الإماراتية التي تستند إلى الشريعة الإسلامية.

وحتى الآن، لم تتبن السعودية إصلاحات مماثلة. لكن حكومة المملكة تأمل في جلب الشركات لها من خلال التحذير من أنها لن تمنح العقود للشركات التي فشلت في نقل مقارها الإقليمية إلى المملكة بحلول عام 2024.

ومن المتوقع أن تنتقل أكثر من 40 شركة إلى الرياض خلال العام المقبل، بحسب “فهد الرشيد”، الرئيس التنفيذي للهيئة الملكية لمدينة الرياض. ويأمل “الرشيد” أن تكون بلاده استقطبت 480 شركة بحلول عام 2030. وبحسب ما ورد، يحاول المسؤولون السعوديون إقناع حوالي 7000 شركة أجنبية بإنشاء متاجر لها في المملكة.

 

قضايا ديموجرافية

وتثير المنافسة على المواهب الأجنبية قضايا ديموجرافية قابلة للانفجار، لا سيما في دول الخليج التي تعاني من عجز المواطنة؛ حيث يكون أكثر من نصف السكان من غير المواطنين. وإلى حد ما، تعالج جهود دول الخليج لاستقطاب المواهب الأجنبية التساؤولات التي طرحها قبل عدة سنوات “سلطان سعود القاسمي”، وهو ناشط وكاتب وجامع لوحات ورجل أعمال إماراتي، في وقت كانت مناقشة مثل هذا الموضوع من المحرمات.

ولم يكن مفاجئا آنذاك أن أثار “القاسمي” الجدل من خلال الدعوة إلى إعادة التفكير في سياسات المواطنة الإماراتية التقييدية، التي من المرجح أن تؤدي إلى تفاقم المشكلات طويلة الأجل المرتبطة بالعجز الديموجرافي بدلا من تخفيفها. ومرددا الشعور الذي كان يكتسب زخما بين الشباب المتمرس على الإنترنت، أشار “القاسمي” إلى أن الأجانب، الذين ليس لديهم حقوق، ساهموا على مدى عقود في نجاح الإمارات.

وقال: “ربما حان الوقت في النظر في طريقة التجنيس، سيفتح هذا الباب أمام رجال الأعمال والعلماء والأكاديميين وغيرهم من الأفراد المجتهدين الذين قدموا المساندة والرعاية للبلاد كما لو كانت بلدهم”.

على نفس المنوال، اندلع الجدل عندما منحت قطر 23 رياضيًا من 17 دولة الجنسية قبل دورة الألعاب الأولمبية في ريو دي جانيرو 2016. وشكل هؤلاء آنذاك غالبية فريق الدولة الخليجية المؤلف من 39 عضوًا، والذي فاز بأول ميدالية ذهبية لقطر على الإطلاق. كان ذلك جدلا أوضح للقطريين أنه لا توجد حلول سهلة للعجز الديموجرافي، الذي يمكن أن يثبت أنه لا يمكن تحمله على المدى الطويل.

ويشعر القطريون بالقلق من أن المتجنسين يمكن أن يقلبوا الأمور ببلدهم رأسا على عقب. وتم تعزيز الهوية القطرية عندما أعلنت السعودية والإمارات والبحرين ومصر مقاطعة دبلوماسية واقتصادية للدولة الخليجية تم رفعها في وقت مبكر من هذا العام. وقال رجل أعمال قطري: “مع ذلك لدينا مشكلة”؛ فـ”التجنيس سيجعل الأمور أكثر صعوبة”.

 

قضية البدون

ويعد “البدون” في الكويت وبعض دول الخليج الأخرى إحدى المجموعات التي يمكن حل مطالبات الجنسية الخاصة بها بسهولة نسبيا. وهم أقلية بدوية عديمة الجنسية؛ حيث فشلت في التسجيل للحصول على الجنسية وقت الاستقلال. وهؤلاء محرمون حاليا من الخدمات العامة، وغالبا ما يعيشون في فقر نسبي.

وقالت طالبة من البدون، تستخدم اسم “_Itsaja_” على “تويتر” إنها تعرضت مع طلاب آخرين للطرد الأحد الماضي من مدرسة الجهراء الثانوية الكويتية عندما تم اكتشاف أنهم من فئة البدون. ونشر العديد من الطلاب تغريدات متطابقة تقريبا.

ومرددة نفس الكلمات التي غردها آخرون قالت “شمس الدين”: “أنا طالبة في السنه الأخيرة علمي، أدرس مسائي، حصلت على نسبه 98% السنه الماضية، واليوم يتم طردي لأنني من #البدون مع أن جميع المستندات المطلوبة كاملة”.