بقلم/ د. أبو الجوائز
تتأثر أسباب الانشقاق من أفراد العسكر بالظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية في البلدان، وهذه الانشقاقات قد تؤدي إلى تداعيات وتحديات أمنية واجتماعية على المستوى المحلي والإقليمي يقول كرين برينتون في كتاب (تشريح الثورة) ”لم تسقط أي حكومة من قبل المهاجمين حتى فقدت السيطرة على قواتها المسلحة أو فقدت القدرة على استخدامها بشكل فعال”
ما يحدث من انشقاقات من أفراد العسكر في السعودية له عدة أسباب، ومن بينها:
- 1. اختلاف الرؤى والمعتقدات: يمكن أن يكون هناك خلافات في الرؤى السياسية أو الدينية بين أفراد العسكر والقيادات العليا، مما يجعل بعضهم يختلفون وينشقون عن الجيش للانضمام إلى معسكر آخر يتقاسم نفس الرؤى. وما يقوم به محمد بن سلمان من سنوات هو تغيير جذري للرؤى الدينية للمجتمع وهذا ما يؤدي إلى انشقاقات متتالية وتزداد وتيرة الانشقاقات
- 2. الظلم والفساد: قد يشعر بعض أفراد العسكر بالاستياء من الفساد أو الظلم داخل النظام العسكري أو حتى ما يرونه من ظلم وفساد في قطاعات المجتمع المدني مما يدفعهم إلى الانشقاق والانضمام إلى معارضين للنظام الحاكم.
- 3. الظروف الاجتماعية والاقتصادية: تؤثر الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة على معنويات أفراد العسكر، وقد يشعرون بالإحباط والانزعاج من ظروف عملهم ومعيشتهم، مما يدفعهم للانشقاق بحثًا عن فرص أفضل.
ويقول تشالز كورزمان في كتاب (الثورة التي لا يمكن تصورها في إيران) بدون ولاء الجيش ، حتى أكثر الديكتاتورين صدقًا يتحول إلى رجل وحيد – شخص لا يملك شيئًا للدفاع عن نفسه سوى بندقيته (منشاره في حال محمد بن سلمان).
خلال الثورة الإيرانية 1978-1979 ، كان الجزء الأساسي من استراتيجية المعارضة هو كسب ولاء الجنود. وقام المتظاهرون بتسليم الزهور للجنود ورددوا شعارات مثل “الجيش جزء من الأمة” و “الأخ الجندي لماذا تقتل إخوانك؟” كانت هذه الاستراتيجية ناجحة. فبدأ الجنود في الانشقاق عن جميع أقسام الجيش. بحلول كانون الثاني (يناير) 1979، انشق ما يقرب من ألف جندي كل يوم – انضم بعض الجنود إلى المظاهرات، بينما عاد آخرون ببساطة إلى منازلهم وعائلاتهم. لتجنب تعرض الجنود بشكل أكبر لرسالة المتظاهرين، وبالتالي احتمال الانشقاق ، قرر القادة العسكريون الموالون للنظام في النهاية إبقاء قواتهم بعيدًا عن طرق مسيرة المتظاهرين.
في كتاب “لماذا تنجح المقاومة المدنية: المنطق الاستراتيجي للصراع اللاعنفي”، يؤكد المؤلفان على فعالية الحملات اللاعنفية التي تهدف إلى انشقاق القوات الأمنية عن النظام الحاكم. يشير هذا الكتاب إلى أن نسبة نجاح تلك الحملات تفوق 45 مرة مما تحققه الحملات التي لا تستهدف انشقاق القوات الأمنية.
تتناول الدراسة في هذا الكتاب عدة جوانب تتعلق بأسباب النجاح النسبي للحملات اللاعنفية في جذب القوات الأمنية للانشقاق عن النظام الحاكم. من أهم العوامل التي يستعرضها المؤلفان:
- 1. أهمية النظام العسكري في الصراع: يتطرق الكتاب إلى أهمية القوات الأمنية في الصراعات الداخلية وكيف أن انشقاقها قد يؤدي إلى تغيير ديناميكيات الصراع وقوة المقاومة المدنية.
- 2. استهداف العواطف والولاءات: تركز الحملات اللاعنفية على استهداف الجانب الإنساني في أفراد القوات الأمنية، مثل استخدام القصص المؤثرة للتأثير فيهم عاطفيًا وتشجيعهم على التفكير في مواقفهم والانضمام إلى صفوف المقاومة.
- 3. استراتيجية الانفتاح والدعوة للتغيير: تعتمد الحملات اللاعنفية على استراتيجيات تشجيع الحوار والتواصل مع القوات الأمنية، وتقديم دعوات للتغيير وتبني الإصلاحات بدلاً من الاقتتال والصراع المسلح.
- 4. استفادة من عوامل الضعف الداخلية للنظام الحاكم: تحاول الحملات اللاعنفية استغلال الضغوط الداخلية والاختلالات في النظام الحاكم، واستثمارها في جذب القوات الأمنية للانشقاق.
- 5. انتقاء الأوقات الملائمة: يعتبر الكتاب أهمية اختيار الأوقات الملائمة لتنفيذ الحملات اللاعنفية، حيث قد يكون لبعض الظروف السياسية والاجتماعية تأثير في تحقيق النجاح.
تعد هذه الدراسة في الكتاب مرجعًا هامًا لفهم كيفية التأثير على القوات الأمنية وجذبها للانشقاق عن النظام الحاكم بطرق غير عنفية. تؤكد الأبحاث في الكتاب على أن الاهتمام بعوامل نفسية واجتماعية وسياسية في التعامل مع القوات الأمنية يمكن أن يكون له تأثير كبير في توجيه مسار الصراع نحو طرق سلمية وحلول شاملة.
ولمنع الانقلابات، يتبع المستبدون عادة ثلاث خطوات استراتيجية محددة للتصدي لهذا الخطر:
- 1. رفع مستوى الولاء: يعتمد المستبدون على زيادة مستوى الولاء للأجهزة الأمنية والقوات المسلحة. يقومون بتعزيز ولاء هذه الأجهزة وتعبئتها للتصدي لأي تحديات داخلية، وبذلك يحاولون تقليل فرصة وقوع الانشقاق العسكري. ومن اللافت أن بعض الدول التي شهدت اندلاع الربيع العربي شهدت انشقاقات عسكرية، رغم استخدامها لاستراتيجيات منع الانقلابات لسنوات طويلة لحفظ ولاء القوات المسلحة.
- 2. التنسيق وتكثيف الرقابة: استراتيجيات منع الانقلابات تعتمد بشكل كبير على التنسيق الجيد بين الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة. ومع ذلك، قد تؤدي هذه الإجراءات إلى تفاقم الظلم الشخصي والجماعي، وتقليل احتمال اكتشاف الجنود المنشقين ومعاقبتهم. وبالتالي، يمكن أن تزيد هذه الاستراتيجيات من احتمالية حدوث الانشقاق العسكري.
- 3. زيادة صعوبة التنسيق: تعتمد استراتيجيات أخرى لمنع الانقلاب على جعل تنسيق الانقلاب أكثر صعوبة. يتم ذلك عن طريق إنشاء وحدات عسكرية موازية للقوات الرئيسية، مما يؤدي إلى زيادة التعقيد والمشاكل في التنسيق بينها. ومن خلال هذه الاستراتيجية، يمكن للحاكم أن يستخدم الوحدات المختلفة ضد بعضها البعض في حالة حدوث محاولة انقلاب. كما يتم تغيير قادة القوات المسلحة بانتظام، مما يجعل من الصعب تحقيق التنسيق المستمر، ويقلل بالتالي من فرص حدوث الانشقاق.
بشكل عام، استراتيجيات منع الانقلابات يمكن أن تكون فعالة في بعض الأحيان للحفاظ على استقرار السلطة الحاكمة، ولكنها قد تسبب في زيادة الضغوط والاحتقان داخل الجيش والمجتمع، مما يزيد من احتمالية حدوث الانشقاق العسكري وظهور تحالفات جديدة للتصدي للحكم الحالي.
أود أن ننبه إلى أن الانقلاب والانشقاق العسكري يتميزان بفروق أساسية.
أولاً، الانقلابات تحدث في مركز السلطة السياسية، وعند فشلها، تصبح فرص الهروب قليلة للمتورطين. ومن ثم، يُعاقب مخططو الانقلاب عادة بالمنفى أو في الأحوال الأسوأ بالإعدام، نادرًا ما يتم منحهم العفو.
مقابل ذلك، فإن الانشقاق العسكري يمكن أن يحدث في أي مكان، وغالبًا ما يحدث بعيدًا عن مركز القوة، مما يتيح فرصًا واسعة للهروب.
ثانيًا، أثناء المقاومة المدنية، يوجد طرف ثالث منشقين يمكن أن ينضموا إلى صفوف المنشقين. يمكن للجنود المنشقين الانضمام إلى حملة المجتمع المدني ويمكن لهم أن يحصلوا على الحماية والطعام والدعم من أعضاء الحملة. وهذا الأمر نادرًا ما يحدث بالنسبة لمدبري الانقلاب الذين يجدون أنفسهم في عزلة.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للجنود الانضمام للمنشقين حتى إذا كانوا لا يعتقدون أنهم سيحصلون على دعم من زملائهم، بينما يكون الأمر صعبًا بالنسبة لمخططي الانقلاب الذين يجدون أنفسهم بحاجة لدعم عسكري قوي لتحقيق أهدافهم.
في النهاية، فإن الانقلاب يعتمد بشكل كبير على تأييد القوات الأمنية الرئيسية، بينما يمكن للانشقاق العسكري أن يكون أقل اعتمادًا على دعم زملائهم العسكريين، مما يجعلها حلاً محتملاً لتحقيق التغيير في الأنظمة السياسية أو العسكرية.