لأعوام، كان النقد يُوجه إلى قادة المملكة العربية السعودية بسبب وتيرة التغيير البطيئة للغاية في تلبية احتياجات مجتمع المملكة النشط الذي يتوسع بسرعة، فضلًا عن التأخر في الانفتاح على العالم.
ومن المفارقات، منذ تولى ولي العهد “محمد بن سلمان” السلطة، تحولت الأصوات الناقدة لتنتقد محاولته فعل الكثير بسرعة كبيرة بعد ظهوره كوزير للدفاع ووليا لولي العهد عام 2015.
وفي مقابل هذا الطيف من التوقعات، يوجد تقاطع بين الطاقة والسياسة والأمن في المملكة، التي شهدت تغيرات سريعة استلزمت إعادة تقييم المشهد الجيوسياسي الذي يواجه القيادة السعودية، بعد 5 أعوام من تولي الملك “سلمان” العرش.
وبينما يحتفظ الملك “سلمان” بسلطة اتخاذ القرار النهائية في المملكة، فقد أشرف على تطورين غيرا ديناميكيات العائلة المالكة مترامية الأطراف بطرق مهمة ولها تبعاتها. وكان الأول والأكثر وضوحا هو جمع “بن سلمان” مجموعة من المسؤوليات لم يسبق لها مثيل في تاريخ الدولة السعودية الحديثة، وأصبح له الآن سيطرة مباشرة وغير مباشرة على السياسة الاقتصادية والدفاعية والأمنية وسياسة الطاقة.
ولقد سبقت وفاة كبار أعضاء “آل سعود”، بين عامي 2011 و2015، صعود “بن سلمان”، وهو ما سمح له بالسيطرة على المجالات السياسية التي تركوها وراءهم. وأصبحت المملكة مع بداية عام 2020 أقرب إلى دولة واحدة ذات قيادة مركزية أكثر من أي وقت مضى منذ وفاة مؤسسها، الملك “عبدالعزيز آل سعود”، عام 1953.
انتزاع السيطرة
ومع السلطة المخولة له من قبل والده، بدأ “بن سلمان” إعادة تشكيل هيكل وتوازن القوى داخل أسرة آل سعود، من خلال تعيين جيل جديد من الأمراء من أحفاد الملك “عبدالعزيز” في مناصب رئيسية في صنع القرار.
وشمل ذلك إخوته الأشقاء وغير الأشقاء، مثل “عبدالعزيز بن سلمان” كأول ملكي يتولى منصب وزير الطاقة، و”خالد بن سلمان” كنائب له في وزارة الدفاع، بالإضافة إلى أفراد العائلة المالكة الأصغر سنًا، مثل “عبدالعزيز بن سعود” وزيرًا للداخلية، و”فيصل بن فرحان” وزيرًا للخارجية. وجنبا إلى جنب مع التعيينات الأخرى على المستوى الإقليمي والمحلي، أعاد “بن سلمان” تشكيل مملكة وفق صورته الخاصة قد يحكمها لمدة 50 عامًا، تمامًا كما فعل جده بين عامي 1902 و1953.
ولكي يحدث ذلك، سيتعين على “بن سلمان” أن يوازن بشكل أكبر بين الطبيعة الحازمة لأسلوبه في اتخاذ القرارات، وسجله الغامض في بعض الأفعال أحيانًا. وربما يكون ولي العهد قد نجا من التداعيات الأولية لمقتل الصحفي وناقد النظام “جمال خاشقجي” في أكتوبر/تشرين الأول 2018، لكن الغضب السياسي المستمر في الكونجرس يعني أنه من غير المحتمل أن يتمكن من زيارة الولايات المتحدة لأعوام مقبلة.
وكانت العلاقات الوثيقة بين “بن سلمان” وإدارة “ترامب”، وخاصةً مع “جاريد كوشنر” صهر الرئيس، قد جذبت العلاقة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية إلى الاستقطاب المفرط للسياسة الأمريكية.
وتستضيف السعودية قمة مجموعة العشرين في الرياض بعد أسبوعين من الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2020، بعد حملة انتخابية أصبحت العلاقات السعودية الأمريكية فيها نقطة خلاف سياسية.
سياسة خارجية غير متوقعة
وبالإضافة إلى التوترات في الكونجرس، كان على القيادة السعودية أن تتعامل مع سياسة لا يمكن التنبؤ بها من قبل إدارة “ترامب”، ونهجها غير التقليدي في الشؤون الخارجية. وقد يكون الرد الضعيف على الهجمات غير المسبوقة على البنية التحتية النفطية السعودية في “بقيق” و”خريص”، وتعليقات الرئيس “ترامب” حول رغبته في “مغادرة” الشرق الأوسط، قد سبب غضبا في المملكة.
لكن عدم وجود استجابة أمريكية حاسمة لهجمات الطائرات دون طيار، على وجه الخصوص، هو ما أثار الشكوك حول التزام الولايات المتحدة تجاه الأمن الإقليمي، وهو الالتزام الذي كان الأساس لحسابات الرياض وجميع دول الخليج الأخرى في العقود الماضية.
وليس من المفاجئ أن يكون كل من السعوديين والإماراتيين قد أعادوا فتح قنوات التواصل السياسي مع الجماعات اليمنية، مثل المتمردين الحوثيين، ومع إيران نفسها، في أعقاب موجة الهجمات المرتبطة بإيران على الأهداف البحرية ومنشآت الطاقة، وسط الشكوك حول رد الفعل الأمريكي.
واستغلت الصين وروسيا الأمر، حيث يحاولان ملء “الفراغ” الإقليمي في الخليج الذي كانت تهيمن عليه حتى الآن الولايات المتحدة ودول غربية أخرى.
وشهدت العلاقات بين روسيا والسعودية تحسنا ملحوظا في مجالات الطاقة والاستثمار، وكانت نقطة محورية خلال زيارة الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” للرياض وأبوظبي في أكتوبر/تشرين الأول 2019.
ومع ذلك، ركزت الزيارة بدرجة أقل على قضايا الأمن الإقليمي، ولن تختار روسيا أو الصين، ولا حتى الهند أو أي من الشركاء الاقتصاديين الآسيويين الآخرين، التعامل مع السعودية وإيران بأي طريقة تشبه إدارة الولايات المتحدة لهذا الملف منذ عام 1979.
وقد يحدث أو لا يحدث فك الارتباط الأمريكي بالمنطقة، لكن تدويل السياسة الخارجية الخليجية أصبح حقيقة واقعة. وسيغير هذا الخريطة الجيوسياسية الإقليمية بطرق غير واضحة بعد، ولكن يجب مراقبتها عن كثب بمرور الوقت.